قصائد فاطمة [*] ما أجملها لو لم تكن تكذبْ!

فراس حج محمد| فلسطين

هي مثلهنّ جميعهنّ؛
تراوغني وتنزلقُ الحكاية للكذب
بكلّ أعوامي الـتي معها مَضَتْ تعوم على لغتي وتكذبْ:
في شكلها تكذب 
في صورة مصقولة مثل الزجاجة تكذب
وإن غابت ستكذب 
وإن حضرت ستكذبْ
حتّى “أحبّك” كاذبةْ
نبتت بأصناف الكذب 
هي لا تصدّق غير أسفار الكذب
صدّقت كذبتها الكبيرة قبل أعوامٍ 
وكتمت أنفاسي لتظلّ تكذبْ
هي إذ تعدّ ليَ اللقاء الليلكيَّ ستكذب
وإن رحلت ستكذب 
وإن عادت ستكذب 
وإن قالت: “صباحُ الخير” تكذب
وإن قرأت بآيات الكتاب ستكذب
وإن نطقت بـ “لا إله إلا اللهْ”
لا ريب أنّ جملتها ستكذبْ
وإنْ صلّت 
وإن صامتْ
وإنِ اعتمرت وزارت وحي اللهِ 
حتماً سوف تكذبْ
وإن لبست ملابسها الأنيقة سوف تكذبْ
ونسائم العطر المغرغر بالندى ما بين نهديها تفوح وتكذبْ
مكياجها
تسريحة من شعرها في الرأس تكذبْ
وإن خلعت معاطفها على الكرسيّ تكذب
وإن شربت معي فنجان قهوتها ستكذب 
وإن جاعت لشيء من غريب الشعر في لحن القصيدة سوف تكذب
وإن غنّت على أنغام أغنية بجلستنا الخجولة والعجولة سوف تكذب 
وإن أصغت إلى صوتي المشقق بالغواية سوف تكذب
وإن صمتت ستكذب
وإن فرحت وإن غضبت ستكذب
وإن نقمت علىّ نقمتها ستكذبْ
وإن كتبت لي في رسالتها “حبيبي” سوف تكذب
وإن حنت إلى الذكرى القديمة سوف تكذب
وإن غارت من “النسوان” غيرتها ستكذبْ
وإن كتبت لي قصائدها على شفتي ستكذبْ
وإنّ نثرت على جسد النصوص قصّتها،
بحبكتها ستكذبْ
وإن كتبت على كشكولها المزرَقّ نصّاً سوف تكذبْ
وإن نقدت نصوص الآخرين فِكْرتها ستكذبْ 
وإن سهرت مع الأغيار من “حَوٓشِ” المدينة سوف تكذبْ
وإن ضحكت ستكذب
وإن دمعت فدموعها بنشيج زفرتها ستكذبْ
وإن نامت على وسادة حلمها ستحلم كيف تحلم كيف تكذب
وإن نهضت صباحاً كي تصافح شمسها كذبت على مدّ الشعاعْ
وانتصبتْ لتكذبْ
إن سافرت مع بعض أطيافي ستكذب 
وإن نادت بهمسٍ خافت باسمي المشتت سوف تكذب
 
هي لا تفكّر إذ تفكّر غير أن تفكّر بالكذبْ 
ما زالت تكذب حتّى أمس:
تقرأني وتكذبْ
تعرّيني من الإيقاعِ للإيقاع بي
وتقسم لي بدمع العينِ
تهدّجِ الصوتِ الكسيرْ
فتكسرني وتقصمني وتكذبْ
وهاتفها “المبجّل” مثلها يستلّ نغمته عليَّ
يقول نكته ويكذبْ
ما حاجة المجنون مثلي لامرأة ستظلّ تكذبْ 
وأنا أصدّق ما تقول وتعلم أنّني أعلمُ
أنّها في الحبّ تكذب
ودماؤها في اللون تكذبْ؟
هي مثلهنّ جميعهنَّ تكذب ثم تكذب ثم تكذبْ
لا حول لي منها ولا قوّةْ
سأصير مثل كاذبتي وأغرقُ في الكذب 
حتّى القصيدة هذه حتماً ستكذبُ في نهايتها
لأنّي كنت أكذب إذ أعاتبها وتكذبْ
أنا مثل العاشقين جميعهم؛ لا شيء لي منها سوى روح الكذبْ
26/3/2023
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[*] مجموعة شعريّة معدّة للنشر

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

 

فراس حج محمد| فلسطين

تتعرّض أفكار الكتّاب أحياناً إلى سوء الفهم، وهذه مشكلة ذات صلة بمقدرة الشخص على إدراك المعاني وتوجيهها. تُعرف وتدرّس وتُلاحظ تحت مفهوم “مهارات فهم المقروء”، وهذه الظاهرة سلبيّة وإيجابيّة؛ لأنّ النصوص الأدبيّة تُبنى على قاعدة من تعدّد الأفهام، لا إغلاق النصّ على فهم أحادي، لكنّ ما هو سلبيّ منها يُدرج…

عمران علي

 

كمن يمشي رفقة ظلّه وإذ به يتفاجئ بنور يبصره الطريق، فيضحك هازئاً من قلة الحيلة وعلى أثرها يتبرم من إيعاقات المبادرة، ويمضي غير مبال إلى ضفاف الكلمات، ليكون الدفق عبر صور مشتهاة ووفق منهج النهر وليس بانتهاء تَدُّرج الجرار إلى مرافق الماء .

 

“لتسكن امرأةً راقيةً ودؤوبةً

تأنَسُ أنتَ بواقعها وتنامُ هي في متخيلك

تأخذُ بعض بداوتكَ…

 

محمد إدريس *

 

في ذلك المشهد الإماراتي الباذخ، حيث تلتقي الأصالة بالحداثة، يبرز اسم إبراهيم جمعة كأنه موجة قادمة من عمق البحر، أو وترٌ قديم ما زال يلمع في ذاكرة الأغنية الخليجية. ليس مجرد ملحن أو باحث في التراث، بل حالة فنية تفيض حضورًا، وتمنح الفن المحلي روحه المتجددة؛ جذورٌ تمتد في التراب، وأغصانٌ…

 

شيرين الحسن

كانت الأيام تتسرب كحبات الرمل من بين أصابع الزمن، ولكن لحظة الغروب كانت بالنسبة لهما نقطة ثبات، مرسى ترسو فيه كل الأفكار المتعبة. لم يكن لقاؤهما مجرد موعد عادي، بل كان طقسًا مقدسًا يُقام كل مساء على شرفة مقهى صغير يطل على الأفق.

في كل مرة، كانا يجدان مقعديهما المعتادين، مقعدين يحملان آثار…