الزنزانة رقم 6

 

سيامند إبراهيم*
قال الشاعر نزار قباني:
أعجوبة أن الكتابة لا تزال برغم شمشمة الكلاب
و رغم أقبية المباحث
مصدراً للعنفوان(1)
ضاقت الدنيا أمام ناظري وأنا ألج الزنزانة رقم( 6), كيف أحدثكم عنها, عن مساحتها التي تمتد طولاً وعرضاً بحدود(180) سم, , لا هواء,و لا شمس,و لا كهرباء, فقط قصعة عسكرية ,  وملعقة وكأس من البلاستيك أيضاً, تسير بخطوات متثاقلة في هذه المساحة الممسوخة, الأصغر من جحر ذئب, تلتفت حواليك بهدوء, تتلمس الجدران الرطبة الآكلة من عمر السجناء, تتساءل عن الزمن, والعالم الآخر خارج هذا المكان , بين معنييّن بما أنت فيه, وبين ما هو يتقاطع مع خطوط عرضية, تمر دورة الزمان دون اكتراث, لهذه المخلوقات التي أصبحت جزءً من نسيج هذا المكان الذي هو أشبه ما يكون مأوىً للأشباح, جدران سوداء, كسواد  ظلم هذا العالم, دفاتر باطونية تحفر مساراتها في جزء ممسوخ من تواريخنا الشخصية,
هذا المكان يذكرني بقول الأديب الكردي المصري( محمود تيمور):
” هيئوا لي مكان في باطن الأرض”
تنتزع الساعة من معصمك, فلا تعرف الوقت إلا بقدوم العنصر المناوب المكلف بجلب طعامك الممزوج بكل شيء, كل شيء ممنوع, في هذا العالم الشبح, كوة صغيرة, ثمة ضوء يجدد خلايا حياتك, تنام وتفيق ولا تشبع من النوم حيث هو سلواك الوحيدة في هذه البقعة العفريتية,
كيف تستطيع إخفاء مظاهر الألم الذي يعتريك, ومن سيستمع إلى قصص آلامك في شتى المناحي.
لمَ هذا الذي يحدث للإنسان, هل تصدّق أن مقولة الإنسان في اللغة الكردية, وهي تقدم خير شرح لمعنى الانسان,  (miro+hov (mirov) أي :الإنسان الوحشي, أيّ تعذيب يلاقيه السجين في هذه الأقبية من سجانه, الذي يتناول جسده الغض قضمة تلو الأخرى, هذا الجسد الذي خلقه الله في أحسن تقويم, وكرمه الله؟
أي إهانة لكرامة الإنسان, لا شيء أمامك تحققه, سوى الأحلام في أتون القهر الذي تلاقيه في بطن هذا المعتقل, الساعات تنهش من جسدك الرخو, والأيام تحتُّ  من رحيق عمرك الذابل, تبقى الروح معلقة في برزخ الكون, يضحك الجلاد مع أنغام الموسيقى المنبعثة من ذاك الرائي الموضوع في الصالون الطويل, حيث ترتفع أصوات  القهقهات محدثة ميلاً وضجيجاً, لنصيخ السمع إلى بواعث هذه القهقهات المسترسلة , الآتية بتواتر مشحون يكتسي طابعاً مخشوشناً,
تتمدد في زنزانتك كأنك في قلب حوت, تبرزُ أسنانه من كل الأطراف, جلده الأسود  يتمدد على أرضية تلك البطانية اليتمية السوداء, وهي بمثابة سريرك الناعم  في بطن الحوت؟؟؟!!!
 ثمة رائحة كريهة ممزوجة بقهر هذه السنون المتكورة في مخالب الزمن المر؟
ثمة زمن مخصي يتلوى في أتون مملكة تنوء بألف لون من القهر والعذاب.
لا تبتئس يا صديقي فأنت في زنزانتك المتخمة بألف وجع ينام في خابية زوايا الضياع بين أضلاعك.
_____________________________________________________—
·        رئيس تحرير مجلة آسو الثقافية الكردية في سورية
·        عضو نقابة الصحافيين في كردستان العراق.
·        mazidax@hotmail.com
·        ————————————-
·        (1) نزار قباني الأعمال الكاملة- المجلد السادس- صفحة (83)- منشورات نزار قباني بيروت.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

 

 

صبحي دقوري

 

حكاية

 

كان “دارا” يمشي في شوارع المدينة الأوروبية كما يمشي غريبٌ يعرف أنه ليس غريباً تماماً. العالم لا يخيفه، لكنه لا يعترف به أيضاً. كان يشعر أنه ككلمة كورديّة ضائعة في كتاب لا يعرف لغتها. ومع ذلك، كان يمشي بثقة، كما لو أن خطواته تحمل وطأة أسلافه الذين عبروا الجبال بلا خرائط.

 

في تلك الليلة، حين…

عِصْمَت شَاهِين الدُّوسْكِي

 

دُرَّةُ البَحْرِ وَالنُّورِ وَالقَمَر

دُرَّةٌ فِيكِ الشَّوْقُ اعْتَمَر

كَيفَ أُدَارِي نَظَرَاتِي

وَأَنْتِ كُلُّ الجِهَاتِ وَالنَّظَر

***

أَنْتَظِرُ أَنْ تَكْتُبِي وَتَكْتُبِي

أَشْعُرُ بَيْنَنَا نَبْضَ قَلْب

بِحَارٌ وَمَسَافَاتٌ وَأَقْدَارٌ

وَحُلْمٌ بَيْنَ أَطْيَافِهِ صَخَب

***

دَعِينِي أَتَغَزَّلْ وَأَتَغَزَّل

فِي عَيْنَيْكِ سِحْرُ الأَمَل

مَهْمَا كَانَ النَّوَى بَعِيدًا

أُحِسُّ أَنَّكِ مَلِكَةٌ لَا تَتَرَجَّل

***

دُرَرٌ فِي بَحْرِي كَثِيرَةٌ

لَكِنَّكِ أَجْمَلُ الدُّرَرِ الغَزِيرَةِ

أَقِفُ أَمَامَ الشَّاطِئِ

لَعَلَّ مَقَامَكِ يَتَجَلَّى كَأَمِيرَةٍ

***

أَنْتِ مَلِكَةُ البَحْرِ وَالجَمَالِ

لَا يَصْعُبُ الهَوَى وَالدلالُ

لَوْ خَيَّرُوكِ…

فواز عبدي

حين وقعت بين يديّ المجموعة الشعرية “مؤامرة الحبر، جنازات قصائد مذبوحة”[1] للشاعر فرهاد دريعي، وأردت الكتابة عنها، استوقفني العنوان طويلاً، بدا لي كمصيدة، كمتاهة يصعب الخروج منها فترددت في الدخول، لكن مع الاستمرار في القراءة وجدت نفسي مشدوداً إلى القصيدة الأولى بما تحمله من غنى وتعدد في المستويات، فهي تكاد تكثف فلسفة…

فراس حج محمد| فلسطين

لا أقول صدفة، فأنا لا أحبّ موضوع الصدف، ولا أومن فيه، لكنّ شيئاً ما قادني إلى هذا الكتاب، وأنا أتصفّح أحد أعداد جريدة أخبار الأدب المصريّة (عدد الأحد، 26/10/2025)، ثمّة نصّ منشور على الصفحة الأخيرة لـ “نجوان درويش”، بعنوان “بطاقة هُوِيّة”، لوهلةٍ التبس عليّ الأمر فبطاقة هُوِيّة اسم قصيدة لمحمود درويش، وهي…