أكرم كنعو شاعراً

 
 إبراهيم اليوسف
لأعترف، أنني في ذروة إحساسي بفجيعة غياب أحد أقرب الأصدقاء الذين عملت معهم، وهو المناضل الراحل أكرم كنعو، قبل بضع سنوات، لطالما توقفت في ما كتبته عن هذا الصديق الاستثنائي، عند خصاله، وشهامته، ونبله، بالإضافة إلى تفانيه في العمل الحقوقي حيث انضم إلى منظمة حقوق الإنسان في سوريا-ماف، في وقت مبكر، بعد إطلاقها، وكان مثال المناضل الحقوقي الملتزم الذي ينفذ كل ما يكلف به من مهمات، ضمن هيئته، ولذلك فقد كان جد قريب من أسرة هذه المنظمة. أسرته التي ما إن نلتق حتى يكون حديثنا. حوارنا. عن كيفية أداء مهماتها، وتطورها، وما كان ليتردد عن أية مهمة يتكلف بها، ضمن هذه الهيئة، مهما كانت صعبة.
وباعتبار مرحلة عملنا، تلك، كانت جد حساسة، حيث إنها تلت مرحلة انتفاضة الثاني عشر من آذار، واستشهاد الشيخ معشوق الخزنوي، وصعود روح المد المقاوم في مواجهة آلة النظام، وبأدواتنا الحقوقية، وحتى السياسية، فإن هذه المهمات المترتبة علينا أشغلتنا عن الاستغراق في الخوض في الكثير من التفاصيل، في ما يخص علاقتنا الاثنين، وإن كان سيحدثني عن علاقاته ببعض الأدباء والفنانين، من جهة، أو أن يقرأ لي بعض القصائد التي كتبها، وهي قصائد مقفاة، في أكثرها، تتوزع بين ما هو قومي أو غزلي، ويشير إلى أن فلان الفلاني استهوته هذه القصيدة، وأن الآخر غنى تلك الأخرى ، وهوما كان يبهجني، إلا أنني في تلك المرحلة ذاتها كنت أركز كل جهودي على العمل المدني. إطلاق منظمة رديفة تعنى بالمعتقلين لأسميها: روانكه، وأخرى تعنى بالبيئة وأسميها كسكايي، بالإضافة إلى مؤسسة نقابية للكتاب والصحفيين، وهوما كنت أجد فيه عملاً سامياً، لأن كل هذه المؤسسات كانت مكرسة للدفاع عن أهلنا المظلومين، من دون تردد، لذلك فقد تحول كل ذلك إلى حجاب مانع لإيلاء ما كتبه شاعرنا أكرم كنعو الكثير من الاهتمام، كما كنت قد مارست مثل ذلك القمع على الجانب الإبداعي في شخصي، باعتبار أن هناك مجابهة عظمى مع آلة الظلم، وأن بنيان مشروع مدني بات يتأسس، وكان الصديق أكرم أحد أكثر المخلصين ممن عملوا بإخلاص في المشروع الحقوقي. مشروع منظمة ماف، مع آخرين، منهم من قضى، ومنهم من لما يزل يناضل في هذا الميدان، بالإضافة إلى من شغلته ظروف الحياة عن ذلك، وما عاد يرى مثل هذا العمل مجدياً، لاسيما في ظل أمرين اثنين:
أولهما اشتداد آلة القمع ضد العاملين في الحقل الحقوقي، و ثانيهما  كل  ما يتعلق بظروف الحرب والحصار والهجرة، بالإضافة إلى قلة قليلة عملت بمهنية، بعيداً من ركبوا موجة العمل المدني، لأغراض عابرة، وقد تم كشف ورقة التوت عن عري هؤلاء، ممن طالما حذر الصديق أكرم منهم، وتحققت نبوءته بصددهم!
قد أبدو بعيداً عما هومطلوب مني هنا، ألا وهوكتابة مقدمة  لمجموعة شعرية. مجموعة قصائد صديقي أبي لقمان، إلا أنني أراني في صميم ماهو مطلوب، إذ إن أبا لقمان لايمكن النظر إليه، إلا من خلال جملة ملامح تشكل بنية الوعي لديه، ويأتي موقفه القومي، كأبرز الخطوط في هذه البنية، بالرغم من أنه كان إنسانياً في علاقاته، ورؤاه، إلا أنه لم يساوم البتة على إنسانه الكردي، وما اعتقاله، وهو بعد طالب ثانوية، بعد أن صرخ في وجه آلة البعث في أحد احتفالات حزب البعث، قائلاً: هانحن، مع مجموعة من أصدقائه، وكانت النتيجة أن تم اعتقالهم جميعاً، وهم في ريعان فتوتهم، لينالوا التعذيب، والسجن، على أيدي طغاة النظام الحاكم، وليتم حصاره، والضغط عليه، وملاحقته، واعتقاله أكثرمن مرة، نتيجة مواقفه المشرفة.
من هنا، فإن أبا لقمان- كشاعر- لم يجد ذلك الوقت الكافي لقصيدته، التي كان يقتنص كتابتها، على عجل، لتكون صدى لروحه الشاعرة التي لطالما ضحى بها، من أجل موقفه، كما ضحى بالكثير من أجل هذا الموقف، وكانت نهاية حياته في هذا الإطار، إذ قضى، وهو في مهمة اجتماعية، دفع حياته ثمناً لها، وقد كان بإمكان هذه القصيدة التي انشغلت بالإيقاع الخارجي، من خلال تقفيتها، وقصر عبارتها، واستخدام المفردة البسيطة، الشفافة الواضحة، كامتداد لخطاب روح السياسي الذي هيمن عليه، منذ أن فتح عينيه على هذا العالم.
اطلاعي على قصائده، أثناء حياته، كان من خلال استماعي إليه، وهو يلقيها علي، وإن كنت قد تعرفت على نحو مباشر، على نحو آخر من كتاباته التي كان ينشرها في جريدة الحزب الذي ينتمي إليه – البارتي- وكانت لها مناح أخرى. كتابات تتعلق بهموم إنسانه، أو هواجسه ورؤاه السياسية، وهوما يجعلني أؤكد أنه كان من هؤلاء الذين لايدخرون وسيلة في سبيل تغيير واقع إنسانهم المكبل، ومستقبله، من دون أن ينخرط فيه، مهما كان ثمن ذلك.
ما يهمني، الآن، وأنا في حضرة روحه، في عشية ذكراها التاسعة، إلا أن أقدم شهادتي بأن أبا لقمان كان من أوفى الأوفياء، الأنقياء، من أصدقائي المخلصين، وهو ما جعلني أستشعر غيابه. أستفقده. أتنكبه، كأحد المقربين إلي ممن فجعت بهم، وكان في رحيله خسارة شخصية وروحية وحياتية بالنسبة إلي، لأننا كنا نلتقي في الكثير من المواقف، أضف إلى أنه كان بيننا ثمة مشروع كبير يمس حرية إنساننا وغده.
واثق، لو أن أبا لقمان كان بيننا الآن، لكان قد واصل مشروعه الكتابي- في مجال القصيدة- وطورها، بالشكل الذي كان يأمله، لاسيما وإنه كان يمتلك رصيداً من الحساسية، والمشاعر، والموهبة التي كانت تتطلب التفرغ لها، لتشتعل شرارتها الأولى، وتندلع ألهبة قصيدته، وتغدو في الصورة المحلوم بها، إلا أن أيدي القدر كانت جد سريعة، لأنها اختطفته من بيننا، ليتنكبه كل من التقاه، ويستشعر غيابه كأحد أفراد أسرته!
لكم كانت فرحتي كبيرة، وأنا أتلقى خبر قيام ذويه، ورفاقه، بتقديم هذه النصوص التي تركها بين كشاكيل حبره المعتق، للطباعة، وتكليفي بكتابة مقدمتها،  لتذكر بأثره، ولتشير إلى مشروع شاعر خسرناه، لأنه- وبحق- كان شفافاً، رقيق القلب، موهوباً، وله من النصوص التي تركها في مطلع شبابه الكثير، وهي برمتها قصائد إنسان مقاوم، وعاشق أبي، ووطن مكبل، مصفد.
كما أنني آمل أن يتم جمع ما تركه من آثار أخرى: مقالات كتبها في مجال حقوق الإنسان، أو السياسة، أو في ما يخص المجتمع، وكل ماكتب فيه بعد رحيله، وسوى ذلك، بالإضافة إلى حوار جد مهم، وشامل، كنت قد أجريتُه معه، باسم مستعار، آنذاك، وهو “آلان جزراوي”، قال عبره الكثير، إلا أنه، وللأسف، قد اختفى، مع اختفاء المواقع التي احتضنته!؟
لروحك السلام أبا لقمان المناضل والإنسان الشهم النبيل والصادق والوفي!
إيسن/ ألمانيا
1-3-2019
* كتبت- المقدمة- لمجموعته التي نشرها رفاقه ولم تنشرلأسباب فنية


شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

جان بابير

 

الفنان جانيار، هو موسيقي ومغني كُردي، جمع بين موهبتين إبداعيتين منذ طفولته، حيث كان شغفه بالموسيقى يتعايش مع حبّه للفن التشكيلي. بدأ حياته الفنية في مجال الرسم والنحت، حيث تخرج من قسم الرسم والنحت، إلا أن جذوره الموسيقية بقيت حاضرة بقوة في وجدانه. هذا الانجذاب نحو الموسيقا قاده في النهاية إلى طريق مختلف، إذ…

عصمت شاهين الدوسكي

 

أنا أحبك

اعترف .. أنا احبك

أحب شعرك المسدل على كتفيك

أحب حمرة خديك وخجلك

وإيحاءك ونظرتك ورقة شفتيك

أحب فساتينك ألوانك

دلعك ابتسامتك ونظرة عينيك

أحب أن المس يديك

انحني حبا واقبل راحتيك

___________

أنا احبك

أحب هضابك مساحات الوغى فيك

أحب رموزك لفتاتك مساماتك

أحب عطرك عرقك أنفاسك

دعيني أراكي كما أنت ..

——————–

قلبي بالشوق يحترق

روحي بالنوى ارق

طيفي بك يصدق

يا سيدتي كل التفاصيل أنت ..

——————–

أحب شفتاك…

لوركا بيراني

في الساحة الثقافية الأوروبية اليوم، نلمح زخماً متزايداً من التحركات الأدبية والثقافية الكوردية من فعاليات فكرية ومهرجانات وحفلات توقيع لإصدارات أدبية تعكس رغبة المثقف الكوردي في تأكيد حضوره والمساهمة في الحوار الثقافي العالمي.

إلا أن هذا الحراك على غناه يثير تساؤلات جوهرية حول مدى فاعليته في حماية الثقافة الكوردية من التلاشي في خضم عصر…

محمد شيخو

يلعب الفن دوراً بارزاً في حياة الأمم، وهو ليس وسيلة للترفيه والمتعة فحسب، ولكنه أداة مهمة لتنمية الفكر وتغذية الروح وتهذيب الأخلاق، وهو سلاح عظيم تمتشقه الأمم الراقية في صراعاتها الحضارية مع غيرها. ومن هنا يحتلّ عظماء الفنانين مكاناً بارزاً في ذاكرة الشعوب الذواقة للفن أكثر من الملوك والقادة والأحزاب السياسية مثلاً، وفي استجواب…