عامودا (بائعة الخبز)

  محمّد علي علي

عروس الأحزان الكثيرة، والأفراح القليلة، تنام دون حلم، وإن حلمت فحلمها صغير:
رغيف خبز، حفنة برغل.. وملعقة سكّر..

تضيع في الشتاء بين الطين، وفي الصيف بين الغبار، تخضرّ في الربيع قليلاً، تصفرّ في الخريف كثيراً، إنّها عاشقة، ظمأى للحبّ، للدلع، للمطر، تنتظر على الدروب، لكن هيهات: فكلّ الدروب لا تؤدّي إلى عامودا..!
  جميلة، الورد يحسد وجنتيها المتورّدتين بالخجل، من خصلات شعرها الذهبيّة التي تحبكها سنابل القمح، من ثوب زفافها الأبيض المنسوج، من حقول قطنها الدافئ ببراءة أطفالها، إنّها تنتظر يوم زفافها في ربيع ما على تلّة “حمدونى”، تنتظر الفراشات، وزقزقات السنونوات المهاجرة، الهاربة من البرد  نحو الدفْْء وأشعّة الشمس.
تودّ احتضانها بين ذراعيها الممدودتين دوماً نحو السماء داعية، تناجي  ربّها :
–  “اللهم اسقينا الخير والمطر” .
 عامودا، تزيّنها، تضيئها  الشموع.. فهي لا تعرف الدموع، وإن أدمعت، فدمعها مسك وعنبر.. 
 عامودا، عرسها “القيل والقال”، وان غاب التنّور عن حاراتها، فما زالت ثرثرات   ووشوشات نسوتها تسمع على جنبات أزقّتها، دردشات الرجال أمام الدكاكين والمقاهي، عن عشقها المجنون للقمة العيش، لرائحة الخبز والتنور، للشاي والسكّر..
   عامودا لم تكبر، بقيت مرهقة، أتعبتها سنوات الجفاف والجفاء والهجرة والهجران.. لكنّها تعيش.. تفرح في الصباح.. لتحزن في المساء. أمّا في الليل، فيقتلها الأرق والملل ولولا    الفجر وأذان “الله أكبر” لماتت من الضجر، لأصبحت حجراً..
عامودا هذه الأرملة العذراء التي تعشق الرحل.. وتبغض الترحال مازالت تجلس  تحت دوالي الكروم وظلال الزيزفون، تقطف اللؤلؤ والمرجان، تغنّي للمطر  “أنشودة العصافير”، وللعصافير “أنشودة المطر”، وفي الظلمة، تسبح في ضوء القمر على جنبات الدروب والبيادر ، حيث يحلو السمر لتتأوّه وتتحسّر:
آه يا بائعة الكبريت.. !!
 وهبت الدفء للقلوب الباردة.. لتموتي أنت برداً،
وأنت، يا عروس الخبز..!
تهبين الخبز للجياع فلا تموتي جوعاً..
 
عامودا
aramcosigal@hotmail.com

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

خالد بهلوي

بحضور جمهور غفير من الأخوات والإخوة الكتّاب والشعراء والسياسيين والمثقفين المهتمين بالأدب والشعر، أقام الاتحاد العام للكتّاب والصحفيين الكُرد في سوريا واتحاد كردستان سوريا، بتاريخ 20 كانون الأول 2025، في مدينة إيسين الألمانية، ندوةً بمناسبة الذكرى الخمسين لرحيل الأديب الشاعر سيدايي ملا أحمد نامي.

أدار الجلسة الأخ علوان شفان، ثم ألقى كلمة الاتحاد الأخ/ …

فراس حج محمد| فلسطين

لست أدري كم سيلزمني لأعبر شطّها الممتدّ إيغالاً إلى الصحراءْ
من سيمسك بي لأرى طريقي؟
من سيسقيني قطرة ماء في حرّ ذاك الصيف؟
من سيوصلني إلى شجرة الحور والطلع والنخلة السامقةْ؟
من سيطعمني رطباً على سغب طويلْ؟
من سيقرأ في ذاك الخراب ملامحي؟
من سيمحو آخر حرف من حروفي الأربعةْ؟
أو سيمحو أوّل حرفها لتصير مثل الزوبعة؟
من سيفتح آخر…

حاوره: طه خلو

 

يدخل آلان كيكاني الرواية من منطقة التماس الحاد بين المعرفة والألم، حيث تتحوّل التجربة الإنسانية، كما عاينها طبيباً وكاتباً، إلى سؤال مفتوح على النفس والمجتمع. من هذا الحدّ الفاصل بين ما يُختبر في الممارسة الطبية وما يترسّب في الذاكرة، تتشكّل كتابته بوصفها مسار تأمل طويل في هشاشة الإنسان، وفي التصدّعات التي تتركها الصدمة،…

إبراهيم أبو عواد / كاتب من الأردن

لَيْسَ الاستبدادُ حادثةً عابرةً في تاريخِ البَشَرِ ، بَلْ بُنْيَة مُعَقَّدَة تَتكرَّر بأقنعةٍ مُختلفة ، وَتُغَيِّر لُغَتَهَا دُونَ أنْ تُغيِّر جَوْهَرَها . إنَّه مَرَضُ السُّلطةِ حِينَ تنفصلُ عَن الإنسانِ ، وَحِينَ يَتحوَّل الحُكْمُ مِنْ وَظيفةٍ لِخِدمةِ المُجتمعِ إلى آلَةٍ لإخضاعه .

بَيْنَ عبد الرَّحمن الكواكبي (…