إبراهيم محمود
عُيّن الحمارُ قاضياً على مرْج كبير، فما كاد منه إلا أن عيَّن بدوره، البغل مساعده الأيمن، والكديش مساعده الأيسر، في شئون المرج .
عندما تناهى الخبر إلى الحصان، ما كان منه إلا أن عزم على مغادرة المرج قائلاً:
لم يعد لنا من مكان يليق بنا في هذا المرج، لنخرج قبل فوات الأوان !
***
ألقى الثعلب قصيدة كويلة، في مدح الأسد .
أشعرت القصيدة الأسدَ بنشوة لم يعشها من قبل، وقرَّب الثعلب منه أكثر من أي حيوان آخر.
ولأن القصيدة أطربته، فقد رِفُعت أقداح كثيرة نخبَ صحته .
ونام نوماً عميقاً لم يستيقظ بعدها.
حيث إن الثعلب أدخل مجموعة من الضباع الجائعة نهشته في لحظات.
***
اقترب الذئب من النعجة التي كانت وراء السياج ، وخاطبها بلسان معسول:
نعم، أنا هو الذئب، إنما لا تخافي منّي، وكما ترينني فأنا وحدي وفي وضح النهار. جئتك عارضاً عليك صداقتي، ولندخل في عهد جديد من العلاقات يسودها السلام والوئام .
فاجأته النعجة قائلة، وبهدوء بالغ:
بالتأكيد سيكون عهد جديد ومبارك، ولكنني عرضت نفسي على صانع أنياب ومخالب، سيركبها لي قريباً، وما أن ينتهي منها، سآتيك حيث تكون أنت، حينها سترى كم أنا صادقة !
***
كان البغل صحبة أمه الأتان.
التقيا بالحصان الذي حاول تجنبهما.
أوقفه البغل قائلاً:
أنا من سلالتك يا حصان، والدي أو عمّي تكون، فلم تتجنبنا ؟
هزت الأتان رأسها علامة الموافقة وهي تقول:
هو ما يقوله صواباً. لستُ أنا طلبتك أنت الذي جئتني، هل يمكنك أن تنكر ذلك ؟
***
كان طائر العقاب يحلّق على ارتفاع منخفض، منتظراً انقضاض الأسد على طريدته البقر الوحشي.
استوقف الأسد طيرانُه المنخفض، وخاطبه:
إلى متى ستستمر متطفلاً على سواك ؟
صفق العقاب بجناحيه قائلاً:
أخطأت في التعبير يا أسد. صحيح أنني من اللواحم، لكنني عامل نظافة، عندما تشبع وتترك الجثة في مكانها، هل تأكدت من عملي الذي أقوم به ؟
***
ما كاد النمر يصعد بقريسته التي قبض عليها حديثاً، إلى أعلى الشجرة. حتى اقترب منه الضبع، ملاصقاً الشجرة ومتابعاً حركة النمر الصاعدة، وهو يقول له:
كم أنت شكاك. لماذا تجهد نفسك هكذا؟ أما كان أرْيح لك لو تغذيت على الأرض ؟
كشّر النمر عن أنيابه قائلاً:
ما صعد بي إلى أعلى الشجرة ، هو: رائحتك الكريهة، وكونك تأتي من الخلف، وتعض كيفما شئت، وقوة أنيابك القاتلة. لذا، فأن أتغذى دون خوف، وعلى مهلي. أأعيد ما قلتُه ؟
***
أبصرت حية كبيرة القنفذَ وهو قريب منها. فأخذت حذرها منه، سوى أنها نادته قائلة:
كيف تتحمل جلدَك الشوكي، لو تنزعه عنك ستكسب أصدقاء كثيرين لك، وأنا في المقدمة ؟
اقترب منها القنفذ، لتبدأ هي بالتراجع ، وهو يقول:
لولا جلدي الشوكي هل كنت تخاطبينني هكذا أيتها الحية ؟
***
ما أن لمحت سمكة كبيرة سمكة أصغر منها، حاولت أن تلتف عليها وتبتلعها، بحيلة من حيَلها .
سارعت السمكة الصغيرة إلى تعكير الماء .
نادتها السمكة الكبيرة وهي تقول لها:
يا لك من غبية وأنت تعكّرين الماء الزلال!
