فراس حج محمد/ فلسطين
يحيل هذا العنوان إلى عناوين مشابهة، حيث البحث عن الجانب المستتر للأدباء، أو ذلك الذي لم يكن هو محور القراءة والاهتمام في حياتهم، فثمة من كتب “محمود درويش ناقدا“[1]، وهو يفتش عن مخفيّ جدير بأن يظهر في شخصية الشاعر، ويريد أن يلفت النظر إليه؛ إذ لا يفكّر القارئ بهذا الجانب، فكما كان عند درويش، وُجد أيضا عند إميل حبيبي وسميح القاسم وإلياس خوري، وماريو فارغاس يوسا وجورج أورويل وبورخيس، وغيرهم. وإن لم نجد العناوين المشابهة لهذين العنوانين، لكنها تشكّل بمجموعها ظاهرة لا بد من الالتفات إليها، وهي ظاهرة المبدعين الذين مارسوا النقد، ولم يكونوا نقّاداً.
إذاً، لم يكن غسان كنفاني وحيدا في ممارسته الإبداع والنقد معاً، لكنه بخلاف المبدعين الآخرين الذين كتبوا نقدا جاء نقده مغايرا تماما، ليس كونه نُشر تحت اسم مستعار “فارس فارس” فقط، بل لأنه أيضا مغاير في أسلوب النقد وطبيعته، حيث ركز كنفاني بأسلوبه الساخر على المهمة الأولى للناقد، وهي تمييز الجيد من الرديء في العملية النقدية.
لقد علمني كتاب “فارس فارس” لغسان كنفاني الكثير، وقد نصحت بقراءته كثيرا من الكتّاب الأصدقاء، وصرت أتحدّث عنه كثيرا في محادثاتي معهم، والغريب في الأمر أن هذا الكتاب منشور ضمن المجموعة الكاملة لمؤلفات غسان كنفاني، لكنّ قلة قليلة منهم من ينتبه له، ولعل شهرة غسان القصصية والروائية جعلت هذا الكتاب في الظلّ، ولم يلتفت إليه إلا الدارسون أو بعضهم فقط. أو أنه لا أحد معنيّ بالنقد، فقليل من الكتّاب على ما يبدو من يقرأ نقدا، فما حاجتهم للمعرفة وهم يرون أنفسهم جهابذة ولا غبار على ما ينتجونه من “إسهال” كتابيّ؟
يشكّل هذا الكتاب الذي نشرت مقالاته في الملحق الأسبوعيّ لصحيفة “الأنوار”، ومجلة “الصيّاد”، إضافة نوعية لجهود غسان كنفاني البحثية: “الأدب الفلسطيني المقاوم تحت الاحتلال 1948-1968″، و”أدب المقاومة في فلسطين المحتلة”، و”في الأدب الصهيوني”، وغيرها مما جاء في المجلد الخامس الذي اشتمل على دراسات غسان السياسية. والطريف في هذا الكتاب أنه يكشف عن جانب مهم من جوانب إبداع كنفاني، بعيدا عن مفهوم الدراسة الأدبية المتحقق في كتبه الثلاثة تلك أو دراساته السياسية، وأعني الجانب المتعلق بالناحية النقدية، فقد كتب غسان نقدا مهما في هذا الكتاب، وكان جريئا وساخرا في آنٍ، لكن ما يعيب الكتاب من وجهة نظري، هو أن هذه المقالات قد نشرت تحت اسم مستعار كما ذكرتُ أعلاه، ولم يعرف أن صاحبها على وجه التأكيد هو غسان كنفاني إلا يوم استشهاده اغتيالا صبيحة الثامن من تموز عام 1972. فقد كتب المحرر آنذاك قبل المقال الأخير لفارس فارس، ونشر في 13 تموز: “لن يكتب فارس فارس في “الصياد” بعد اليوم… هذا المقال الذي كتبه غسان قبل أيام من استشهاده لم يكن مقدرا له أن يكون المقال الأخير باسم فارس فارس”.
