نزار يوسف
منذ أيام (30/4/2022) نُشِر برنامج حواري عن الفنان الخالد محمد شيخو على اليوتيوب من قِبل السيد دنيز دارگول وكان ضيفه شخصية سياسية معروفة (الأستاذ مصطفى جمعة)، وكنا نأمل أن يكون البرنامج مفيداً ومثمراً يستفيد منه الجمهور، وأن يتحدثا عن خصال هذا الفنان وحياته وفنه. ولكن كعادتنا نحن الكورد نشهر برموزنا بدل تكريمهم وتقديرهم على ما قدّموه لمجتمعهم وقضيّتهم القوميّة.
وقبل ان أبدأ أود هنا أن أستشهد بمقتطف من مقال للباحث والكاتب القدير الدكتور محمود عباس بعنوان (ماذا يحتاج الشعب الكوردي لينتصر/ الجزء الثاني) إذ يقول:” في الوقت الذي نحتاج فيه إلى تنمية الثقة بالنفس بين بعضنا، وإنقاذ مجتمعنا من مركب النقص، وتنوير دروبنا، نقوم على تعتيم مدارك بعضنا، وترسيخ سلبياتنا، وتصغير الشخصية الكوردية في ذواتنا؛ إلى حد التباهي بما نفعله وبالآخر المخالف. بعد التمعن في أدبياتنا وعلى مدار العقد الأخير، لاحظنا أن أكثر الكتاب نقدا سلبيا، أبعدهم عن النجاح في توعية المجتمع، وتصحيح دروب حراكنا، وأقلهم مراجعة للذات”.
ولا يسعني في البداية إلا أن أسأل مقدّم البرنامج السيد دنيز دارگول ما مدى معرفتك بالفن والموسيقى؟ وهل لديك أرضية معرفية بهذا الخصوص؟ لقد تبين لنا من خلال الاسئلة التي طرحت على الضيف والإجابات العرض البسيط غير المهني فيما قدّمته يا سيد دنيز فمقدم أي برنامج عليه أن يكون لديه أرضية ثقافية ومعرفية، وأن يكون ملّماً بالموضوع الذي يطرحه، ومتمكناً بالاختصاص الذي يقدمه. اسمح لي أن اسأل، هل حضرتك من أصحاب هذا الشأن أم لك حصة في النقد الفني؟ أم فقط محاولة منك ومن غيرك لتطييب غرائزكم والمسّ بالفنان الخالد محمد شيخو الذي رحل جسدياً من عالمنا منذ 33 عاماً، وبقيت ذكراه ونتاجه الفني خالدين في ضمير شعبه؟ لهذا أرى أن البرنامج كان في غير مستوى المطلوب وبعيداً عن الحِرفيّة، وهذا هو رأي العديد ممن تابعوه، وقد فشلت في هذا المضمار. وكانت المحاولة غير مجدية والعرض غير موفّق، للوصول عبره إلى مبتغاكم. ولكون البرنامج مخصصا عن الفنان الخالد محمد شيخو، فأين الوثائق التي أحضرتها وقدّمتها لنا كجمهور عن حياة هذا الفنان وفنّه؟ وقد قدّمت برنامجك مدّعيا أنّك بصدد إعداد برنامج موثّق؛ ومع الأسف فقد أسأتم لبرنامجكم ولأنفسكم أمام المشاهدين ولن تستطيعوا الإساءة للفنان محمد شيخو إلّا عند قلة قليلة من أمثالكم يطبلون لمثل هذه السخريات.
