ماهين شيخاني
لم تكن تلميذته، لكنها كانت تمرّ أمامه كل صباح في ممر المدرسة الإعدادية كنسمة تحمل معها شيئًا لا يُفسّر: نظراتها، طريقتها في الإمساك بالدفتر، خطواتها المدروسة.
اسمها ناز.
من بيتٍ في أطراف البلدة، قريب من العراء والريح وغياب الكهرباء.
جميلة بشكلٍ لا يليق بهذا العالم.
أنيقة بفقرٍ لا يُهان.
في أحد الأيام، اقتربت وسألته سؤالًا لا ضرورة له عن…
ماهين شيخاني
دخل الأستاذ القاعة في وقارٍ لا يخلو من تعب، يحمل حقيبته تحت ذراعه كأنه يحمل الوطن بأكمله. وقف لحظة أمام السبورة، أطلق نظره بين الوجوه النائمة على مقاعد الدراسة، ثم قال بصوت خافت:
– أعزائي الطلّاب، أسعدتم صباحًا.
لا أحد أجابه، لكن رؤوسهم تحركت كأنها تعترف بوجوده على مضض.
تنحنح، وبدأ يخط بكلمات الطباشير على السبورة عنوانًا…
ماهين شيخاني
وقف دارا أمام باب القاعة الكبرى.
كانت ترفرف فوقها راية كردية أنيقة، مربوطة بعمود طويل، كما لو أنها تحرس حلماً قديماً.
شد ياقة قميصه الأبيض، مسح غبار الطريق عن بنطاله، ودخل.
في الداخل، كان الهواء خانقًا، ممزوجًا برائحة عرق متعب ودخان سجائر رخيصة.
اصطف الجالسون في مجموعات صغيرة، كل مجموعة تهمس على حدة، وكأن المؤتمر ساحة قمار…
فواز عبدي
في نقّارة، قريتي العالقة في زاوية القلب كقصيدة تنتظر إنهاء قافيتها، لم يكن العيد يأتي… بل كان يستيقظ. ينفض الغبار عن روحه، يتسلل من التنّور، من رائحة الطحين والرماد، من ضحكةٍ انبعثت ذات فجرٍ دافئ ولم تعد ، من ذاكرة عمّتي نوره التي كانت كلما نفخت على الجمر اشتعلت معها الذكريات..
تنّورها الطيني الكبير، ذاك…
سيماف خالد جميل محمد
هناك حيث تنبعث الحياة، حيث كانت روحي تتنفس لأول مرة، هناك أيضاً أعلنتْ روحي مغادرتها، لم يكن من الممكن أن أتخيل ولو للحظة أن تغادرني أمي، هي التي كانت ولا تزال الصوت الوحيد الذي أبحث عنه في الزحام، واليد التي تربت على قلبي في الأوقات الصعبة، كيف يمكن لخبر كهذا أن يتسلل…
هيثم هورو
-1-
سهل الجامع إنه ذلك السهل الجميل والواسع الذي يمتد أمام قريتي وعلى مد النظر يصل إلى صدر جبل بلال الحبشي الشهير والملاصق بسلسلة من الجبال لتصل بالجبل القمة الكبرى والقمة الصغرى وكما تحتضن هذا السهل حقل جدي المزروع بالقمح .
كان أبي شاباً أعزباً شارك معه مجموعة من الشبان والشابات من القرية للبدء بالحصاد اليدوي…
جليل إبراهيم المندلاوي
حمل الورقة بين أصابعه كأنها جمرة، وكأن الحروف المنحوتة عليها لا تزال تنبض بحرارة ذلك الزمن، بل وكأنها تهمس له بأصوات دفنها في أعمق زوايا الذاكرة، كانت الورقة قديمة، حوافها متآكلة، وحبرها باهت بالكاد يُقرأ، لكنها كانت كافية لبعث ارتجافةٍ في أطرافه، ولبعث ذلك الألم القديم الذي ظنَّ أنه نجح في وأده، ارتجفت…
عبدالجبار حبيب
استنساخ
حين انفجرت ملحمة جلجامش، تدفَّق الطوفان… لكن ظلَّ شعبه واقفاً، يُرمِّم جمجمته المكسورة، يرسم خرائطه على الرِّيح.
لم يستسلم حين عبر الغزاة على دمه، وتآكلت سيوفهم في صدره، بل فتَّش عن اسمه في الألواح القديمة، فوجد وصية محفورة على الرِّيح: “أنتَ الذي لا يموت.”
******
وعد
حين مشت الشعوب على جسر التاريخ، لم تجد انعكاسها في الماء. تلمَّست…
آناهيتا م شيخاني
أنظر حولي بتمعن…. أرى كل شيء بوضوح ، لقد زالت الغشاوة من عيناي ، أسمع صوت والدي ينادي الجميع أسماً تلو الآخر باستثناء أسمي ، نعم لا يذكر أسمي الذي اعتدت أن أسمع منه كل لحظة…؟. لماذا..؟.
أدنو منه وأربت على كتفه : أبي…أبي.. ما خطبك..؟.
– لا يبالي ، لا يرد وكأنه لا يشعر…
جليل إبراهيم المندلاوي
تأمل الشاب السيجارة بين يديه وهو يجلس وحيدا على مقعده المتأرجح فوق صفيحة معدنية باردة في ركن من أحد شوارع المدينة العتيقة، حيث تختلط ألوان الأزقة برائحة البخور المبعثرة وعبق الماضي وتمتزج رائحة الدخان بشذى الحنين، هناك، على طاولة صغيرة متواضعة بين جنبات سوقٍ قديم، احتفظ بكنزه الثمين، علبة سجائر بدا أنها تحمل…