علَّقت عليها السمكة الصغيرة بقولها:
وماذا تقولين إذا كان في الماء الزلال مقتلي، وفي الماء المعكر خلاصي ؟
***
التقى الفيل بالوعل، فاستوقفه بقوله:
أشفقُ عليك أيها الوعل. فإن اعتدادك بقرنيك الكبيرين يخدعانك، ويوحيان إليك أنك في مأمن من الضواري، فتغفل عما يحدث حولك .
نظر الوعل إلى الفيل وقال له بصوت مسموع، وبنوع من الشماتة :
هو ما ذكرتَ، تُرى، ألا يخدعك أنت نفسك حجمُك الكبير بأنك في مأمن من الضواري، والأسد قبل أي كان؟ هل ضمنتَ سلامتك، ولم تغفل عما يحدث حولك ؟
***
كان الهواء يعبث بذيل أنثى النسر، وهي تطعم صغارها، في أعلى نقطة جبلية .
سأله فرخ له:
ماالذي يبقينا هنا يا أمي؟
ردت أمه:
النسر ملك الكواسر. ولا يليق بنا إلا مكان كهذا، ونكون قريبين من الفضاء الذي يكون مسبحنا الكبير ونحن نحلّق فيه عالياً، ولا طائر يعلونا. وهكذا نكون جديرين بلقبنا .
***
دُعي إلى احتفال كبير، للاحتفال بخنفساء الروث، بوصفها كاتبة لفتت الأنظار إليها من خلال قصصها النابعة من الواقع.
كان الحضور كبيراً، أثار حسد الكثير من الخنافس الأخرى، وخاصة خنفساء الحقل .
تم تكريمها وسط إلقاء كلمات تليق بمنجزها الإبداعي الأدبي.
ثُم طلب منها أن تقرأ نماذج من كتاباتها، ففوجىء الكثير من الحضور بما كانت تقرأه على مسامعهم. كانت كلها تدور حول الروث والبراز .
بعد تردد شكرتها خنفساء الحقل على ما تقوم بها، حتى لا تُعتبَر مسيئة إلى الاحتفال، ثم وجَّهت إليها نقداً، لأن كل ما قرأته لم يخرج عن نطاق الروث والبراز.
خنفساء الروث وهي منتشية بالأضواء المسلَّطة عليها، اختصرت في جوابها قائلة:
أنا كاتبة ملتزمة !
كان التصفيق غير مسبوق !
***
السلوقي وهو يطارد الثعلب، كان يشعر بتعب شديد، فقد مضى عليه زمن طويل في خدمة صاحبه، وقد صاد ما لا حصر له من الثعالب والأرانب. وبعد جهد كبير، تمكنَ من القبض على الثعلب الذي كان فتياً.
وسط لهاثه وهو يقبض على رقبته، وقد ابتعد مسافة ملحوظة عن صاحبه، خاطبه الثعلب:
يا لك من مسكين، دعني أخبرك بما يفرحك، وسوف أفاجئك وأنت تغمض عينيك، وخلال لحظات سترى ما لم تره من قبل .
ما كان يخطر على باله وهو يلاحق الثعلب، كان لا زال مؤثراً فيه. في الحال حرّر الثعلب من فكّيه، وأغمض عينيه..وانتظر اللحظة الجميلة، لحظة العمر التي تمنّاها.
جاءته ركلة مباغتة في مؤخرته. كانت ركلة صاحبه، وهو يعنّفه :
أيها الثعلب العجوز، لقد جاءت نهايتك !
***
كان يترددُ صدى صوت الفأر الشجي، وهو يغنّي، مردّداً في نهاية كل مقطع:
فقط لو يخلّصونني من القط والحية ، سأعمل ما لم يعمله أحد .
في الحال صدرت تعليمات، بوجوب القضاء على كل من القط والحية .
خلال فترة زمنية قصيرة، تكاثرت أعداد الفئران بشكل هائل، في البيوت، في الشوارع، في الحقول والمطاعم. البيوت امتلآت بها، فلم تترك شيئاً إلأ وقرضته وأتلفته، الحقول أصبحت جرداء، وحتى المطاعم خلت من زبائنها بسبب الانتشار الهائل للفئران فيها.
ضجت البلاد بما يحدث، إلى درجة أن الفئران نفسها بدأت بنهش بعضها بعضاً .