هل صفع غسان كنفاني الحياة الأدبية صفعة قوية عندما علم المثقفون أن من كان يزعجهم برأيه النقدي هو ذاك الكاتب السياسي والروائي والقاصّ غسان كنفاني، والسؤال المهم: لماذا يفعل غسان كنفاني هكذا؟ هل أراد غسان فعلا أن يتخلص من شخصيته الجادة فيعبر بشخصية أخرى هزلية ساخرة نقدية بعيدا عن السياسة، فيمارس حريته كما ينبغي؟ في حوار مع آني كنفاني [2] زوجة غسان تجيب على سؤال سماح إدريس: “هل قال لك لماذا كان يستخدم اسماً مستعاراً؟”: “الحقيقة أنّ مجمل ما كتبه بهذا الاسم عبارة عن مراجعات كتب، ونقد اجتماعيّ. ربّما كان ذلك طريقَه إلى الكتابة بأسلوب غير الذي استخدمه في رواياته وقصصه ومقالاته السياسيّة. ولم يكن تغيير اسمه لأيّة دواع سياسيّة”.
إن ما قدمته آني كنفاني وقدّمه الدكتور محمد دكروب في مقدمة الكتاب من تفسيره لهذا الأمر غير مقنع. ربما وببساطة شديدة أن غسان كنفاني كان خائفا من مواجهة الكتّاب وأن يفتح معهم معارك جانبية، فتشوش تلك المعارك على قضيته الأساسية، كونه سياسيا ومناضلا وروائيا جادا، أي لم يكن يرغب في افتعال صراع جانبي، يؤثر عليه في صراعه السياسي. ولكن أيضا لماذا يغضب منه الكتّاب؟ ولماذا لا يحبّ الكتاب النقد ويرغبون به في الوقت ذاته؟
لقد كان غسان كنفاني قويا، ذا موقف صلب، وهو يقدم رؤاه النقدية في تلك المقالات، وأوجد له معجبين وقراء كثيرين، ومن جهة ثانية لقد امتدح كنفاني أولئك الكتّاب الجريئين الذي بعثوا له كتبهم ليكتب عنها نقدا بطريقته الساخرة وينشره على الملأ، كأنهم لم يخافوا من النشر أو الكتابة أو النقد.
يضع كتاب “فارس فارس” طرفي العلمية الإبداعية في المواجهة، ما بين كتّاب يخافون من النقد ويرغبون به في الوقت ذاته، وبين ناقد يخاف الكتّاب فيتخفّى تحت اسم مستعار، ليكتب بأريحيّة دون ضغوطات أو معاتبات. معادلة تبدو مقبولة نوعا ما في هذا المجتمع الذي لا يرغب أحد، فضلا عن مفكريه ومبدعيه، في النقد والانتقاد، فالكل يحب أن يُمدح، حتى وإن كان المدح زوراً وبهتاناً. وربما جاء انتقاد الكاتب من ناقد متخفٍّ أهون عليه نفسيا من ناقد يشهر اسمه في وجهه، ليكونا في مواجهة حادة أمام المجتمع الثقافي. فكان ثمة رضى مسموت عنه تجاه هذه المعادلة.
هذه الحقيقة أشار إليها الكاتب رجاء النقاش وهو يكتب مقدمته التحليلية لرسائل أنور المعداوي إلى فدوى طوقان، وقد احتوت الرسائل على آراء نقدية جريئة ضد كثير من الكتّاب، ولكن لم يكن المعداوي يتوقع أن تنشر يوما، فكان جريئا وهو يحدث الشاعرة فدوى بتلك الآراء، فلو لم يكن المعداوي يخشى الكتّاب لصرح بآرائه تلك خارج إطار رسائل خاصة وحميمية بينه وبين الشاعرة بوصفها حبيبته، ويكتب لها متجردا وبموضوعية وقناعة تامتين]3[.
وعلى أية حال، فإن مقالات “فارس فارس” مهمة، وتكتسب أهميتها في جوانب متعددة، أولا، لأنها عرفت القرّاء على عدة كتب ومجموعة مؤلفين لم يعد لهم ظهور اليوم، ولم يعد يلتفت إليهم أحد، وصاروا مع كتبهم نسيا منسيا، فقد كانت نظرة غسان كنفاني في تلك الكتب وفي أولئك الكتاب صائبة تماما، فقد سقطوا مع الزمن، ومن هنا يجب أن نقدّر للنقد الصادق أهميته، وفي قوله الحقيقة المتصلة بفنيّات تلك الكتب التي “نشر عرضها” غسان كنفاني بأنياب فارس فارس الحادة الساخرة. وعلى الطرف المقابل ما زلنا نقرأ لكتاب استطاعوا أن يترسخوا في تربة الإبداع ولم يموتوا كغيرهم، وهم من أشاد بكتبهم غسان كنفاني.
