وصايا هادي بهلوي إيقاع جنائزي أول:

إبراهيم اليوسف

لم أدر أن يوم18-8-2021 سيحصل على علامته الفارقة خسارة أحد أعمدة مكاننا: قامشلي، بعد أن بات هذا المكان يفتقد أعمدته التي أشيد عليها واحداً واحداً، وحلول أخرى بديلة عنها، تكاد تشكل واجهة هذا المكان، وملامحه الجديدة، وأكاد أن آتي بنعت أراها جد مناسب، لولا إن المناسبة الحزينة التي أتناولها هنا لاتدعني أخرج عن حدود طقوسها، وأي طقس لهو أبهظ وقعاً من رحيل شاعر كان أحد كواكب المكان التي أبت أن تظلل تحت نير أية سحابات لبدت الأفق هناك، وباتت أدخنتها تتفاقم، رغم شروع بوابات الضوء الذي غدت على مقربة منها!
خبر مؤسف أضطر أن أعلمك به
تكتب إلي بونيا جكرخوين نائبة رئيس الاتحاد العام هذا الصباح
لقد رحل هادي يقولها ابن عمه المحامي عثمان عثمان عمود آل البهلوي وهو في موسكوالتي حل فيها زائراً
توفي الأستاذ هادي يكتبها خالد بهلوي لي عبرأكثر من وسيلة تواصل
أهرع لكتابة تعزية أولى. نعوة أولى . بطاقة عزاء باسم الاتحاد العام. أجري اتصالاتي مع أسرته واحداً واحداً، ومن بينهم شقيقه المهندس عمران وعمه عثمان وبونيا وبقية الأسرة العزيزة الأكثرقرباً فرداً فرداً
أتصل بالزميلات. بالزملاء في قامشلو للمشاركة في موكب تشييع شاعرنا إلى مثواه الأخير، لترد علي زميلتنا بهرين أوسي. عبدالحميد جمو. نايف جولي:
لقد انطلق الموكب إلى قرية كرزين من نصف ساعة!
أسأل أسرة الراحل:
لم هذه العجلة وأنا أتذكر المقولة الدينية التي كانت تردد على ألسنة علماء الدين ومنهم أبي:
إكرام الميت دفنه
لكنه ثمة إكرام آخر وفق معاييرالمرحلة
إنها جنازة شاعر وعاشق
لا كهرباء مضمونة أو مصونة
قامشلو تغلي تحت مرجل آب اللهاب
لم أنس، وأنا أعاتب وأسأل: حالة جسد الشاعرالطاهرتحت عنف سياط مرض السكرالمتفاقم الذي راح يثأر من الشاعرمنذ أول الحرب على الوطن، ليخسرفي اللجة الرؤية والخطا ويبقى اللسان الذي ينطق الشعر ولاينسى الأصدقاء، حتى وإن انبنت بينه وبعضهم: جدرما، على أيدي آخرين، كامتداد لدخان الحرب المضللة، إلا إن نداء الشاعريصلني أخيراً، وإن كنت في باله منذأول مناوشات مواجهته والداء، معولاً علي أن أؤدي واجباً ما، فلم يصلني صوته، وإن كان سيسمعني وصايا ما، أحاول ترجمتها: استعراضاً عبرالحبر، حتى وإن استعصت مفرداتها في معادلة مناخات الخرب ذيلها، أو عينها، أو رأسها، أو سعارها، لافرق!
انطلق الموكب من أمام جامع قاسمو. الجنازة محمولة عبرسيارة-فان- ثمة صورة يلتقطها لي صديق ويرسلها في هذه اللحظة المفصلية التي يقرر على عجل التوجه إلى القرية-مسقط الرأس- التي ترجم  من خلالها والده- ملاشيخموس قرقاتي- رؤاه إنسانية، ووطنية، وقومية، وحتى- عائلية أو بيتية أو مجتمعية- كخيرقارىء للحظة، بعد أن تاه سواه وغرقوا في نظرياتهم من دون أي تفكير بمايلزمها من إعداد ذاتي أو منزلي!
أتصور الآن، أبا نهاد يوارى التراب في مسقط رأسه وهو يستعد أن يلقي قصيدة من قصائده التي لطالما سمعناها في مناسبات ما، ومن بينها الفعاليات التي كنا نعدها في- منتدى الثلاثاء- والتي كانت ذات أصداء تقطربلاغة ومقاربة للحال أو الحلم.
ثمة بقية للنص، ثمة تناول هادئ لوصايا الهادي لما أقاربها بعد، وهو ثاني الهاديين ممن رحلوا خلال أقل من شهرين ، إذ رحل في المكان ذاته هاد آخر: هادي عزت  الذي كان من أرومة المدرسة ذاتها- كما أصنفهما- ولعل أكثرمن رابط دعا مخيلتي، الآن، للجمع  بينهما. قد يكون رابط الذاكرة أقواها!  
يتبع….

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عبد الستار نورعلي

أصدر الأديب والباحث د. مؤيد عبد الستار المقيم في السويد قصة (تسفير) تحت مسمى ((قصة))، وقد نشرت أول مرة ضمن مجموعة قصصية تحمل هذا العنوان عن دار فيشون ميديا/السويد/ضمن منشورات المركز الثقافي العراقي في السويد التابع لوزارة الثقافة العراقية عام 2014 بـحوالي 50 صفحة، وأعاد طبعها منفردة في كتاب خاص من منشورات دار…

فدوى كيلاني

ليس صحيحًا أن مدينتنا هي الأجمل على وجه الأرض، ولا أن شوارعها هي الأوسع وأهلها هم الألطف والأنبل. الحقيقة أن كل منا يشعر بوطنه وكأنه الأعظم والأجمل لأنه يحمل بداخله ذكريات لا يمكن محوها. كل واحد منا يرى وطنه من خلال عدسة مشاعره، كما يرى ابن السهول الخضراء قريته كأنها قطعة من الجنة، وكما…

إبراهيم سمو

فتحت عيوني على وجه شفوق، على عواطف دافئة مدرارة، ومدارك مستوعبة رحيبة مدارية.

كل شيء في هذي ال “جميلة”؛ طيبةُ قلبها، بهاء حديثها، حبها لمن حولها، ترفعها عن الدخول في مهاترات باهتة، وسائر قيامها وقعودها في العمل والقول والسلوك، كان جميلا لا يقود سوى الى مآثر إنسانية حميدة.

جميلتنا جميلة؛ اعني جموكي، غابت قبيل أسابيع بهدوء،…

عن دار النخبة العربية للطباعة والتوزيع والنشر في القاهرة بمصر صدرت حديثا “وردة لخصلة الحُب” المجموعة الشعرية الحادية عشرة للشاعر السوري كمال جمال بك، متوجة بلوحة غلاف من الفنان خليل عبد القادر المقيم في ألمانيا.

وعلى 111 توزعت 46 قصيدة متنوعة التشكيلات الفنية والجمالية، ومتعددة المعاني والدلالات، بخيط الحب الذي انسحب من عنوان المجموعة مرورا بعتبة…