لا تنظر للأعلى.. فأنت بخير

عبدالعزيز آل زايد 

لماذا ننظر من نوافذنا إلى قمم الجبال؟ لماذا أعناقنا تشرئب نحو المُحَال؟، لماذا ننظر بعيون الغيرة لمن أمدهم الله بالمال؟، الفقير يتمنى العثور على المصباح الذي ينقله بطرفة عين إلى بساط الثراء، يرى ثوبه العتيق الخَلِق، ويرمق مائدته البسيطة المتواضعة فيطمع ثم يطمع ثم يطمع، ويقول: “لو أن الله يبسط عليّ رزقه، كالملك الفلاني والوزير العلّاني والمشهور فلتاني”، وتطول قائمة التمنيات المسبوقة بليت وأخواتها وبنات عمها، ويغفل أنّ الله لم يضع هذه الدار للإقامة، كما يغفل عن فقد أمواته الراحلين، وأنه إليهم صائر بعد انقضاء الوقت وفراغ قاعة الامتحان، هذه الشنشنة التي يدندن بها الفقير ليل نهار قد سمعها الله منذ زمن بعيد ويعلم بها قبل أن تكون كيف ستكون؟، حتى أنه قيد هذه الأقوال عينها في كتابه المجيد بقوله تبارك وتعالى: (قَالَ ٱلَّذِينَ يُرِيدُونَ ٱلْحَيَوٰةَ ٱلدُّنْيَا يَٰلَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَآ أُوتِىَ قَٰرُونُ إِنَّهُۥ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍۢ)، لماذا نغفل عن قارون الزمن البائد؟، ومصيره الذي يقول فيه تبارك اسمه: (فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ).
يعاد الشريط فيتمنى فقير اليوم ما في يد قارون هذا الزمان، فتعيد الآيات نفسها لتكبح التمادي: (وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ)، (وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ ۖ لَوْلَا أَن مَّنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا).
الإنسان هو الإنسان لو أعطي جبلًا من ذهب لطمع أن يكون له جبل آخر، ولا يسد عين ابن آدم إلا التراب، لماذا ننظر إلى نصف الكأس الفارغ ونغفل عن النصف الآخر؟، العجيب أنّ الملك والوزير والمشهور ينظرون من عليائهم إلى عامة الشعب ويتمنون ما منحهم الله، فيقولون: “لماذا ينام الفقير دون كوابيس؟، لماذا لا يصاب البؤساء بالأمراض؟، لماذا يحرمني الله من الأبناء؟، وإذا منحنا الذرية كانوا غير أصحاء”، هناك مصائب لكل شخص، حتى الغني الوافر لديه ما يُؤرّقه، فكم من غني لا يجد لمرضه علاجًا؟، وكم من مُتْرفٍ يتمنى أن يعيش كالفقراء لِهَمٍّ أصابه؟ 
المنصف وحده الذي يقر بالصواب، فأيهما أفضل أن ننام فوق الحصير ونصحوا بعافية؟، أم نرقد فوق الوثير ولا تطرف عيوننا بالنوم من شدة الإعياء والألم؟، الصحة خير من المال، السلامة أفضل من الدينار والدرهم، صدقوا معاشر القرّاء نحن بخير، وهناك من يتمنى المقايضة معنا أن نأخذ كامل ثروته ويخذ منا نعمة واحدة فقط وهي نعمة البصر.  

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

شيرين خليل خطيب

في أيِّ مجال إبداعي، أو أي حرفة تعتمد على الحس والموهبة، يظهر أشخاص يظنون أن بإمكانهم اقتحام هذا العالم لمجرد أنه يعجبهم أو أنهم يحلمون بالانتماء إليه. لكن الحقيقة المُرَّة التي مهما حاولنا تجميلها، هي أن بعض الطرق لا تُفتح لكل عابر، وأن بعض الفنون تحتاج إلى موهبة أصلية أو حد…

خالد بهلوي

اختُتمت الدورة الإلكترونية لتعليم كتابة سيناريو السينما الكردية، التي أُنجِزت بإشراف الدكتور جاسمي وزير سَرهَدي، البروفيسور في المسرح والسيناريو (الدراما الهوليوودية)، والمدرّس السابق في جامعة صلاح الدين في هولير، والحاصل على عدة جوائز دولية في كتابة السيناريو السينمائي.

قدّم الدكتور الدورة على مدى عشرة أسابيع، تناول فيها موضوع الدراماتورج وبنية القصة الدرامية، إضافة إلى محاور…

ا. د. قاسم المندلاوي

في هذه الحلقة نقدم للقارئ الكريم نبذة مختصرة عن فنانين آخرين، احدهم من غرب كوردستان، الفنان الشهيد يوسف جلبي، الذي تعرض الى ابشع اساليب الاضطهاد والتعذيب من قبل السلطات السورية الظالمة، وخاصة بعد سيطرة نظام البعث سدة الحكم عام 1966. فقد تعرض الكثير من المطربين والملحنين والشعراء الكورد في سوريا…

يسر موقع ولاتى مه أن يقدم إلى قرائه الأعزاء هذا العمل التوثيقي القيم بعنوان (رجال لم ينصفهم التاريخ)، الذي ساهم الكاتب : إسماعيل عمر لعلي (سمكو) وكتاب آخرين في تأليفه.

وسيقوم موقع ولاتى مه بالتنسيق مع الكاتب إسماعيل عمر لعلي (سمكو). بنشر الحلقات التي ساهم الكاتب (سمكو) بكتابتها من هذا العمل، تقديرا لجهوده في توثيق مسيرة مناضلين كورد أفذاذ لم ينالوا ما يستحقونه من إنصاف وتقدير…