نوروز بنسقيه الشعبي والطقسي

وليد حاج عبدالقادر / دبي 

في الجدل المستمر والمفترض حول نوروز المعنى والمصطلح ، وببعده الجماهيري المتدرج في معانيه الحبلى بكثير من المفاهيم المتداخلة ، والتي ارتقت الى سويات أسطورية ، هذه السويات التي نعني بها و بالتحديد المغزى الأسطوري والماهيته التعريفية إن بصيغها او إصطلاحاتها العلمية ، والتي كانت تتمظهر بصيغ ما ، وبالأخص تلك الهالة القدسية التي تراكبت عبر السنين والأجيال ، وحوطتها بترانيم قدسية استمرت تتراكب حول أساسياتها ، وعليها بدت جميع الظواهر الخارقة اصطلاحا ، مجرد خرافات أشبه بعظات لآلهة – ابطال يملكون قوة او يمارسون افعالا خارقة ، والتي لم تكن سوى مجرد انعكاس لتلك القدرات الخارقة سواء من جهد أوقوة ، والتي أنتجت – أرفقت معها تلك الرمزيات المكثفة – وأيضا – كفزاعة او نتاج لخوف و رعب ،
هذه الظواهر التي كانت تتجلى في عمليات التحول الكبرى للبشرية ككل ، والتي طرحت إرثها وبدورها تقاطعت مع بعضها ، وإن طغى الخاص الفئوي وسعى بكل موروثاته يتشبث بخصوصيته ، والتراث الكردي حبلى بكثير من هذه النمطيات المتدرجة ، وكل منها تشي بمضمونها الإرثي تعطي وببساطة ، لابل تنعكس فيها ، وبكل وضوح مراحل التطور البنيوي وتحولات المجتمعات البشرية ككل ، وهنا وفي قضية نوروز ، وبعيدا عن البعد الخرافي وبالتقاطع مع العمق الأسطوري ، سنرى وببساطة شديدة خاصة فيما يتعلق  بالتحولات المجتمعية من جهة ، وانعكاساتها الواضحة في التأسيس لخلق آفاق ووعي مجتمعي ، وبالترابط العميق مع التجليات الملموسة التي انكشفت عن السابق من جهة ، او التي تجرأت واستقوت وبالتالي تحولت الى انماط من قداسات أخرى ، واستمرت في قداساتها ورهابها المعنوية منها والمنكشفة ربطا بها ، او كانعكاس سايكولوجي على أنها عقاب محدد منها ، وهنا وبمقارباتها وفق منطق المقارنة وتداعيات تراكم الوعي التجريبي ، خاصة في تلك البيئات البكر ، والتي وشت او نقشت خبراتها المتراكمة وكإرث اصبح مطروحا للتداول ، وعليه وبالإستنادا على الجذر الأساس في وعي وثقافة البيئة المحيطة ككل ، واعني بها في هذه الفسحة : ثقافة ميزوبوتاميا الطقسي المستند أصلا على ثقافة الموه – الماء كعنصر رئيس في الجدب والخصب – الحياة والموت – وذلك الربط الأزلي في علاقة الماء والحياة وما قيل ويقال فيها بلغتنا الكردية ( jiyan û Av ) ، هذه الإشكالية التي ساهمت و ترسخت كعنصر أهم في عملية الصراع الوجودي للبشرية ، ومع اكتشاف واستخدام النار الذي أحدث ثورة حقيقية في كل انماط وأشكال الحياة على الأرض ، هذا النار الذي أسس لتطويعات عديدة لم تبتدئ بتغيير نمط حياة المجتمعات البشرية فقط ، بل ساهمت جذريا في تغيير الأدوات وقضايا كثيرة ، ومعها دخول البشرية عصر المعدن وتطويعه واستخدامه ، الأمر الذي شكل انقلابا جذريا وهو لازال مستمرا حتى عصرنا الحالي ، هذه الحالة التي استدامت كركيزة سلطت عليها الذهنية الأسطورية للبشرية بتوزيعاتها الجغرافية المختلفة ، وأبرزت نمطا ثقافيا وطرزا  عباديا استند على الحرف – المهن وماهياتها ، فظهرت وتعددت آلهة الحرف بأجناسها ، وكمثال برز هيبستوس كواحد من كبار آلهة المعدن في مجمع بانثيون الإغريق ، وباختصار وفي هذه العجالة ، يتوجب علينا التذكير بأن السرد الشفاهي ومعها متواليات التناقل لقصة نوروز وكاواي هسنكر ، تتجاوز في ابعادها العميقة سرديات الإحتفالات على نمطية – الإينوماليش – والتجذير الطقسي عبر مسرحيات رمزية عتيقة ومشبعة بألغاز تماست صراعا في العمل الجدي لتاسيس نمط وعي جذري ومتدرج لربما استهلك عصورا زمنية طويلة جدا ، واستخدمت فيها الرمزية القاسية حتى استطاع نمط الوعي الجديد المكتسب ان يفرض ذاته فيصبح حينها هو الخير الكلي ويقابله السابق القديم كنقيض وازى الشر الكلي ، ومن جديد على ارضية صراع المتضادات . نوروز وتجلياته من القضايا الحيوية في جذرية انماط الوعي – الكردي خاصة – وبالتأكيد هي تحتاج لإهتمام وابحاث علمية متعددة ، وككلمة اخيرة استطاع ان يترسخ وكقاعدة انقلاب طقسي ان يبقى الركيزة الأساس يحاكي دائما جدلية الصراع إن بالتشبث بالبقاع او الإتقاد بشعلة النار تقمصا لمفهوم الإنعتاق والحرية ..

