مسيرةُ النَّهضةِ الثَّقافيَّةِ في الرّقَّةِ

دلشاد مراد
تشهد مدينة الرقة منذ أن رُفع عنها الستار الأسود المفروض عليها من ظلام العصر، “داعش وأخواتها” بجهود وتضحيات مقاتلي الحرية “قوات سوريا الديمقراطية” في تشرين الأول 2017م إعادة إعمار واسعة، ونهضة ثقافية لإعادتها إلى رونقها الحضاري، بل وجعلها مركزاً عمرانياً وثقافياً مرموقاً في المنطقة، وذلك بجهود أبنائها من مختلف الشعوب، حتى أنها تعدّ حالياً بمثابة العاصمة الإدارية للإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا.
فبدأ إعادة البناء الثقافي في المدينة مع إنشاء لجنة الثقافة والآثار في مجلس الرقة المدني، الذي شُكلت بعد تحرير المدينة من داعش، والذي أخذت على عاتقها تنظيم المؤسسات والمهرجانات الثقافية والفنية في المدينة إضافة إلى أعمال حماية التراث الأثري، من خلال ترميم متحف الرقة بعد تعرضه للتخريب والنهب في ظل سيطرة داعش على المدينة، تلاها افتتاح مركز الثقافة والفن في 29 نيسان 2019م، والذي اهتم بإحياء التراث المحلي والفنون من الغناء والرقص الشعبي والمسرح، ومن بين المهرجانات الثقافية والفنية التي نظمت في المدينة مهرجان الأغنية الفلكلورية في أيلول 2020م، والمهرجان التراثي الأول للمرأة الفراتية في تشرين الأول 2020، الأسبوع الثقافي الأول بين 20-25 شباط 2021م والذي ضم أنشطة وفعاليات متنوعة من محاضرات أدبية وثقافية وعروضاً لأفلام قصيرة ومسرحيات، ومعرضاً للوحات الفنية والكتب وورشة رسم للأطفال، إضافة إلى حفل توقيع جماعي للكتب.
وعلى صعيد التنظيم النقابي والمؤسساتي لكتاب ومثقفي الرقة، جرى تأسيس اتحاد للمثقفين في المدينة، والذي افتتح مكتبه رسمياً في 12 أيلول 2019م، وتمكن هذا الاتحاد من إقامة فعاليات أدبية وثقافية إلى حد ما.
وفي 22 أيار 2021 أعلن عدد من مثقفي الرقة إعادة تفعيل جمعية ماري للثقافة والفنون والبيئة، التي كانت قد أُسِّست عام 2006 وتوقفت عن العمل بعد الأحداث والأزمة التي شهدتها سوريا، وفي 18 آب 2021 أطلقت الجمعية قافلة “السلام النهرية” والتي حملت أكثر من خمسين شخصية من المثقفين الناشطين المدنيين والفنانين. وكانت الجمعية قبل الأزمة السورية تطلق رحلات نهرية من توتول حتى مدينة ماري وتختار تاريخ 18 آب من كل عام لقافلتها، وهو التاريخ الذي اكتشفت فيه المدينة.
وجرى تأسيس اتحاد فناني الرقة في تشرين الأول 2021م، وفي 27 تشرين الثاني 2021 تم افتتاح جامعة الشرق في المدينة لتكون صرحاً علمياً وخطوة رديفة للنهضة العلمية والثقافية في الرقة.
وآخر حدث ثقافي شهدته المدينة في العام المنصرم، وعُدَّ خطوة أخرى إلى الأمام لتنشيط الحراك الأدبي والثقافي في المدينة، كان افتتاح مقهى “فسحة حوار” الثقافي في 29 تشرين الثاني 2021م والذي يعد بمثابة الصالون أو المنتدى الأدبي للرقة، ويهدف “فسحة حوار” إلى محاكاة الأجناس الأدبية السبعة من مسرح وفنون رسم وغناء وموسيقا وكتابة وعروض سينمائية على مدار أيام الأسبوع، وتشمل نشاطاتها مناقشات بالشأن السياسي والأدبي والاجتماعي والفني، ومن خلالها أُعيد تفعيل منتدى الأديبة فوزية المرعي إذ خصص لها أمسية كل أربعاء من أيام الأسبوع  تحت اسم “منتدى فوزية المرعي”.
ومن خلال تتبع المسيرة الثقافية في الرقة يتبين أنها في السكة الصحيحة، باتجاه تحقيق انجازات وقفزات أدبية وثقافية كبيرة، وقد كان لي الشرف حضور الأسبوع الثقافي، الذي أقيم في شباط 2021م كضيف من إقليم الجزيرة وهناك التقيت بقامات أدبية وثقافية لها حضورها في الحراك الثقافي.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*الزاوية الأسبوعية “الحديث الثقافي”، صحيفة روناهي في شمال وشرق سوريا، العدد 1042، 12 كانون الثاني 2022م

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

سيماڤ خالد محمد

مررتُ ذات مرةٍ بسؤالٍ على إحدى صفحات التواصل الإجتماعي، بدا بسيطاً في صياغته لكنه كان عميقاً في معناه، سؤالاً لا يُطرح ليُجاب عنه سريعاً بل ليبقى معلّقاً في الداخل: لماذا نولد بوجوهٍ، ولماذا نولد بقلوب؟

لم أبحث عن إجابة جاهزة تركت السؤال يقودني بهدوء إلى الذاكرة، إلى الإحساس الأول…

خالد بهلوي

بحضور جمهور غفير من الأخوات والإخوة الكتّاب والشعراء والسياسيين والمثقفين المهتمين بالأدب والشعر، أقام الاتحاد العام للكتّاب والصحفيين الكُرد في سوريا واتحاد كردستان سوريا، بتاريخ 20 كانون الأول 2025، في مدينة إيسين الألمانية، ندوةً بمناسبة الذكرى الخمسين لرحيل الأديب الشاعر سيدايي ملا أحمد نامي.

أدار الجلسة الأخ علوان شفان، ثم ألقى كلمة الاتحاد الأخ/ …

فراس حج محمد| فلسطين

لست أدري كم سيلزمني لأعبر شطّها الممتدّ إيغالاً إلى الصحراءْ
من سيمسك بي لأرى طريقي؟
من سيسقيني قطرة ماء في حرّ ذاك الصيف؟
من سيوصلني إلى شجرة الحور والطلع والنخلة السامقةْ؟
من سيطعمني رطباً على سغب طويلْ؟
من سيقرأ في ذاك الخراب ملامحي؟
من سيمحو آخر حرف من حروفي الأربعةْ؟
أو سيمحو أوّل حرفها لتصير مثل الزوبعة؟
من سيفتح آخر…

حاوره: طه خلو

 

يدخل آلان كيكاني الرواية من منطقة التماس الحاد بين المعرفة والألم، حيث تتحوّل التجربة الإنسانية، كما عاينها طبيباً وكاتباً، إلى سؤال مفتوح على النفس والمجتمع. من هذا الحدّ الفاصل بين ما يُختبر في الممارسة الطبية وما يترسّب في الذاكرة، تتشكّل كتابته بوصفها مسار تأمل طويل في هشاشة الإنسان، وفي التصدّعات التي تتركها الصدمة،…