إن مهمة الناقد الأصلية، والفطرية، إن صحّ هذا الوصف، هي دائما تمييز الجيد عن الرديء في الكتابة والكتب، إذ لا يكفي، كما كنتُ أعتقد، أن تُهمل الكتابَ الرديء ولا تتحدث عنه، وأن تهتم بالجيد فقط، وكأن قلة النقد نقد، لا يصح هذا المنطق في الحياة النقدية والأدبية، بل لا بد من وضع النقاط على الحروف وأن نقول “للأعور أعور في عينه”، كما قال المثل، وجريا على قواعد فارس فارس النقدية الساخرة اللاذعة.
وتشير تلك المقالات أيضا إلى فائدة أخرى مهمة، وهي تقدم خريطة للإبداع في فترة “الستينيّات” وأول السبعينيات، فحضر الشعر والقصة والرواية والبحث والكتاب الفلسفي والمسرحية والدراسة الأدبية، عربية وأجنبية وعبرية، وتدلّ على أن غسان كنفاني، رغما عن مشاغله الكثيرة، كان قارئا نهما ومتابعا جيدا، بل حريصا على كل ما يصدر تباعا، بل كان أحيانا ينتظر صدور بعض الكتب ليكتب عنها. هذا يكشف عن جانب مهم من عُدّة الناقد الأدبية التي يجب أن تتوفر لديه ليكون ناقدا يُعتدّ برأيه ويُرهب جانبه، فكان يربط بين تلك الكتب ويحيل إليها حيث يلزم الربط وتستوجب الإحالة. لقد جاء كتاب “فارس فارس” ليدحض ما بدا لي أنه قاعدة مطلقة أو شبه مطلقة، “أن أدب الستينيّات كان أدبا جيّدا”، إذ كثير من تلك الكتب كان يشير كنفاني أن موضعها الصحيح “سلة المهملات”، وأن جزاءها الأوفى هو الحرق، أو ما شاكل تلك العبارات التي تحتج على رداءة تلك الكتب المنقودة. إن ما بقي مقروءا الآن من تلك الكتب هي الكتب الجيدة فعلا.
برزت شخصية غسان كنفاني النقدية في هذا الكتاب، فقدم وجهة نظره في الفنون الأدبية بشكل عام ولم يتوقف عند الأعمال المنقودة فقط، فقد تحدث عن الشعر وكيف يراه، منتقدا ما فيه من غموض وإبهام وطلاسم، كما كان يشير أحيانا إلى السذاجة والتكرار فيه، وأشار أيضا إلى أهمية فن السخرية، ومشاكل من كتبوا أدبا ساخرا، فكان يسخر من سخريتهم غير المتقنة. ولم يفُت غسان أن يلاحظ أن الكتّاب في تلك الحقبة كانوا كثيرين وخاصة العراقيين، وأن هناك تمسُّح للكتّاب بالشعر، باعتباره فنا عالي المستوى، كما لم يغفل عن دراسة ظاهرة الإعلانات في الصحف ليشتقّ منها سمات للمجتمع الذي تتوجه إليه، ليكون ناقدا ثقافيا إلى جانب كونه ناقداً أدبياً سواء بسواء.
ولاحظ فارس فارس أيضا وهو ينقد بعض النصوص المسرحية ندرة المسرحيات، وفرّق بلفتة نقدية بين المسرحيات المكتوبة وبين المسرحيات المعدة للتمثيل، إن ما التفت إليه كنفاني فيما يخص الالتباس بين المسرح المكتوب والممثل، سيكون بذرة ستثمر على يد الكاتب الجزائري عز الدين جلاوجي مجموعة من النصوص، أطلق عليها مصطلح “مسرديات”، و”هي نصوص مسرحية مكتوبة بنكهة السرد، فتكسب القارئ وتأخذ بيديه إلى خشبة المسرح، بحيث يكون النصّ مهيّأ للعرض”[4].
