فراس حج محمد/ فلسطين
يعود إلى الوجهة مقالي “أجمل ما في المرأة ثدياها” بعد أن نبشت فيه الإعلامية ميس وزني معدة برنامج “في فلك الممنوع” أحد برامج قناة “فرنسا 24” وهي تعد حلقة خاصة حول الثدي بين وظيفتيه الجنسية ووظيفة الأمومة”، وهما الوظيفتان اللتان خصصت لهما المقال المنشور في شهر آذار عام 2016 وتعرضت بسببه إلى مضايقات كبيرة وحفلة تنمر واسعة من المجتمع التربوي الفلسطيني، والخضوع إلى لجنتي تحقيق، وقد تمخض عن ذلك “عقوبة” إدارية، مع التهديد بعقوبة أشد لو تكرر هذا النوع من الكتابة.
لا أريد أن أتحدث عن المقال ولا عن لجنة التحقيق ولا عن ملابسات ذلك، فقد خصصت لكل تلك التداعيات كتاباً خاصا تحت عنوان “قصة مقال”، وسأعمل على نشره قريباً. لكن ما هو مفيد في هذا الجانب هو دخول المقال إلى برنامج “في فلك الممنوع” الذي يناقش في حلقاته قضايا تعد من (التابو) الاجتماعي أو السياسي أو الديني، وأن يعود ليكون في الواجهة من جديد؛ فتتصل بي معدة البرنامج ميس وزني لتنسق بشأن مشاركتي بحلقة خاصة تحت عنوان “ثدي المرأة سيد المحرمات” وكانت الحلقة بمشاركة كل من علياء المهدي من السويد، ويعرفها البرنامج على أنها ناشطة نسوية، وعُرف عنها أنها كشف عن ثدييها في خطوة احتجاجية ضد المجتمع وأنظمته وقوانينه. كما شارك في الحلقة أيضا الباحث أبو بكر حركات من الرباط، وهو كما يعرّفه البرنامج معالج نفسي ومتخصص في علم الجنس، وكذلك الدكتور أحمد الأبيض من تونس، وهو طبيب وباحث في القضايا الاجتماعية.
استمر التسجيل في استديو رام الله حوالي الساعة لحلقة لا تتعدى (45) دقيقة، ما يعني خضوع الحلقة للمونتاج، وهذا أمر عادي وطبيعي ولازم. وتمحورت مشاركتي في المداخلة الأولى حول حضور الثديين في الأدب العربي قديما وحديثا، فتحدثت عن ذكر الثدي في معلقة عمرو بن كلثوم، “وثديا مثل حق العاج رخصاُ، حصاناً من أكف اللامسينا”، وصولا إلى محمود درويش وما قاله في قصيدته المشهورة بعنوان “انتظرها”، وهي قصيدة “درس من كاموسطرا” حيث يشبه الثديين بطيري حجل غافيين على صدر امرأة ما، مرورا بنزار قباني وحضور النهدين في شعره بكثرة لافتة. هذا كان ملخصا لجواب المداخلة الأولى التي كانت في بداية البرنامج تقريبا، لأعود بعد صمت طويل إلى مداخلة أخرى في نهاية الحلقة حول “واجب الشعراء والكتاب في تغيير النظرة حول موضوع الثدي” فيما يتصل بموضوع الحلقة، فتحدثت باقتضاب لأن وقت البرنامج قد شارف على الانتهاء، كما قالت مقدمة البرنامج “ميسلون نصار”.
كعادتي بعد كل لقاء، وهي لقاءات قليلة بالمناسبة، لا أكون راضيا عن نفسي رضا تاما، فثمة أمور تحدث لا قِبَل لك بردها أو التعامل معها، أو أن تكيّفها خدمة لما تريد أن تقوله. كانت مداخلتاي قصيرتين، وبدوتا هامشيتين، فقد استولى الضيوف الآخرون على الحديث، وقد كان بإمكان مقدمة البرنامج الاستغناء عن وجودي ومشاركتي، فالكل يفتي في الأدب والشعر والنقد.
على أي حال لم تكن المشاركة جيدة، ولم توفّر لي الظروف كل ما كنت أود الحديث عنه، وخاصة في رمزية الكشف عن الأعضاء الحساسة من الجسم، فعندما يلجأ المحتجون إلى هذه الطريقة فهم لا يريدون ترسيخ التعري في المجتمع ومخالفة ما استقر من قيم إنسانية ومواضعات عامة بشرية، وإنما فقط يريدون لفت الانتباه محتجين على قضايا محددة، وقد قام كثيرون نساء ورجالا بخطوات مشابهة في الكشف عن أعضائهم الجنسية، الفرج والقضيب والمؤخرة مثلا والكتابة عليها شعارات ضد النظام المحتجين عليه. فالمسألة لا تقف عند حد المرأة فقط، أو عند الثديين كذلك بل ربما تصل إلى التعري الكامل في بعض المظاهرات والأحداث.
هل أقول كما يقول الأردنيون بعد كل هزيمة في مباراة دولية: “يكفيني شرف المشاركة”، لكنني لست لاعب كرة قدم، وإنما كاتب ولي وجهة نظر، تلك النظرة التي انتهى للأسف وقت البرنامج، ولم أستطيع أن أتحدث عنها في كل النقاط التي أعددت لها إعدادا جيداً، ويبقى يحيرني سؤال أوجهه لمقدمة الحلقة: لماذا فقط حصرتني في الجانب الأدبي ولم تشركني في النقاش ببقية محطات الحلقة؟”. كـأن الشاعر والناقد والكاتب لا يملك إلا إجابات شعرية ونقدية فقط، وليس له وجهات نظر في الحياة والناس والدين، والقضايا العامة والخاصة. هل كان عدم توفيق وتقدير من مقدمة البرنامج؟ محزن ومحبط جدا ما تمّ، وقد خسرت من عمري أكثر من ثلاث ساعات في الطريق إلى رام الله، وفي الاستديو دون أن يكون هناك أي فائدة تذكر، عدا القلق والتعب والتفكير والإعداد، وكل ذلك ذهب أدراج الرياح، فأعدم في ساعة التسجيل في استديو رام الله.