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عبدالعزيز قاسم

(كان من المقرر ان اقدم هذه المداخلة عن “اللغة الشعرية في القصيدة الكردية المعاصرة ـ ڕۆژاڤا” في مهرجان فولفسبورغ للشعر الكردي اليوم السبت ٢٥ اكتوبر، ولكن بسبب انشغالي بواجب اجتماعي قدمت بطاقة اعتذار إلى لجنة إعداد المهرجان).

وهذه هي نص المداخلة:

من خلال قراءتي لنتاجات العديد من الشعراء الكرد (الكرمانجية) المعاصرين من مناطق مختلفة “بادينان،…

إبراهيم محمود

 

تلويح خطي

كيف لرجل عاش بين عامي” 1916-2006 ” وفي مجتمع مضطرب في أوضاعه السياسية والاجتماعية، أن يكون شاهداً، أو في موقع الشاهد على أحداثه، ولو في حقبة منه، إنما بعد مضي عقود زمنية ثلاثة عليه، دون تجاهل المخاطر التي تتهدده وتتوعده؟ وتحديداً إذا كان في موقع اجتماعي مرصود بأكثر من معنى طبعً، كونه سياسياً…

د. محمود عباس

حين يمرض الضوء، تبقى الذاكرة سنده.

قبل فترةٍ ليست بعيدة، استوقفني غياب الأخت الكاتبة نسرين تيلو عن المشهد الثقافي، وانقطاع حضورها عن صفحات التواصل الاجتماعي، تلك التي كانت تملؤها بنصوصها القصصية المشرقة، وبأسلوبها المرهف الذي حمل إلينا عبر العقود نبض المجتمع الكوردي بخصوصيته، والمجتمع السوري بعموميته. كانت قصصها مرآةً للناس العاديين، تنبض بالصدق والعاطفة،…

خالد حسو

 

ثمة روايات تُكتب لتُروى.

وثمة روايات تُكتب لتُفجّر العالم من الداخل.

ورواية «الأوسلاندر» لخالد إبراهيم ليست رواية، بل صرخة وجودٍ في منفى يتنكّر لسكّانه، وثيقة ألمٍ لجيلٍ طُرد من المعنى، وتشريحٌ لجسد الغربة حين يتحول إلى قَدَرٍ لا شفاء منه.

كلّ جملةٍ في هذا العمل تخرج من لحمٍ يحترق، ومن وعيٍ لم يعد يحتمل الصمت.

فهو لا…