حقوق النساء ولماذا العشيرة!

نجاح هيفو

تاريخيّاً، شكّلت العشيرة ثقلاً سياسياً واجتماعيّاً كبيراً في القضيّة الكرديّة؛ إذ أن المجتمع الكردي تبلور منذ العهد العثماني على أساس العشيرة، وتنوعت مناطقها الجغرافية وثقافاتها المناطقية، ولهجاتها المحكية، وثوراتها ومطالباتها، بالاستناد إلى العشيرة، ودورها، والتوازنات السياسيّة التي كانت تستطيع أن تخلقها سواء في التعامل مع السلطات العثمانية، أو ما تلاها من حكم الدول الحديثة. وهذا مبحث طويل، يحتاج إلى تأصيل وتفكيك لمفهوم العشيرة كرديّاً وما تحمله من تأثير هوياتي في المجتمع الكردي، ولا يمكن الخوض فيه بإحاطة سريعة، لأنها مفهوم يحدد المسارات السياسيّة والثقافية والمجتمعيّة للكرد، وإنما ما يمكن البحث عنه والخوض فيه، هو الثقافة العشائرية، التي رسمت حدود الشأن العام الكردي، ووضعت شروطه وتشاريعه وضوابطه، وهو ما يخصّ كلامنا الآن. 
مع أن الحركة القومية الكردية في سوريا نشأت في تحت تأثير عشائري، وكانت الحركات المطلبية الأولى التي نشأت ذات بعد عشائري، وأدارتها العشائر الكردية في المنطقة، ابتداءً من عام ١٩٢٠، وصولاً لعام ١٩٤١، آخر الحراكات السياسية العشائرية التي طالبت حينها باستقلال الجزيرة العليا (محافظة الحسكة الحاليّة)، إلّا أن هذا الدور تراجع تدريجياً مع نشوء أول حزب سياسي كردي في سوريا عام ١٩٥٧، وبات الانتماء القومي والحزبي السياسي، يضاهي الانتماء العشائري، حتّى بات البعد العشائري للحركات السياسية الكردية في سوريا، شبه معدومة، لكن رغم ذلك، بقيت العشيرة متحكمة بالمجتمع، بعاداته وتقاليده، ونظمه المجتمعية، وتكويناته العائلية، وأدواته في صناعة الشأن العام. 
والحال أن العشيرة هي التي تضع القوانين العرفيّة حتى اليوم في المجتمع الكردي، فالقوانين العشائرية هي التي تحدّد أنماط وأدوار المرأة في المجتمع الكردي، وهي التي تضع الصور النمطية لوجود النساء في الاقتصاد المجتمعي، وفي تكوين الأسرة، وفي تعاطي المجتمع مع المرأة، وفي النظر إليها، حتّى بتنا في مرحلة، لا يمكن القوانين الحكومية أن تلعب دوراً في الحد من جرائم “الشرف” على سبيل المثال، لاعتبارات عشائرية عرفيّة، فالقوانين العرفية هي التي تحدد العقوبة الممكنة في مثل هذه الجريمة ولا يمكن للحكومة أن تتجاوز هذه الأبعاد المجتمعيّة. 
وبالتالي لا يمكن أن يؤثر أي قانون لصالح النساء في ظل حكم ذكوري اجتماعي، لأن القوانين التي لا تناسب مقاسات المجتمع الفكرية ترفض، ويتم الاحتكام للمجتمع والعشيرة، لذلك من المهم أن يكون هناك حشد تأييد ومناصرة ودعم وتوعية لقضايا النساء، وبالمقابل عقوبات رادعة قانونياً. ذاك أن الخوف نابع من شيئين؛ الأول اقتصادي، لأن المرأة لا تملك القدرة على إعالة نفسها، وبسبب النظرة الاجتماعية لها في حالة العمل وبالتالي هي راضخة لقرار ذكور عائلتها بالتخلي أو التبني، والثاني هو مجتمعي، لأن مثل هذه الخطوة كما أسلفنا يمكن أن تؤدي إلى القتل. لذا، تصحيح كامل القوانين التي تعيق حياة المرأة، هو الحل الأنجع، لأن تصحيح قانون على حساب قوانين لن يأتي بأي نتيجة.
وفي بعض الأمثلة الّتي يمكنها إيضاح الثقافة العشائرية وتأثيرها في التأطيرات المجتمعيّة تجاه النساء، إذ أنه حتى عندما تتعارض اعراف واحكام العشائر مع القوانين الدستورية وتحكم وفق المنطق الذكوري والقبلي أن صح التعبير، كيف من الممكن انصاف حق الأم وما الذي يتوجب فعله، خاصة أنّه إذا حاولت سيدة في هذه الحالة رفع دعوى قضائية يمكن أن تقتل من قبل أهلها لأن هذا “عيب وغير مقبول” حقيقة كيف واقولها من باب سخرية وجود قانون ملزم فقط بين السطور وفي جانب اخر غير مجدي في تطبيقه غير منفذ.
هنا لا يمكن أن نقول أن القوانين والتشريعات يمكن أن تدافع عن المرأة وتمنحها الحضانة، ونتجاوز القضية وكأنها لم تكن. هذه القوانين نفسها تحدد عمر ما بعد الحضانة للرجل، وتسلب طفل/ة الأم منها بعد عمر محدد، هذا غير أن الدستور نفسه ذات مصدر تشريعي ذكوري، فلو افترضنا أن الدفاع عن الحضانة أدى لقتل المرأة، هذا القانون نفسه سيعتبر الأمر جريمة “شرف” وستطلب حلاً اجتماعاً ولن تعتقل القاتل. لذا في قضايا المرأة الدستور يكمل المجتمع والعكس.
تالياً، مشكلة النساء في ظل مجتمعات عشائرية، هي مشكلة هرمية، تتحرك من جانبين، الجانب الأول مجتمعي، يتحرك بحالة من التوعية المجتمعية، ومن الجانب الأخر من خلال القوانين التي تحد من الصور النمطية وأشكال العنف الممارس ضد النساء، إذ أن تفعيل جانب دون الآخر، لا يمكن أن يحقق النتيجة