ومن طريف رأي غسان كنفاني النقدي ما قدمه حول كتابة القصة القصيرة، هذا الفن الذي يراه الكتّاب سهلا، ولكنه أصعب مما تتخيل، فكتابة القصة القصيرة، كما صرح بذلك فارس فارس، “عملية مرهقة للغاية تحتاج إلى موهبة قول الشيء باختصار شديد الإيحاء. إنها من حيث الصعوبة تشبه أن تعمل على كسب موافقة سيدة جميلة تراها لأول مرة في المصعد لتقبل منك قُبلة عرمرمية قبل أن يصل المصعد اللعين إلى الطابق الخامس حيث يتوجب عليها أن تغادرك”. ولغسان في الحقيقة آراء تشبه هذا الرأي الطريف في الشعر والرواية وفن السخرية.
ومن الجوانب التي أبرزتها تلك المقالات من شخصية كنفاني، هو أنه ظل وفيا، على نحو متكامل، للشروط الفنية والرؤى الفكرية اليسارية التحررية والوطنية بتلازم تامّ، فعاب كثيرا على الكتاب اتكاءهم على القضايا الكبرى ليسوّقوا أدبهم، بل كان يرى على سبيل المثال أن “كتابة قصة قصيرة ناجحة هو عمل وطني”. فلا يكفي أن تكون نظيفا وطنيا ليكون كتابك جيدا. ومن هذا الباب عاب على ماركس أشعاره، وماركس شاعرا غيره مفكرا عظيما. هذه رسالة مهمة للكتّاب، فالقضايا الكبرى ليس باستطاعتها حمل الكاتب، ولا بجعله كاتبا جيّدا، وإن حملته لفترة من الزمن سيأتي يوم ويجد نفسه عاريا كسيحا لا يستطيع المشي، وأعمى لا يرى شيئا.
لعل كتاب غسان كنفاني “فارس فارس” قد أسس لما بات يعرف بالنقد التفاعلي، عندما أتاح للقراء أن يناقشوه، ويرسلوا إليه آراءهم في مواضيع محددة، ونشر أيضا رد بعض الكتاب عليه، ودخل في سجال معهم، وليس هذا وحسب بل إن لغة المقالات هي لغة سهلة وبسيطة، ومطعّمة أحيانا بالألفاظ العامية، ما تجعلها قريبة من القارئ وأمزجة قراء الصحف المتعددين في أفكارهم ومستوياتهم العلمية والثقافية، لقد جعل كنفاني النقد والأدب قريبين من القراء عبر هذه الآلية المحببة من السخرية والوضوح في تناول الأفكار والأعمال الأدبية، ولغة الحوار التي كان يوظفها كنفاني في مقالاته تلك. كل تلك الجوانب كانت مهمة في التأسيس للنقد التفاعلي الذي جاء بعده بسنوات ليتحدث عنه الناقد الأمريكي رونان ماكدونالد في كتابه “موت الناقد” (الأكاديمي)، أو النقد الافتراضي كما طرحه الكاتب حسن المرزوقي في كتابه “هكذا تكلّم القارئ”، وإن كان المفهوم عند المرزوقي محصورا بالنقد المخصّص بالمواقع الإلكترونية المختلفة، ومنها مواقع التواصل الاجتماعي ومواقع نشر الكتب الإلكترونية والترويج لها. بل ربما أعاد غسان كنفاني للنقد أهميته الأولى وهو جعله تفاعليا، بعد أن اختطفته أيادٍ آثمة كثيرة أكاديمية وتنظيرية وحشرته داخل أسوار الجامعة والمجلّات التخصصية، وجعلته فنا نخبويا خالصا للمثقفين بلغة طلاسم لا تفيد أحدا، بما فيهم الكاتب نفسه، ما يفسر أحيانا تعالي الناقد عبر استخدامه لغة تحتاج إلى التفسير والشرح، وتذهب بعيدا في إيغالها في المصطلحات النقدية الصعبة المنقولة من النظريات الغربية، ما أوقعها في مشاكل حقيقية معرفية وبنيوية ذات أثر سيّئ في حركة النقد العربية.
ولم يهمل “فارس فارس” الاهتمام بالناشر، والتفت إليه وإلى ما يقوم به من عمل، فيمرر إلى القارئ كتبا ليست ذات سوية عالية، وما يقوم به أحيانا بعض الناشرين من عمليات تسويق للكتاب بكلمات تظهيرية، تعرّي حقيقة الناشر غير الواعية في الاهتمام بكتاب وكاتب لا يستحقان الاهتمام أو النشر. إنها عملية نصب واحتيال بلا شك في ذلك.