وكنا ننتظر من السياسي القديم ذو الخبرة والتجربة الطويلة والذي عاصر مراحل عديدة من عمر الحركة الكوردية وتدرّج في مناصب قيادية عديدة، الأستاذ مصطفى جمعة، غير ذلك كأن يُقيّم هذه المرحلة العصيبة التي يمر بها شعبنا المظلوم إذ تكالب عليه الأعداء من كل حدب وصوب، ويقدّم لنا من خلال تجربته السياسية دراسة أو بحثا لبعض الحلول السياسية والتنويرية، أو طرح بعض الأفكار لحلّ الازمة الراهنة. لأنه كان أحد القياديين الكورد في لبنان وقتذاك؛ فكان الأجدر به التطرّق للمؤامرات التي كانت تحاك ضد الكورد في لبنان في بداية السبعينات وعلى ثورة جنوب كوردستان من قبل السفارة العراقية وتعامل بعض القياديين الكورد معها وإن أمكن التحدث أو تسليط الضوء على اغتيال الناشط والشخصية المرموقة حينذاك المرحوم كمال شانباز! مع الأسف، منذ ذلك الحين وحتى الآن لم نسمع من أصدقائه من أمثالكم غير الصمت على ذلك الحدث، ويبقى السؤال: لماذا اغتالته أيدي الغدر من بين الجميع من رفاقه؟؟
لقد استدرجتكم الأسئلة إلى فخاخ مُعدة ومخططة مسبقاً من قِبَل بعض الذين يحاولون الاصطياد في المياه العكرة للإساءة ما أمكن بشكل مباشر أو بطرق ملتوية إلى سمعة أحد رواد الفن الكوردي الأصيل والهادف في القرن المنصرم والذي ضحى بالغالي والنفيس وأفنى عمره وعائلته في خدمة قضايانا القومية وذاق الأمرّين الهجرة والفقر ليقدم لنا فناً ملتزماً رصينا بكل ما في الكلمة من معنى. ومن خلال سردكم لتلك المرحلة، كسياسي كان عليكم الحذر من الوقوع في هكذا شرَك، أقول ذلك متأسفاً فإن حضرتك وقعت في فخ هؤلاء المفلسين، لتكون شاهداً على محاولاتهم الرخيصة، ومن خلال الحديث وقعت في مطبّات كنتَ بغنى عنها. لقد ذكرتم في بداية البرنامج للمشاهدين، بأنكم لا تعلمون لمن كلمات هذه الأغاني، وأردفت بأنها للشاعر الكبير المرحوم يوسف بَرازي (Bêbuhar) على لسان الفنان القدير محمود عزيز شاكر، ونقلا عنه، ولحنها الفنان محمد علي شاكر رحمه الله، وبعد حين تقول عن تلك الأغاني هي من كلمات الفنان المرحوم محمد علي شاكر وألحانه، وتأتي ثانية وتؤكد قطعياً بقولك إن هذه الأغاني لهم، وتقول ذهب محمد شيخو إلى إذاعة بغداد وسجلها باسمه وهذا كان أحد أخطائه، دون أن تقدم أي إثبات أو دليل على ذلك. لقد ذكرت أسماءً بارزة عديدة كالشاعر يوسف برازي(Bêbuhar) والمرحوم هلال بوتاني صاحب القصيدة (Rêwiyo) وغيرهم، فلتعلم أنه من الذين شهدوا عليها زميله الدكتور إسماعيل حصاف في إحدى مقابلاته. والمرحوم كمال شانباز المتعدد المواهب، كاتب القصائد: (Gewrê، û Min Bihîstî, û Yadê rebenê,) وغيرها العديد من القصائد بحسب ما قالت لي السيدة الفاضلة ليلى ملا زوجة المرحوم كمال شانباز في إجاباتها على أسئلتي، وهي حيَة ترزق وتعيش في مدينة عامودا، وهناك غيرهم من الذين كتبوا القصائد لفرقة (سه ر كه وتن). وكما بيّنتم وسمعنا، كانت جهودهم جماعية وكلهم شاركوا في ذلك الحين لإنجاح الفرقة. فكنتم بغنى عن هذه التناقضات. والتحدث عن تلك الفترة الزمنية أي بداية السبعينيات، التي مضى عليها حوالي 51 عاما بدون وجود الفنان محمد شيخو، تبقى ناقصة ومطعونة بمصداقيتها. إذًا أين ذهبت جهود الشعراء الآخرين الذين ذكرتهم وأين إنتاج محمد شيخو الفني نفسه؟ فقد كان الفنان محمد شيخو فناناً- مغنياً وموسيقياً- قبل ذهابه إلى لبنان ولديه الأغاني الخاصة به، وإن لم يكن كذلك فلماذا سمحتم له بالانضمام إلى الفرقة؟ وفي النهاية فإن نسبة هذه الجهود الفنية إلى شخص أو اثنين أو ثلاثة، تعني هدر جهود الآخرين في مهبّ الريح.
وفي كل أرجاء المعمورة هناك التخصص في العمل لإنجاح المهام، فمن ناحية الأغاني، هناك الشاعر يكتب القصيدة، والملحن يلحنها، والمؤدّي أو المغنّي يغنيها، أمّا في واقعنا فعند بعضهم يا للأسف غير ذلك. وإن كان على الملحن أو كاتب القصيدة أن يفخر بأغنيته الناجحة، إذا اشتهرت بصوت أي فنان، لا أن يحسده على ذلك.