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

نص: حفيظ عبدالرحمن

ترجمة عن الكردية: فواز عبدي

 

جاري الافتراضي كئيب

جاري الافتراضي حزين

جاري الافتراضي يحلب اليأس

يحتسي الوحدة

يبيع الحِكَمَ المكوية برعشة الآلام

بثمن بخس.

 

من نافذة صفحتي

أرى

مكتبه

صالونه

غرفة نومه

مطبخه، شرفته، حديقته

ومقبرة عائلته.

من خلال خربشات أسطره

أقرأ طنين النحل

في أعشاش عقله.

 

جاري الافتراضي

يكتب على جدار صفحته

كلمات مثقوبة بالألم

محفورة بمسامير التنهدات

يمسحها

ثم يعيد…

مروة بريم
لم يسبق لي قطُّ أنْ رأيتُ الجزيرة، تكوَّنت صورتها في ذهني، من قُصاصات مطبوعة في المناهج المدرسية، وما كانت تتداوله وسائل الإعلام. عَلِقت في ذهني صورة سيدات باسقات كأشجار الحَور، يأوينَ إلى المواقد في الأشتية القارسة، تشتبكُ القصصُ المحلّقة من حناجرهنَّ، مع صنانير الصّوف وهنَّ يحكنَ مفارش أنيقة، وفي الصَّيف يتحوَّلن لمقاتلات…

شيرين اوسي

عندما تكون في الشارع وتحمل في احشاءها طفلها الاول

تتحدث عنه كأنها تتحدث عن شخص بالغ

عن ملاك تتحسسه كل ثانية وتبتسم

يطفئ نور عينها وهي تتمنى ضمه

تقضي في حادثة اطلاق نار

رصاصة طائشة نتيجة الفوضى التي تعم المدينة تنهي الحلم

تموت وهي تحضن طفلها في احشاءها

ام مع وقف التنفيذ

تتحسس بطنها

ثم تتوسل لطبيب المعالج

ساعدني لااريد فقد كامل…

إبراهيم محمود

البحث عن أول السطر

السرد حركة ودالة حركة، لكنها حركة تنفي نفسها في لعبة الكتابة، إن أريدَ لها أن تكون لسانَ حال نصّ أدبي، ليكون هناك شعور عميق، شعور موصول بموضوعه، بأن الذي يتشكل به كلاماً ليس كأي كلام، بالنسبة للمتكلم أو الكاتب، لغة ليست كهذي التي نتحدث أو نكتب بها، لتكتسب قيمة تؤهلها لأن…