خالد إبراهيم (Bêkes)
لا أسماءَ للراحلين في صحائفِ الغبار.
يُبصرُ الكرديُّ ظلَّهُ على حوافِّ الخرائطِ، لكنه لا يمسكُ به.
يُلاحقهُ ككلبٍ يعضُّ قيدَهُ، كريحٍ تتعقَّبُ مراياها المكسورة.
ليس المنفى منفاه، ولا الوطن وطنه. سليلُ الجهاتِ التي تنكرهُ، وابنُ الريحِ التي تقيمُ فيهِ كإرثٍ قديمٍ من الغيابِ.
لا ينامُ الكرديُّ على ضلعِ جبلٍ، ولا يسندُ ظهرَهُ إلى جدارٍ، أينما حلَّ طوّقتهُ الأسئلةُ:…
إبراهيم محمود
أطلقتُ الرصيفَ
فبحث عن شارعه
الشارع عن حيّه
الحي عن مدينته
المدينة عن ساكنها
الساكن عن مؤسسته
المؤسسة عن دولتها
الدولة عن حقيقتها
لكن الحقيقة التزمت الصمت
أطلقت الشم
فبحث عن رائحته
الرائحة عن وردتها
الوردة عن شجرتها
الشجرة عن حديقتها
الحديقة عن حارسها
الحارس عن حقيقته
لكن الحقيقة التزمت الصمت
أطلقت اليد
فبحثت عن جسمها
الجسم عن صاحبه
الصاحب عن موقعه
الموقع عن رمزه
الرمز عن مشفّره
المشفر عن كرسيه
الكرسي عن حقيقته
لكن الحقيقة التزمت الصمت
أطلقت الهواء
فبحث…
إبراهيم محمود
ليس بيننا وسيط أبداً يا نوروز
إلا إذا كان الهواء الذي أتنفسه
وأنت مذاب فيه وسيطاً
إلا إذا كان الماء الذي يفلتر دمي
وأنت شهيّ الأوكسجين فيه وسيطاً
إلا إذا كانت النار التي تميّز حدود وجْدي ومجدي المفترض
وأنت جذوتها التي لا تنام وسيطاً
إلا إذا كان التراب الذي يسندس خطاي
وأنت استبرقه عاليَ الصيت باسمه وسيطاً
جهاتك مفتوحة على مدار الساعة
كما هو…
إبراهيم محمود
لا شيء يمنعني يا آذار
أن أعضك عضة الذئب النافذة في حنجرتك
وأشدك بكل وجعي الكردي العتيد
في مساحات واسعة من العمر المصدوم بك
أن أركلك بكامل يأسي من رصيد أيامك السافرة
وأدفع بك مرايا تردد نزيف تاريخي المستدام
أن أجرك من شعري على خلفية صريحة من صفاقة المحيط بك
أن أصرخ في وجهك المعرّى من كل عشي مأمول:
ماالذي استهواك في…
إبراهيم محمود
إلى متى سنعترف للحجر الصوان
أننا أكثر قسوة منه بما لا يقاس
لنرى هذا المريع بصلابته النازفة كراهية قاهرة
لنضع أيدينا على تلك الشرارات التي تطلقها ذاكرتنا المقدامة
إلى متى سنقدم اعتذاراً لهذا لمسمى وحشاً خارجاً
أننا أكثر إراقة دماء وافتراساً يسمياننا
أكثر من مخالبه وأنيابه التي تظهران عند الضرورة القصوى
لنعاين لا ما يحصى من المخالب والأنياب التي نفعّلها هنا…
خالد ابراهيم
يبتلعُ الخطى التائهة، ويحفرُ بأنيابهِ في عظامِ الغريبِ أسماءَ المنفى، كأنَّهُ لا يعرفُ سوى اقتياتِ الدموعِ والخراب، يكدّسُ الأوجاعَ فوقَ الأوجاع، ويجعلُ من الجماجمِ سلّماً لعرشِ الوهم. هنا، تتلاشى الأحلامُ كفقاعاتِ السراب، تجفُّ الأزمنةُ على شفاهِ الأمل، وتموتُ الحكاياتُ قبل أن تولد، كأنَّ الريحَ لا تحفظُ سوى صدى البكاء، كأنَّ الدروبَ حفرتْ قبورها مسبقاً،…
إبراهيم محمود
عندما تهجأتُ ممتلئاً بك ” أحبك ِ ”
فقدتُ رأسي في الحال
وتراءى لي جبلٌ جبلٌ جبل
جبل من صوان ودم وضوء وعسل وهواء فتي
له قمة ينتسب إليه شموخٌ فريدُ إقليمه
رأيتني مرفوعاً به إلى أعلى عليين
وأكسبتني نجوم من حنان وشجر يانع دون جذور
ملَكَة الامتلاء باللامرئي
حيث تكونين أنت بكل بهاء نسبك الكوكبي
عندما تهجأت مسكوناً بك ” أحبك ”
فقدتُ…
إبراهيم محمود
بياضٌ تقطَّر منك ِ
اشتعل ليلُ رغبة تليد
توسلت إلى الصباح طويلاً
أن تتأخر الشمس في ظهورها
وأنا أتدثر بذلك المتقطر من بياضك
وأنا أتنفس تلك العينة التي
ألهمتني لعمر يأتمر به زمن قادم
أي متصوف أنا في تكية وجدك الأعظم؟
كيف لبياضك
أن يقلق سواداً هو جذره التكعيبي
أن يفتتن الأصل بالفرع
أن تغيّر الغابة المتشحة بالسواد وجهتها إليك
كيف لظلال تبتهل إلى فيزيائها بجرعة…
إبراهيم محمود
اسمك ِ المجهولُ معلومي مبتل ٍ به
أي رغبة هيأتنا له هذي الساعة الصامتة
زمنٌ كتابٌ يباشرنا ببياضه
تنفتحين حضوراً لا قبَل لي به
أي قارب رغبة يمكنه معاقرة موجك؟
الشطآن أثرٌ بعد عين
يتحرك جسدُك ِ الشجر أمامي
تمطرني رغبة بوابلها
يضج ثمر في الأفق
كيف استحال جسدك ماءً
كيف استحالت رغبتي تربة
الفصول تتنافس على المرتَقَب ؟
تسربت ِ عاصفة ملثَّمة إلى دمي
أشعلتْ مساماتي…
إبراهيم محمود
يذكُرك القمر
تتنفس السماءُ الصعداء
تنام الأرض ملء غدها
يستنشقك الورد عشقاً
تباشر الحديقة دورتها زهواً
تبتهج السنة طوع سكَينتها
من خفقة لقلبك الظليل
ترسِل الينابيعُ باقةً من ألحانها البنفسجية
الطبيعة تعلِن ولادتها الأولى
صخرة الماء تمتلىء مشاعرَ لمرآك
أي شلال يفلتر صداها السامي
عرائس المروج تؤمّن التجلّي لحور عينها
درب وعر يطرب لخطوك
الساعة لا تكف عن النفْخ في جرسها
ثمة أرواح تنبت على الجانبين
تناهى همسك إلى…