والمرحوم كمال شانباز كان مسؤولًا عن فرقة نوروز لمدة ثلاثة أشهر وبعدها أسس فرقة -سه ر كه و تن- في بيروت- لبنان وكان مسؤولا عنها. وفرقة -نوروز- كان مؤسسها المرحوم حسن ملا أبو كاميران عمّ السيدة الكريمة ليلى ملّا، فهو الذي حصل على الرخصة لتأسيس هذه الفرقة من الدولة اللبنانية، بحسب ما روت لي السيدة ليلى ملّا.
وبحسب كلامكم فإن أغاني محمد شيخو الوطنية كانت بعد ذهابه وانضمامه للثورة في جنوب كوردستان وما بعد النكسة! وهنا أخالفك الرأي يا أستاذ؛ فالفنان محمد شيخو في بداياته كان مفعماً بالروح القومية والوطنية الكوردستانية وعرف واجباته ووظيفته الفنية، ووضعها في خدمة شعبه وقضيته، ولو لم يكن كذلك فلماذا سجن وأصبح ملاحقاً من القوى الأمنية وفُصل من عمله؟ وبعدها التحق بثورة جنوب كوردستان، وإن دل هذا على شيء فانما يدل على عمق روح القومية والتضحية من أجل القضية التي آمن بها.
سألكم مقدّم البرنامج وباستهتار مبطن، بأن فن محمد شيخو فيه الكثير من البساطة (Sade)، عوده (تمبور) أيضاً سادة، بالعربي تعني فنه وموسيقاه بسيطة! عجبًا ماذا يعلم هذا المقدم عن الموسيقى البسيطة أو عالية المستوى، وهل حضرتك ناقد فني ولك خلفية ثقافية موسيقية يا سيد دنيز؟ إن لم يحدد لك الآخرون هذا السؤال، ليعكس على قيمة وهيبة هذا الفنان العظيم؟ أحيطكم علماً بأن ألحان الفنان محمد شيخو تعتبر من أقوى وأصعب الألحان من بين الفنانين الكورد في غربي كوردستان وهو من المميزين الأوائل في صياغة الألحان المعقدة على الساحة الكوردستانية في عصره، لهذا أثبت وجوده، وليس فقط بصوته وبأدائه بل بألحانه أيضاً. وكمثال: أغنية (جوانه آزاده) مركبة من ثلاث مقامات ما عدا الايقاعات المتنوعة والمواويل، وأغنية (شرمينه دل) من أربع مقامات مع إيقاعات مختلفة وموال، وأغنية ( تويي بوهشتا رَنگين) مركبة من خمسة مقامات وووووو، ولديه أيضاً مواويل مركبة من عدة مقامات إلخ. أما إجاباتكم عنها كانت خارج إطار السؤال المطروح، قلتم بعد سفره إلى كوردستان الجنوبية والعراق وبعدها إيران لم نعد نسمع عنه شيئا إلا القليل، كما تحدثتم كنا في لبنان وكان تصلنا بعض أغانيه عن طريق الجالية الكوردية وبعدها تقول: إنني لا أعرف لماذا بقي محمد شيخو صامتاً ووحيداً وبأنه لم يكن يشارك في الحفلات والمهرجانات. اسمح لنا أن نطرح هذا السؤال: يا أستاذ مصطفى جمعة إن كانت تصل إليكم أغانيه وهو في المنفى بإيران، فكيف يكون صامتاً وبدون أخبار؟ وأين كانت تقام تلك المهرجانات يا ترى؟ مَن مِن الفنانين الكورد شاركوا في تلك المهرجانات، عدا احتفالات أعياد النوروز (عدا الذين كانوا في أوروبا)، وأين كانت تقام تلك الاحتفالات أو الكونسرتات يا ترى؟ نعم فالفنان محمد شيخو كان في المنفى يتذوق الأمرّين اللجوء والفقر، لكنه كان غنياً بإبداعاته وحضوره الفني، يفكر ويبحث عن الأشعار والقصائد الهادفة وملتهباً بصناعة الألحان. نعم كان غائباً عن ساحة غربي كوردستان، ولكنه كان حاضراً دائماً برنين صوته العذب وأنينه في ضمير الشعب، لهذا كانت له مكانة واحترام ووجود بين عشاق الحرية. أقول لهؤلاء السادة لماذا لم تحركوا ساكناً عندما كان محمد شيخو حياً يرزق وصار بين ظهرانيكم وعلى مقربة منكم في قامشلو وتطلبوا منه حقكم أو حلّ هذه المعضلة، هذا إن كان لديكم حقّ عنده! أو تناقشوه في مصادر هذه القصائد والألحان وعن أصحابها لتبيان الحقيقة. لِمَ كنتم طوال تلك السنين في صمت ورضى، لماذا الآن بعد غيابه الجسدي، تثيرون زمنا مضى عليه أكثر من خمسين عاماً؟
