شيرين خليل خطيب
اليوم وأنا أتصفح الأعمال الشعرية الكاملة لقصائد الكاتب (الكردي) سليم بركات، راعني ما كتبه الناقد والمترجم صبحي حديدي في مقدمته الطويلة لهذا الكتاب! وهي المقدمة التي وافق عليها سليم بركات بنفسه. كتب صبحي حديدي: “كان ارتباط حياة البشر بدورة المواسم الزراعية قد جعل منطقة “الجزيرة”، وبالتالي مدينة القامشلي بوجه خاص، تنفرد عن بقية المناطق السورية في أن معظم سكانها من الوافدين الذين قَدِموا من مناطق الداخل السوري (دمشق وحلب) بحثاً عن العمل الموسمي ثم استقروا، أو من المهاجرين الذين توافدوا من تركيا والعراق وأرمينيا، هرباً من الاضطهاد العرقي أو السياسي. ذلك جعل القامشلي موطئاً لأقوام من الأكراد واليزيديين والأرمن والسريان والآشوريين والبدو الرحّل والعشائر المستوطنة الإقطاعية، الأمر الذي استدعى تعددية أخرى على صعيد اللغات والأديان والمذاهب والتراثات والأساطير”.
يُستشَفُّ من هذا الكلام/المقدمة أنّ (سليم) موافق على مضمونه، بمعنى أننا -الكُردَ الذين نسكن منطقة الجزيرة بوجه عام ومدينة قامشلو بشكل خاص- قد أتينا من الداخل السوري أو توافدنا من تركيا والعراق وأرمينيا علماً أنني لم أجد طوال حياتي كلها مواطناً واحداً من الداخل السوري سكن القامشلي أو أي مكانٍ آخر في منطقة الجزيرة كلها، باستثناء الذين استوطنتهم عنوةً أو عينتهم الدولة السورية كمدرسين وضباط في النصف الثاني من القرن العشرين، وخاصة إبّان حكم البعث وسياسات التعريب.
أعتقد أن سكوت (سليم) على هذا الطرح في مقدمة أعماله الشعرية، دليل على رضاه عنه وموافقته عليه، وإلا ما كان سمح بنشر هكذا كلام في مقدمة عملٍ يتفاخر به قِسمٌ من الكُرد السوريين لكاتب سمّى فيه ذلك الجزء من كردستان بــ (الشمال السوري) وهو جزء من كردستان تعددت وتنوعت تسمياته ما بين (كردستان الصغرى، غربي كردستان، روجافاى كردستان، كردستان الغربية، كردستان الملحقة بسوريا). وهذا السكوت/الموافقة يترجم موقفاً متنكراً لوجود ذلك الجزء من أرض اقتُطعت من كردستان، تَنَكُّراً يرسخ عدم أصالة وجود الكرد في هذه المنطقة.
ما أثار استغرابي ودهشتي أن أحداً ممن يقرؤون لسليم بركات لم يلتفتوا أو يشيروا إلى هذه المسألة.
ألأنه (سليم بركات) فحسب؟!..
سليم بركات الذي اكتسب حصانة وقداسة عند الكُرد من دون أن يكون بمقدور أحدهم التأكيد باتزان وموضوعية أنه أنهى كتاباً له وأدرك أبعاده الدلالية أو الفنية التي توارت وراء لغة فيها من التكلف ما يغضّ النظر عنه أولئك الذين يقدسون كتابات لا يفهمونها، بل يتباهون بعدم فهمهم تلك الكتابات المستعصية المستغلقة.
أعتقد أن الحالة تستوجب ظهور نقد موضوعي بعيد عن التصفيق والتقديس والتجريح، نقدٍ لا يكون سليم بركات محصَّنا منه، لأنه في البداية وفي النهاية إنسان، ولا يخلو أي إنسان من الغلط أو الخطأ.
إن تمسّك بعضهم بقدسية الشاعر وعظمته، فقط لأنه كُردي، هو إساءة له وللكردية معاً، فذلك التمسّك ليس إلا ضرباً من أوهامٍ علينا أن نستفيق منها.
ملاحظة. من صفحة شيرين خليل خطيب