ترجمة: عمر رسول
بالرغم من أن بهمن قبادي يبتسم ويضحك دائماً فهو ليس برجلٍ سعيد. والسبب الكامن وراء عدم سعادته هو أنه بالإضافة إلى كونه مخرج سينمائي في بلد لا زالت تتعثر فيه صناعة الأفلام، يترتّب عليه تحمّل المسؤولية الكاملة عن الجوانب الأخرى لصناعة الفيلم كواجبه في توفير التمويل و إيجاد الممثلين، في الوقت الذي يعمل فيه كمنتج. وقبل أن يتولى مسؤولية أية مهمة من هذه المهام فإنّ عليه، أولاً، أن يكتب النصّ السينمائي، وأن يتمكّن من الحصول على رخصة تصوير الفيلم من السلطات الإيرانية. .
على أية حال، يوجد سبب آخر لدى بهمن قبادي لكيلا يكون سعيداً وهو أنه كرديّ. وبهذا الصدد يقول: “لا يحظى الكرد بلحظة واحدة من السعادة لوجود أنشوط في أعناقهم. فهم يريدون الصّراخ ولكنهم لا يستطيعون. تاريخهم مضمّخ بالنّزوح الجماعي. تاريخ شعبٍ يعيش حالة تنقّل دائم. ففي هذه النقطة يشتركون مع السينما بفن الحركة”.
ولد بهمن قبادي عام 1968 (وفي مصادر أخرى 1969 –المترجم) في مدينة “بانه” الصغيرة في كردستان إيران. كان والده شرطياً، يُعرف بـ”نزوة السيطرة”… كان يطلب من ابنه على الدوام أن يحتسب لتحركاته، فيسأله أين كان وماذا كان يفعل.
لقد قُصِفت مدينة “بانَه” بوحشية خلال الحرب العراقية-الإيرانية (1980-1988)، لذا نزحت العائلة عام 1983 إلى سَنَنْدَجْ –الحاضرة الإقليمية. وبتشجيع من والده، الذي كان يحرص أن يبعد ابنه عن المخدرات، لئلا يغدو كالعديد من الشباب المدمنين في سنندج، أصبح بهمن البالغ من العمر خمسة عشر عاماً بطلاً في المصارعة. وفي هذا الأثناء نشأت علاقة صداقة بينه وبين مصوّر يملك محل تصويرٍ بالقرب من صالة المصارعة. وهنا يقول: “كلما ذهبت إلى صالة المصارعة، كنت أخرج من البيت قبل نصف ساعة من الموعد المحدّد لأزور صديقي المصوّر. وفي أحد الأيام قرّرنا أن نخرج معاً لتصوير مناظرٍ من الطبيعة. وبعد تحميض الصور، أخبرني بأنني اجترحت معجزة. سررت بهذا الثناء، وبدأت بعد ذلك أهتم بكتب التصوير. هذه كانت بدايتي، ولا بدّ أنكم تعرفون أن فنّ السينما يبدأ عادة بالرّسم أو التّصوير”.
كان بهمن الشّاب مهتماً بمشاهدة الأفلام من قبل، حيث كان يستأجر أجهزة الفيديو كثيراً، وكانت والدته تساعده
في ذلك، فعندما كان والده يسأل عنه كانت تقول أنه نائم، بينما كان في الواقع يتفرج على فيلم خارج البيت. كان والده قمعياً، أما والدته وأخته فكانتا مفعمتان بالحب والحنان تجاهه، هذه هي باختصار قصة شباب بهمن…القصة التي يخطط لها ليرويها في فيلمه القادم الذي أُجّل كثيراً لأسباب تتعلق بالصعوبات التي يعانيها على صعيد حياته المهنية.
وبعد أن انضم إلى نادٍ سينمائي للهواة في سَنَنْدَجْ، قرّر بهمن أن يدرس السينما، فسافر إلى طهران حيث درس في الجامعة لمدة ثماني سنوات مضنية.
جاءت فرصته الكبيرة عندما اقنع المخرج المشهور عباس كياروستامي بأن يعمل عنده بأجر. عَلِم بهمن بأن كياروستامي بصدد تصوير فيلم عن قرية غامضة، وأنه يبحث عن المكان المناسب لتصوير فيلمه. اتصل بهمن قبادي بالمخرج كياروستامي وأخبره بأنه يستطيع مساعدته في ذلك. وبعدئذٍ سافر الاثنان معاً إلى كردستان إيران، حيث أصبح بهمن قبادي مساعداً لكياروستامي في فيلمه “سيحملنا الريح” (Wind Will Carry Us). كانت هذه التجربة بالنسبة لبهمن هي فرصة العمر. فقد أصبح الساعد الأيمن لمخرج كبير، وبدأ يتعلم كيف يتم صنع فيلمٍ جيّد.
ولاحقاً، التقى بمحسن مخملباف، النجم الصاعد في السينما الإيرانية، ووالد صديقته الشخصية سميرة مخملباف. لقد عمل بهمن مع سميرة بوصفه مستشاراً تقنياً، ثم تابع مشواره معها حتى أصبح إحدى الشخصيتين الرئيسيتين ـ أحد المدرسين، في فيلم سميرة مخملباف “السبورة السوداء” ) (The Black Board.