لم تكن الكتابة النقدية عند غسان كنفاني نوعا من التسلية، أو مجرد كتابة عابثة أو فَكِهة، بل كانت عملية “تأمل للكتابة ذاتها”، فقد كان يستنطق الجمال الأدبي الفني ويرشد إليه. إن الحياة الأدبية اليوم بحاجة إلى كتاب “فارس فارس”، للكاتب والناقد والقارئ والناشر، وعلى الكل أن يروّض نفسه ليتقبل شروط الإبداع، فعلى الكاتب أن يكتب وهو واع تماما على النواحي الجمالية، فالكتابة ليست “خبط لزق”، وليست ضربة حظ عشوائية، وعليه أن يكتب وهو مستعد لمواجهة الناقد، فلا يغضب ولا يحرد، ولا يرشّ على الناقد قلة أدبه شتما وتجريحا.
وعلى الناقد أيضا أن يكون جريئا، ومسلحا بكل الأدوات اللازمة للنقد، فالنقد عمل جليل وله قواعد وأصول، وليس سهلا، وعلى القارئ أن يكون واعيا لما يقرأ؛ لأن كل كتاب مقروء سيكون له أثر في وعي القارئ سلبا أو إيجابا. فالكتب خطيرة، وهي تربّي الذائقة الفنية والجمالية والفكرية، فكل كتاب يُقرأ إما أن يرفع من مستوى الوعي لدى القارئ، وإما أن يساهم في تردّيه، وإن استمرّ في تلقي الكتب الرديئة سيساهم ذلك بلا شك في إنتاج ذائقة معتلة، ترى في ذلك النوع من الكتب أمهات ومقاييس تحتذى في الصنعة الأدبية. كما وجه فارس فارس رسالة تحذيرية للناشرين في أن يكونوا على قدر المسؤولية وهم يمارسون مهمة النشر وتعميم المعرفة.
هل سيتعلم النقاد من غسان كنفاني النقد كما تعلموا منه صنعة الكتابة القصصية والروائية؟ يا ليتهم يفعلون، وإن اضطروا للتستر خلف أسماء مستعارة في نهاية المطاف فليفعلوا، فها هو ناقد إنجليزي يختفي وراء اسم “مؤلف سردي”]5[ لينتقد الرواية الإنجليزية المعاصرة. إن المهم هو أن يوجد من يستطيع أن يقف ضد هذا الغثاء والضبابية اللذين يجتاحان هذا العالم الرديء، فلو وجد ذلك الناقد الجريء لما تجرأ كاتب أن ينشر بهذه السهولة، ولكان توقف الناشر مليا قبل أن يدفع بمخطوطات الكتّاب إلى ألسنة المطابع لتصبح وجبات ثقافية عديمة الفائدة لقراء يتلهفون للقراءة، فيصابون بالغثيان، فيكون كل من الكاتب والناشر والناقد هم من قتل شهية القراءة المفيدة لدى القارئ المنتظر، إن كتاب “فارس فارس” يثير سؤالا أبعد من دائرة النقد، ويتخطاها إلى دائرة تلقي القارئ نفسه، فالعزوف عن القراءة أيضا يتحملها ذلك النوع من الكتب الرديئة التي تلفظها المطابع وتغرق بها أسواق الكتب بلا أدنى ريب.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش:
[1] نشر مقال تحت هذا العنوان في موقع ميدل إيست لأونلاين (MEO) بتاريخ 3-7-2017. يُنظر المقال خلال هذا الرابط: https://cutt.us/CSAIn
[2] مجلة الآداب، بيروت، عدد (7-8)، تموز (يوليو)، آب (أغسطس)، السنة (40)، 1992، ص19.
[3] يُنظر كتاب “بين المعدّاوي وفدوى طوقان صفحات مجهولة من الأدب العربي المعاصر، الهيئة العامة المصرية للكتاب، القاهرة، 1996، ص32.
[4] ينظر موقع ديوان العرب، وما كتب حول المسردية من خلال الرابط الآتي: https://cutt.us/8h9NQ .
[5] ينظر ما كتبه الناقد صبحي الحديدي في مقالته المنشورة في صحيفة القدس العربي تحت عنوان: “إنهنّ يقتلن الرواية”. الاثنين: 13-7-2020، الصفحة الأخيرة عمود (هواء طلق).