قطف الربيع

فدوى حسين

تصدعت اللوحة الجميلة أمام ناظري، وسط صرخات تلك المرأة وصياحها.ريما! ريماااا! وهي تشد الفتاة الصغيرة من يدها بكل جبروت نحو الداخل. طفلة لم تتجاوز الاثني عشر ربيعاً. لمحتها وأنا أرتمي منهكةً أثناء عودتي من العمل، على أقرب كرسي أمام مطعم الوجبات السريعة المقابل لبيتها. تسللت كحبة ندى في صباحات الربيع، واندست بين صديقاتها تشاركهم اللعب. شكلت معهن حلقةً، وبدأن يغنين: “فتحت الوردة. سكرت الوردة” يركضن.  يقفزن. يرسمن بضحكاتهن شعاع نور يبدد ظلمة اللجوء وبؤسه في أزقة المخيم وحواريه. ريما الصهباء. ذات العيون العسلية، ونثار النمش على خديها الشاحبين.
 سلبت روحي وأنا أرى تفتح الفرح المسروق المتساقط من ثغرها، وتطاير الفراشات من بين خصلات شعرها، وهي تقفز بين أقرانها. وبدأت اسأل نفسي: من هي ريما هذه؟! ومن تكون تلك المرأة؟! هل هي سندريلا المخيم ، أو بياض الثلج. وهذه زوجة أبيها؟! أم هي أم لا حول لها ولا قوة ،  تخشى بطش زوج نهاها عن ترك الفتاة تخرج من البيت، خوفا من عار تجلبه لهم. أو…
ازداد صراخ المرأة تشدها من يدها نحو الداخل، والفتاة تبكي وتصرخ محاولة الإفلات من قبضتها، والهرب منها، كل ما فيها يستنجد بمن حولها. لم أتمالك نفسي. هرعت إليها امنعها عن الفتاة مستفسرة ما يحدث؟!
 صرخت في وجهي وهي تدفعني: اذهبي.  من أنت؟! لا شأن لك.
ولكن يا سيدة:هي طفلة لماذا كل هذه القسوة؟!
صاحت فيَّ، لتنهال كلماتها سياطا تجلد روحي: أنت لا تفهمين، هي حامل في شهرها الثالث، والطبيب طلب منها البقاء في السرير دون حركة .
أصابت شظايا كلماتها كل جسدي! وتسمرت في مكاني، نظرت حولي أحاول أن أفهم، فصاحت إحدى  صديقاتها: نعم يا خالة. هي متزوجة من عدة أشهر، وتحمل صغيرا في أحشائها. تحجرت كل أعضائي، وكأن لعنة حلت بي، إلا عيناي استمرت في ملاحقتها وهي ترحل، وتختفي خلف الباب.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

“كنتُ قصيدةً تائهة” – للشاعرة شيرين دريعي

هناك نصوص لا تُقرأ… بل تُرتَجَف

وقصائد لا تُنشَد… بل تُبكى في القلب.

“كنتُ قصيدةً تائهة”… ديوانٌ نسجته أنثى من خيوط الغربة، وبقايا الحنين، ونبض القلب حين يخذله الحب، وتخذله الحياة.

هنا، لا تكتب الشاعرة الشعر، بل تكتب نفسها، بكل ما فيها من شروخ وهمسات، من خوف واشتهاء، ومن ضياعٍ جميل يبحث…

عصمت شاهين الدوسكي

 

ربما هناك ما یرھب الشاعر عندما یكون شعره تحت مجھر الناقد وھذا لیس بالأمر الحقیقي ، فالشاعر یكتب القصیدة وينتهي منھا لیتحول إلى تجربة جدیدة ،حتى لو تصدى لھ ناقد وبرز لھ الایجابیات وأشار إلى السلبیات إن وجدت ، فلیس هناك غرابة ، فالتحلیل والتأویل یصب في أساس الواقع الشعري ،وكلما كتب الشاعر…

فيان دلي

 

أرحْتُ رأسي عندَ عُنقِ السماءْ،

أصغيْتُ لأنفاسِ المساءْ،

بحثْتُ فيها عن عُودٍ ثقاب،

عن فتيلٍ يُشعلُ جمرةَ فؤادي،

ناري الحبيسةَ خلفَ جدرانِ الجليد.

 

* * *

 

فوجدْتُه،

وجدْتُه يوقظُ ركودَ النظرةِ،

ويفكّكُ حيرةَ الفكرةِ.

وجدْتُه في سحابةٍ ملتهبةٍ،

متوهّجةٍ بغضبٍ قديم،

أحيَتْ غمامةَ فكري،

تلك التي أثقلَتْ كاهلَ الباطنِ،

وأغرقَتْ سماءَ مسائي

بعبءِ المعنى.

 

* * *

 

مساءٌ وسماء:

شراعٌ يترنّحُ،

بينَ ميمٍ وسين.

ميمُ المرسى، عشبٌ للتأمّلِ وبابٌ للخيال

سينُ السموّ، بذرةٌ للوحي…

ربحـان رمضان

بسعادة لاتوصف استلمت هدية رائعة أرسلها إلي الكاتب سمكو عمر العلي من كردستان العراق مع صديقي الدكتور صبري آميدي أسماه ” حلم الأمل ” .

قراته فتداخلت في نفسي ذكريات الاعتقال في غياهب معتقلات النظام البائد الذي كان يحكمه المقبور حافظ أسد .. نظام القمع والارهاب والعنصرية البغيضة حيث أنه كتب عن مجريات اعتقاله في…