مقدّم البرنامج حاول جرّكم إلى سؤال آخر بقصد منه وعمد، ولا يعنيكم بشيء وخارج معلوماتكم، لتكونوا شريكاً في طبختهم هذه، لأن هدفهم الاستخفاف والمساس بشخص محمد شيخو أمام المشاهدين، قال: إن الشاعر الدكتور بدرخان السندي غير راض عن محمد شيخو، لأن محمد شيخو كتب هذه الأغنية باسمه! يا سيد دنيز متى وأين وعلى أي كاسيت مسجل، أو مقابلة كتب الفنان محمد شيخو هذه الأغنية باسمه؟؟ تفضل بيّن لنا لنصدق! وإلّا سيكون هذا افتراءً عليه!! وأين أدلّتك على أنّ شاعرنا الكبير بدرخان سندي قال هذا الكلام، متى وأين قال هذا؟ فمازال حيّا يرزق وهو صاحب قصيدة (شه ر مينه دل) وبعد تلحينها أصبحت من روائع محمد شيخو والفن الكوردي أيضا، وبالعكس فإنّ د. سندي من محبّي ومشجّعي هذا الفنان وإنتاجه الراقي، ويكنّ له فائق الاحترام. وأجبتم أيّها الضيف بأنكم سمعتم أغنية -أي فلك- من محمد شيخو نعم صدقت، لكن جوابكم هذا لم يفِ بما كان يطمح إليه المذيع ومن حوله! فكلنا نعلم أن كثيرين غنوا أغنية (أي فلك) ولكن الأغنية اشتهرت مع هذا الصوت والأداء الرباني الذي يمتلكه الفنان محمد شيخو، ولم تشتهر بصوت أي فنان آخر، ولا داعي لذكر الأسماء، ولهم جميعاً الاحترام والتقدير. أقول وبكل ثقة في هذا الصدد، إن كل الأغاني التي غناها الفنان محمد شيخو لو غناها آخرون غيره لما اشتهروا جماهيرياً وما اشتهرت كما بصوت هذا الفنان المميز وهذا هو رأي الكثيرين أيضاً.
كلنا نعلم بأن هنالك أياد ذكية تعبث برموزنا القومية في السنوات الأخيرة، لتشويه ما يمكن تشويهه والمحاولات اليائسة من بعض النفوس البائسة المتعاونة معهم لنفس الغرض. ولم يبق أمامهم إلا الفن الكوردي، فها هم مع أدواتهم يعيشون على غرائزهم الحاقدة ومنذ سنين يحاولون بوسائل شتّى حبك الأكاذيب والنبش وإيجاد النواقص لقامة الفنان القومي محمد شيخو، لكن هيهات فإنه تسابق مع الزمن ليكون لسان قضيتنا القومية الجريحة ومعبرا عن آلام شعبنا، وقد سجن وأصبح ملاحقاً، والتحق بثورة أيلول المجيدة وعظيمها البارزاني الخالد، ليكون فناناً وپيشمرگه في آن واحد. هذا الفنان الرائع والمميز غير الممل الذي سحر مستمعيه باغانيه الهادفة والصادقة، والذي أثبت وجوده ممثلاً للأغنية الهادفة بمعظم أغانيه وألحانه الساحرة. أصبحت قامته العالية منارة لخزينة الأغاني، نستلهم منها روح القومية والعنفوان. أما الذين أفلسوا فنياً ولم يصلوا إلى مبتغاهم ولم يشتهروا فيحاولون جاهدين وبشتى الوسائل الرخيصة التقليل من شأن وفن هذا الفنان الكبير الذي أصبح رمزاً قومياً بفنه الخالد ولسان حالها. وهو أكبر من محاولات هؤلاء الذين يحاولون هدم هذا الجبل الفني الأشم كجبل الجودي بالمعاول، وبمحاولاتهم اليائسة سيفقدون احترام الشعب لهم، وفي نهاية المطاف سيدركون بأنهم يحفرون قبورهم بمعاولهم بدل هدم جبل محمد شيخو.