المُرتَّب لايكفي

ريوان ميراني

هذا مبلغٌ قليلٌ بحقي، أن الطبيب يتقاضى مُرتَّباً أكثر مما أتقاضاه وحتى مصلح السيارات أيضاً، من يعمل لتطبيق القانون لابد أن يأخذ أكثر من الجميع لأن القانون دوماً كعادتهِ فوق الجميع، ما خلا بعض الأحيان عندما يتدخل مسؤول حزبي أو حكومي أو إحدى وجهاء العشائر ففي هكذا حالة فقط لابد من اِستثناء، الأمر يجري على هذا النحو حتى في سويسرا وأمريكا. 
هذه كانت نجواهُ وهو مستلقيٍ على فراشهِ يُحدق في الساعة الجدارية أمامه وإذ بها تُشير إلى التاسعة. نهض على مضض، فتح الخزانة، مد يدهُ إلى إحدى طُقومهِ المتاشبهات في اللون، لبسها على عجلٍ وخرج إلى الشارع. 
كان الشرطي قد قام بتشغيل السيارة كالعادة وواقفاً كمسمارٍ أمام الباب بانتظاره، وما أن سمع صوت خطواتهِ حتى هرع لفتح باب السيارة. أوصلهُ، ونزل بسرعة ليفتح لهُ الباب، وحمل حقيبته متأخراً عن خطواتهِ بخطوتين أو أكثر ليعطي لهُ الهيبة، هذا ما تلقاهُ من فنون توقير القانون وسادتهِ. مشى بين الجموع متبجحاً يركز نظره في نقطة بعيدة حتى لايلحظ الناس ويضطر لرفع يده، فهم حتماً دونهُ، دخل غرفته وجلس على الكرسي يقلب ملفات دعاوى اليوم وهو يرشف الشاي. 
اليوم سيكون العملُ شاقاً حتماً، كل هذا العمل بخمس ملايين فقط، ولم يتوسط غير تاجر واحد بمليون دينار. 
كان يقلب بين صفحات الدعاوى على عجلٍ فسهرة البارحة لم تسمح له بدراسة الملفات. في تلك الأثناء كان المحامون يزرعون الممر أمام باب غرفتهِ ذهاباً و إياباً وهم يقلبون في رؤوسهم سبب تأخره عن بدء الجلسات. 
لم يكن لاحدٍ منهم الجرأة على طرق الباب فان لهُ نظرة حادة قد تسقط من يدخل عليه بطلب كهذا مغشياً على الأرض. 
نظر إلى الساعة، كانت تشير إلى الحادية عشر، دخل قاعة المحاكمة، طلب من الشرطي المناداة على الخصوم وأعلن بدء الجلسات، وبعد عناءٍ طويل وتعبٍ ثقيل أشارت الساعة إلى الثانية عشر ظهراً، فأعلن تأجيل الدعاوى المتبقية بذريعة اِنتهاء الدوام الرسمي. 
هذا كان أمراً يدعو للغبطة لكاتب الضبط، فاليوم لم ينل غير توبيخٍ أو توبيخين على العلن؛ صحيحٌ أن سيادتهُ غضب من شيءٍ ما خفيٍ تراءى له كمُرتَّبهِ القليل الذي لا يتناسب وعظمة شخصهِ وحكمة قراراتهِ ولكنه على الأقل لم يصب عين كاتب الضبط وهو يضربُهُ بقلمهِ على وجههِ. 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

جان بابير

 

الفنان جانيار، هو موسيقي ومغني كُردي، جمع بين موهبتين إبداعيتين منذ طفولته، حيث كان شغفه بالموسيقى يتعايش مع حبّه للفن التشكيلي. بدأ حياته الفنية في مجال الرسم والنحت، حيث تخرج من قسم الرسم والنحت، إلا أن جذوره الموسيقية بقيت حاضرة بقوة في وجدانه. هذا الانجذاب نحو الموسيقا قاده في النهاية إلى طريق مختلف، إذ…

عصمت شاهين الدوسكي

 

أنا أحبك

اعترف .. أنا احبك

أحب شعرك المسدل على كتفيك

أحب حمرة خديك وخجلك

وإيحاءك ونظرتك ورقة شفتيك

أحب فساتينك ألوانك

دلعك ابتسامتك ونظرة عينيك

أحب أن المس يديك

انحني حبا واقبل راحتيك

___________

أنا احبك

أحب هضابك مساحات الوغى فيك

أحب رموزك لفتاتك مساماتك

أحب عطرك عرقك أنفاسك

دعيني أراكي كما أنت ..

——————–

قلبي بالشوق يحترق

روحي بالنوى ارق

طيفي بك يصدق

يا سيدتي كل التفاصيل أنت ..

——————–

أحب شفتاك…

لوركا بيراني

في الساحة الثقافية الأوروبية اليوم، نلمح زخماً متزايداً من التحركات الأدبية والثقافية الكوردية من فعاليات فكرية ومهرجانات وحفلات توقيع لإصدارات أدبية تعكس رغبة المثقف الكوردي في تأكيد حضوره والمساهمة في الحوار الثقافي العالمي.

إلا أن هذا الحراك على غناه يثير تساؤلات جوهرية حول مدى فاعليته في حماية الثقافة الكوردية من التلاشي في خضم عصر…

محمد شيخو

يلعب الفن دوراً بارزاً في حياة الأمم، وهو ليس وسيلة للترفيه والمتعة فحسب، ولكنه أداة مهمة لتنمية الفكر وتغذية الروح وتهذيب الأخلاق، وهو سلاح عظيم تمتشقه الأمم الراقية في صراعاتها الحضارية مع غيرها. ومن هنا يحتلّ عظماء الفنانين مكاناً بارزاً في ذاكرة الشعوب الذواقة للفن أكثر من الملوك والقادة والأحزاب السياسية مثلاً، وفي استجواب…