كان بهمن قبادي مسروراً، لأنه نجح في جلب أهم مخرجَين سينمائيين في إيران إلى كردستان. وبهذا الصدد يقول بهمن قبادي بضحكته المعهودة: “لقد أصبحت كردستان منطلقاً لفنّ الإخراج السينمائي. ونحن الكرد لسنا سوى جمهور صامت في الفيلم”.
اُعتبر فيلمه الأول “زمن للخيول السّكرى” (A Time For Drunken Horses)تحفة فنية. لقد حصل الفيلم على جائزة الكاميرا الذهبية في مهرجان “كان” السينمائي المعتبر لعام 2000. يروي الفيلم قصة شبابٍ كرد يكسبون معيشتهم من وراء التهريب عبر الحدود العراقية الإيرانية، رغم المخاطر الكبيرة التي تهدّد حياتهم. وفي نهاية الفيلم، يستعد المهرّبون ليجتازوا الجبال أثناء عاصفة ثلجية باردة، وقبل البدء برحلتهم يصبّون الويسكي في الماء كي تشربه خيولهم. يعدّ هذا المشهد من أغرب المشاهد التي شهدتها السينما في إيران حتى الآن. ويقول بهمن قبادي عندما ذهب لمقابلة الموظف الحكومي للحصول على إذن يسمح له بتصوير فيلمه، لامه الموظف على مشهد الخيول السكرى في الفيلم، “أخبرته مازحاً، أن الخيول هي السكرى، وليس الرجال، فمنحني الرخصة”.
كما أن فيلمه الثاني، “أغاني وطني الأمّ” (The Songs of My Mother””s Country)، قد نال إعجاب النقاّد. يروي الفيلم قصة مغنٍّ عجوزٍ واثنين من أولاده، وهم في رحلة بحث عن زوجته العجوز الأولى، تمضي بهم الرحلة إلى كردستان العراق التي دمرتها الحرب، وغادرها سكانها. وفي معرض ردّه يقول قبادي: “إنها ليست قصة مخططة، كما في الفيلم الأول، بل إنها أكثر فنية. إنها رحلة عبر بلد تتواجد فيه السَّكر، والفرح، والحرب، والقتل…أردت أن أقول أن الكرد ليسوا مستقرين، بل هم في حالة دائمة من عدم الاستقرار والانتقال”. إن الشخصيات الرئيسية الثلاثة في الفيلم هم ممثلون هواة، ولكن الموسيقيين هم محترفون. للأغاني والموسيقى في الفيلم أهمية كبيرة، ولا شك أن المشاهد الذي لا يفهم اللغة الكردية سيفقد جزءاً مهماً من الفيلم.
مرة أخرى، الشخصيات في هذا الفيلم أيضاً تعبر الحدود على غرار فيلم “زمن للخيول السّكرى”، وهذه الفكرة حاضرة بقوّة في أفلام بهمن قبادي. يقول: “كتب أيونسكو Ionesco)) أن الزمن هو ألدّ أعداء الإنسان، أما بالنسبة لي فأن ألدّ أعداء الإنسان هي الحدود. لقد فرضتها القوى العظمى على الكرد. أكره الحدود. لا يمرّ يوم في كردستان دون أن ينفجر لغم أرضي بأحد الأشخاص، وهو يحاول عبور الحدود”.
يقول بعض النقاد أن بهمن قبادي سمح للممثلين في فيلمه “أغاني وطني الأمّ”، بأن يلعبوا أدوارهم بشيء من المبالغة على طريقة ممثلي كوستاريكا. ولكن أغلبية المشاهدين الذين حضروا الفيلم في دوارنينيز أحبّوا الفيلم.
يقول بهمن قبادي تواجهني مشاكل تقنية جمّة. “أردت أن أصوّر الفيلم في مناخ خاص. أردت أن يكون هناك ثلج وضباب. لقد هطلت الثلوج هذا العام، ولكن كانت أقل من العام الماضي، لذا فقد ذابت بسرعة قبل أن ننتهي من تصوير الفيلم. لهذا ذهبنا مع الكومبارس، وكان عددهم 600 شخصاً، في 30 باصاً إلى مكان آخر. وجدنا الثلوج هناك، ولكن لم نجد الغيوم. وفي النهاية أنهينا تصوير الفيلم في غضون ساعتين في مقاطعة هَوْرَمان”.
ثمة مشاكل أخرى تعترض سبيله كونه يعيش في إيران، ولكنه يتحفظ على الجّهر بها. إنه لا يحب السياسييّن. حلمه، كما يقول، هو خلق “سينما كردية حقيقية”.
ويضيف بهمن قبادي: “إن السينما الكردية هي مثل المرأة الحامل، ينبغي أن يساعدها أحد حتى تجتاز مرحلة المخاض…فليس بوسع أحدٍ أن يتركها تموت. لا يمكنكم تقدير مشاعري. هناك خمسة أو ستة دور للسينما فقط لعشرة مليون شخص في كردستان إيران. وأحلم بأن أكون بين أفضل السينمائيين في العالم”.
——-
ترجمة عمر رسول
عن: The Middle East Magazine