قصة

ماهين شيخاني

 

رجع “أبو شفان” إلى البيت في ساعةٍ متأخرة، يجرّ خطواته كما لو كانت أثقل من جسده المنهك. وجهه مكفهر، ملامحه كانت كمن ذاق مرارة أعوام دفعةً واحدة. ما إن فتح باب الدار، حتى لمح ابنه البكر “مصطفى” جالسًا في العتمة، ينتظره كأنه ينتظر مصيرًا لم يأتِ بعد.

– “أهلاً أبي… تأخرتَ الليلة”.

– “كنتُ في مشوار…

ماهين شيخاني

في غرفة بيضاء باردة، جلس العجوزُ الستيني على طرف المقعد، كأنما يتأرجح بين الحياة واللاجدوى. بيده ملفٌّ مهترئ، لا يحمل فقط تحاليله الطبية، بل يحمل تاريخه مع الألم، وأرشيفًا من الأسئلة المؤجلة.

كان الطبيب يجلس خلف طاولة تشبه منصّة القضاء، وعلى عينيه نظارة سميكة تكاد تكون ستارًا بينه وبين أي شعور. تصفّح أوراق المريض كمن…

فواز عبدي

 

في إحدى مدارس قامشلو، كان فرسو، المعلم البسيط، يجلس بين زملائه في استراحة بين درسين، يشرب الشاي ويفكر في المنام الغريب الذي رآه ليلة أمس. بحماسة وبصوت خافت أخبر زملاءه قائلاً:

رأيت الأمريكان يدخلون سوريا؛ طائرات دبابات، وحتى جنود يطلبون شاورما من أسعد حندو في كافيتيريا الموعد.

ضحك زملاؤه وضحك فرسو معهم غير مدرك أن “ليس…

جليل إبراهيم المندلاوي

 

لم يكن يبحث عنها ولا عن الحب، فقد كان ككل الذين خاضوا الحرب ضد العواطف، وعاش السنوات الماضية من عمره الذي ناهز الخمسين في هدوء مطلق، بعيداً عن صخب المشاعر وعواصف القلب، كان اختار العزلة كملاذ آمن بعد تجارب مؤلمة تركت في روحه ندوباً لا تُمحى، ليلوذ بالحذر ولا يُسلّم قلبه بسهولة، ولا…

ماهين شيخاني

“وزارة شؤون اللافتات”

في أحد الأقاليم، تم تأسيس وزارة اسمها: وزارة شؤون اللافتات والشعارات الوطنية.

مهمتها الوحيدة: تغيير شعارات الأحزاب كل 6 أشهر، وإطلاق مصطلحات جديدة مثل: “الخط الثالث المعدّل”، أو “النهج المتجدد الثابت”.

كانت لافتاتهم تسبق أفعالهم، وحين يُسأل الوزير عن خطط الوزارة يقول:

– نحن نؤمن بأن الشعارات تُغيّر الواقع، أما الواقع؟ فمسألة ثانوية!

 

فواز عبدي

 

كانت شمس نوروز تنثر ضوءها على ربوع قرية “علي فرو”، تنبض الأرض بحياةٍ جديدة، ويغمر الناسَ فرحٌ وحنين لا يشبهان سواهما.

كنا مجموعة من الأصدقاء نتمشى بين الخُضرة التي تغسل الهضاب، نضحك، نغني، ونحتفل كما يليق بعيدٍ انتظرناه طويلاً… عيدٍ يعلن الربيع ويوقظ في ذاكرتنا مطرقة “كاوى” التي حطّمت الظلم، ورسمت لنا شمساً لا تغيب.

مررنا…

ماهين شيخاني

 

في زقاق قديم من أزقة مدينة تتقاطع فيها الطوائف واللغات، وترتجف على وقع الحروب والهدن المؤقتة، كانت بنايتنا تقف شامخة، كأنها تعاند العواصف وتحنّ إلى زمنٍ مضى. كانت البناية مقسومة إلى جناحين متقابلين. الجناح الأول، الطابق الأرضي منه لعائلة كردية، والطابقان العلويان للأخوة المسيحيين. أما الجناح الثاني، فكان الطابق الأرضي لي، بينما يسكن الطابقين…

فواز عبدي

 

في أرضٍ اسمها “كردستان الكبرى… المؤجلة”، كان هناك زعيم سياسي عتيق، عتيق جداً يُدعى خالو نمرود، كان رئيس “الحزب الكردي الأصيل المتجدد الديمقراطي التقدمي الحر الشعبي الاشتراكي الوحدوي رقم 7”. حزب يضم سبعة أعضاء، ثلاثة منهم أقرباؤه، واثنان موظفون بالراتب، والسادس مسؤول عن صيانة مكبر الصوت، أما السابع فهو حساب تويتر مزيف.

عاش خالو نمرود…

د. علي صالح ميراني

في حضن الجبل، حيث تُروى الحكايات بصمت النسيم، وتنطق الأرض بألسنة العشب، لاحت من بعيد نسوة يُسابقن الريح بخطواتهن الوئيدة، يتأوهن تحت وطأة أوانٍ نحاسية تتهادى فوق رؤوسهن، كأنهن يحملن ذاكرة الأرض مطرزا بصبر الأمهات.

في الواقع، كان الكلب الكهل، رفيق الراعي العجوز، يخطو معه كظله، في مسيره واستراحاته، وكأنهما تقاسما العمر والود…

د. علي صالح ميراني

كان الربيع قد ألقى بوشاحه الأخضر على الأرض أخيرًا، وتفتحت الأزهار في كل ناحية، وكأن الطبيعة تنادي بالرحيل نحو الخِصب. ففي هذا الفصل، تصفو السماء، وتلين الأرض، ويخرج الرعاة بأغنامهم لعبور الضفة الأخرى من النهر المتدفق بين الوديان العميقة.

في الواقع، اجتمع القطيع قرب مجرى النهر، حيث كانت المياه تنساب بين الصخور، وتتراقص…