إبراهيم محمود
قال الجنرال:
رؤية الشمس توتّرني، لا أريدها وهي تشرق وتغيب براحتها..
ركلوا الشمس بعيداً عنه.
قال الجنرال:
ما أكثر غرور هذا القمر، لا أريده وهو يتحرك دون حساب لأحد ..
ركلوا القمر بعيداً عنه ..
قال الجنرال:
وهذه النجوم التي تسرح وتمرح، كأنها حرة متى وأين وكيف تتحرك.. خلصوني منها..
بذلوا جهوداً مضنية حتى أصبحت صفحة السماء خالية من كل أثر للنجوم ..
قال الجنرال:
هذا النهر الجاري صلفٌ لا يعبأ بي أوقفوه وارموا به بعيداً ..
وانطلقوا بكل عددهم وعدتهم منقّضين على النهر حتى لم يعد له من أثر..
قال الجنرال:
هذه الأشجار العالية معتدة بنفسها وهي تمد بظلالها هنا وهناك، ضعوا حدَّا لها..
وجيء بآلات النشر، حيث تمكنوا في زمن قصير من نشر كل شجرة في محيط قصره..
قال الجنرال:
رائحة الورود تثير حساسيتي، وتسبب ضيقاً في صدري، أصدروا أمراً بمنع زراعة الورود والتعامل بها..
وصدر أمر بهذا الخصوص، فلم يعد في مقدور أي كان حمْل وردة، أو زراعتها، أو ذكرها..
قال الجنرال:
هذا الحمَام الغبي لا يكف عن الهديل، تخلصوا منه .
في الحال انطلق من لهم خبرة بصيد الحمام وفي زمن قصير لم يعد يُسمَع من صوت للحمام .
قال الجنرال:
أنا ساخط على هذه العصافير التي توقظني منذ الصباح الباكر بزقزقتها المزعجة لا أريد أثراً لها ..
انطلق صيادو العصافير وتمكنوا هم بدورهم، بفضل خبرتهم من قتل من تمكنوا من رؤيتها، وإبعاد سواها، ولم يعد لأي عصفور من أثر في محيط قصر الجنرال..
قال الجنرال:
لاحظت في إحدى طلعاتي طفلاً يبتسم في حضن أمه وهو ينظر إلي.. أصدروا أمراً بمنع حمْل الأطفال وبعدم الابتسامة تحت طائلة المسئولية ..
وصدر أمر يتضمن إلزام الأمهات بمنع أطفالهن من الابتسامة خارجاً، ومن تخالف منهن ستتعرض لأشد العقوبات..
قال الجنرال:
أسمع موسيقى كثيرة في هذه البلاد، وهي تزعجني كثيراً، وتفسد عقول الناس، أصدروا أمراً بعدم سماع الموسيقى أو الإقبال على تعلمها، حرصاً على الهدوء .
وصدر أمر بهذا الخصوص، ولم يعد أحد يسمع صوت الموسيقى، ولا رؤية أي جهاز لها ..
قال الجنرال:
رؤية الساعة في المعصم تغيظني، حيث الناس ينظرون في ساعاتهم أكثر مما ينظروا ناحيتي، أصدروا أمراً بمنع وضع الساعات في اليد أو التعامل معها في المحلات..
صدر أمر بهذا الخصوص، وبات الناس دون ساعات، وما ترتب على ذلك من فوضى بسبب الجهل بمعرفة الوقت..
تنفس الجنرال الصعداء..
في لحظة غير معروفة لعدم وجود الساعة، قيل أن الجنرال مات،قيل أن الجنرال دفن في مكان غير معلوم، لأن الظلام كان يغطي جهات البلاد، ودون أن يُغسَل لعدم توفُّر الماء، ولم تُوضَع باقة ورود على قبره، وفي جو خانق، لعدم وجود أي شجرة، ولا عزِفت موسيقى جنائزية، ولا خرجت أمٌّ وهي تحمل طفلها في حضنها، وفي صمت رهيب، حيث انعدمت الرؤية ….!