فن الكلام أو الخطابة

تنكزار ماريني

 

فن الكلام هو فن الخطابة والتعبير المقنع، وهي عنصر أساسي في علوم الاتصال والتربية السياسية. تاريخياً، تعود أصول البلاغة إلى اليونان القديمة، مع نظراء بارزين مثل أرسطو، أفلاطون، وسقراط، وتم تطويرها في العصر الروماني بواسطة شيشرون وكوينتيليان. في العالم الحديث، تظل البلاغة ذات صلة في السياسة، والإعلان، والقانون، والتواصل اليومي.

أسس فن الخطاب. يستند فن الخطاب إلى خمس مراحل أساسية:

اختراع الأفكار (Inventio): هي عملية البحث عن الأفكار، حيث يقوم المتحدث بتجميع الحجج والأدلة لدعم الأطروحة. يشمل ذلك أيضاً البحث عن الحقائق ذات الصلة وفهم الجمهور.

التوزيع (Dispositio): هي بنية الخطاب. وتشمل تنظيمه إلى مقدمة، وجوهر، وخاتمة، بالإضافة إلى ترتيب الحجج بتسلسل منطقي (مثل: زمني، حسب الأهمية).

التعبير (Elocutio): تتعلق هذه المرحلة بالتعبير الأسلوبي للخطاب. هنا يختار المتحدث وسائط أسلوبية، وصوراً لغوية، وأشكال بلاغية (مثل: الاستعارات، والتكرار) لصياغة رسالته بشكل جذاب ولا يُنسى.

الذاكرة (Memoria): تعتبر القدرة على حفظ الخطاب أو تقديمه بشكل جيد مهمة في البلاغة لضمان ظهور مقنع ومؤثر.

الأداء (Actio): هو العرض الفعلي للخطاب، والذي يشمل الاتصال غير اللفظي مثل الإيماءات، وتعابير الوجه، ونبرة الصوت. يمكن أن تعزز العرض الجيد الانطباع العام للخطاب.

أدوات الخطاب هي تقنيات يمكن أن يستخدمها المتحدث لتعزيز تأثير خطابه:

التكرار (Anapher): تكرار الكلمات أو العبارات في بداية أجزاء الجمل أو الجمل لتعزيز الفكرة.

التوازي (Parallelismus): نفس الهيكل الجملة في الجمل المتتالية يعزز الإيقاع والذكريات.

المبالغة (Hyperbel): المبالغة في التعبير لتأكيد نقطة معينة، مما يثير المشاعر.

العتبة (Antithese): التقابل بين أزواج متضادة لإبراز التباينات وزيادة الانتباه.

الأسئلة الخطابية: أسئلة لا تتوقع إجابة، بل تهدف إلى التحفيز على التفكير.

استراتيجيات الإقناع يستخدم الخطاب أيضاً استراتيجيات إقناع متنوعة، تركز خصوصاً على تفسيرات أرسطو عن الإيثوس، والباثوس، واللوغوس:

الإيثوس (Ethos): مصداقية وكفاءة المتحدث. يتم اعتبار المتحدث المقنع كموثوق وذو خبرة.

الباثوس (Pathos): الاستجابة العاطفية للجمهور. من خلال القصص، والتشبيهات، أو العروض الدرامية، تُثار المشاعر التي تزيد من قوة الحجج.

اللوغوس (Logos): الحجة المنطقية. تعتبر استخدام الحجج والأدلة الواضحة والقابلة للفهم أمراً أساسياً لإقناع الجمهور بطريقة عقلانية.

مجالات تطبيق البلاغة يجد فن الخطابة تطبيقه في سياقات متنوعة:

السياسة: يستخدم السياسيون البلاغة لإقناع الناخبين، وتشكيل الآراء، وقيادة المناقشات المجتمعية.

الاقتصاد: في العروض التقديمية، والمفاوضات، أو استراتيجيات التسويق، تعتبر الاتصالات المقنعة حاسمة لنجاح الأعمال.

القانون: يجب على المحامين إتقان المهارات البلاغية لعرض الحجج أمام المحكمة وتأثير الحكم.

التعليم: يستخدم المعلمون البلاغة لجعل الدروس شيقة وتحفيز اهتمام الطلاب.

خاتمة فن الخطابة، أو البلاغة، هو مجال مثير يجمع بين الجوانب اللغوية والنفسية للاتصال. ويتطلب معرفة فنية بالأدوات والهيكليات البلاغية، بالإضافة إلى التعاطف والقدرة على فهم الجمهور. من خلال إتقان البلاغة، يمكن للناس تقديم أفكارهم ومعتقداتهم بفاعلية أكبر وبناء روابط أعمق مع الآخرين.

 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم أبو عواد / كاتب من الأردن

إنَّ الهُوِيَّةَ في العملِ الأدبيِّ تَتَشَكَّل مِنَ الأحلامِ الفَردية ، والطُّمُوحاتِ الجَماعية ، والتَّجَارِبِ الشَّخصية ، والإفرازاتِ الثقافيةِ ، والعواملِ النَّفْسِيَّة ، مِمَّا يُؤَدِّي إلى وَضْعِ العَملِ الأدبيِّ في أقْصَى مَدَاه ، وإعادةِ إنتاجِ السُّلطة المَعرفية مِنْ مَنظورٍ اجتماعيٍّ قادر على اكتشافِ دَوافع الشَّخصيات ، ودَلالةِ الألفاظ ،…

ماهين شيخاني

“وزارة شؤون اللافتات”

في أحد الأقاليم، تم تأسيس وزارة اسمها: وزارة شؤون اللافتات والشعارات الوطنية.

مهمتها الوحيدة: تغيير شعارات الأحزاب كل 6 أشهر، وإطلاق مصطلحات جديدة مثل: “الخط الثالث المعدّل”، أو “النهج المتجدد الثابت”.

كانت لافتاتهم تسبق أفعالهم، وحين يُسأل الوزير عن خطط الوزارة يقول:

– نحن نؤمن بأن الشعارات تُغيّر الواقع، أما الواقع؟ فمسألة ثانوية!

 

إبراهيم اليوسف

 

تمثل رواية” فرح خاتون*” الصادرة عن دار الزمان للطباعة والنشر، تجربة سردية ذات طابع استثنائي، تمتزج فيها السيرة الفردية بالسياق الجمعي، وتُروى الذات الكردية لا عبر صراع سياسي مباشر، بل من خلال جسد مريض وذاكرة محاصرة بالموت والعزلة. تدور الرواية حول فرح عبد الكريم عيسى علي، المرأة التي تكتب من سرير المرض في مستشفى…

في زمن يبحث فيه العالم عن المصالحة والتفاهم، يعد ديوان الشعر

“Aştî تعني السلام” من تنگزار ماريني علامة مضيئة للأمل. النسخة الثنائية اللغة – باللغتين الكردية والألمانية –

تدعو إلى عدم التفكير في السلام فحسب، بل أيضًا إلى الشعور به ومشاركته.

قصائد ماريني رقيقة وقوية في آن واحد.

تحكي عن الرغبة في عالم أفضل، وعن ألم الذكرى،

وعن جمال التعاون….