أُغنياتٌ لسيِّدَةِ الرِّيح

عمر كوجري

نهد الثلج
الريحُ تُصفِّرُ لعشاقها الكثر
للغَيْمِ .. للقمح ..و
الشَّجرُ يُودِّعُ آخرَ حُبٍّ
من ثَمًرٍ ونضرة راكدة
الثَّوْبُ الأحمرُ ينتشي من زفرةِ الشَّهيد
وأنا الشَّهيد..
الجبَلُ يرقُصُ بالنارِ والزَّغرودة
الشَّمالُ…الشمال يُغنِّي للدَّ مِ الوارِفِ والطلقات
الأصابِعُ تُغْري نهدَ الثَّلج ..الغفير
وأنا وحيداً ..وحيداً أُغنِّي
وقلبي قلعة في وجهِ الطاغية
و…أنا وحيداً أرْقُصُ على نزيف دمي
ووحيداً …أموت..
ودمعي يسقي زهراتٍ بحجم قلب أُمي
في هذه الحديقة الرائعة:
ح..ل..ب..ج..ة.
 
       إنها الرِّيْحُ ياأُمِّي

من حقِّكِ أن تسندي دمعكِ إلى حزني النهر
ومن حق الفراشة أن تتكئَ على ماتبقى مني من قصيدةٍ عصية على الحريق ..
ومن حقِّ هذا النهرِ أنْ يعبرَ بسرعةٍ إلى هاويتي
ومن حق الجبل أن يكونَ جبلاً وكفى
يا أمي ثمة ما يرعب ُ الريح أيضاً
وقد تكون الريح تحتنا أو فوقنا
فلا تقلقي وقري عيناً .. فها أنذا أكسرُ بحرَ الوجع
وأسبح ُ في سحرِ من هي مجنونتي
أذهبُ إليها ..حيث يجرحها الهواء
حيث يسكنها المساءُ
وأغدو مثل وعْلٍ طاشت به أنثاه
وسكن هناك عالياً ..عالياً
وياأُمِّي .. قولي للقطا أن يئبن إليها
فما في أصابعي حيلة الشعراء
وما في قلبي فسحة لاحتضرَ قليلاً في عين من أموت ..
بياسمينها الكامل
ولاوقت لي .. ربما.. أقول ربما
لأهبَ قلقي لتلك الريح
وأشكر الوردة التي ارتبكت وهي تمر بجانب أمها “كلستان”
وأشكر عينيها وهما تغازلان حبةَ الزيتون
وأبوس يد الآسي
يا طبيبي.. يا
رفقاً بعين الوردة ..لا توقظ رمشها الهارب إليَّ ..أعني إلى مملكة الشعر
لاتؤذِ القصيدة .. الأنثى .. الحديقة
لاتدس على قلبي ..وخذ ما تشاء من أقلامي ..وأحلامي اليتيمات
ومن بياض الدفتر في ثلجي الناعس
ومن ماتبقى لي في هذه الشام الـ ..تضرب على يدي وعلى يد قصيدتي
يا طبيبي
أغنيتي غداً مسافرة
وشلال شعرها الحنطي مسافر أيضاً
و..آه !! ما أروع الكلام حين يطير من فمها كحمام كوجري
و.. عينها التي تصبح نهباً لمشرطِكَ
مسافرة أيضاَ
فماذا سيتبقى من القصيدة لتُكتَبَ ..وما شأني بجميل الكلام بعد
فعِدْني يا طبيبي أن ترسمَ أناملك قصيدة ً وبنفسجة وهي تغوص .. تغوص في بحر زيتونها ..
عِدْني بكلام وثير
لاغْتسِلَ من نبع الحكمة
وأقولَ لمبضعك :
يا مبضعُ ، كن نسمة هبت من قلبي
كن ريشة من جوانحي
كن أي شيء ..وانسَ أن تكون قاسياً على الوداعة .. الحلم .. النهر ..الحمام حين يوقظ الشاعر ليقترف قصيدة وأغنية .. وما ملكت أيمانه
من عشق الجميلات إلى آخر ورقة من توت العمر..
                                                          دمشق

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

غريب ملا زلال

أحمد الصوفي ابن حمص يلخص في تجربته الفنية الخصبة مقولة ‘الفن رؤيا جمالية وبدائل لفساد الروح’، وهو كثير الإنتماء إلى الضوء الذي يحافظ على الحركات الملونة ليزرع اسئلة محاطة بمحاولات إعادة نفسه من جديد.

يقول أحمد الصوفي (حمص 1969) في إحدى مقابلاته : “الفن رؤيا جمالية وبدائل لفساد الروح”، وهذا القول يكاد ينبض في…

عبد الستار نورعلي

في الليلْ

حينَ يداهمُ رأسَك صراعُ الذِّكرياتْ

على فراشٍ مارجٍ مِنْ قلق

تُلقي رحالَكَ

في ميدانِ صراعِ الأضداد

حيث السَّاحةُ حُبلى

بالمعاركِ الدُّونكيشوتيةِ المطبوخة

على نارٍ هادئة

في طواحينِ الهواء التي تدور

بالمقلوبِ (المطلوبِ إثباتُه)

فيومَ قامَ الرَّفيقُ ماوتسي تونغ

بثورةِ الألفِ ميل

كانتِ الإمبرياليةُ نمراً..

(مِنْ ورق)

بأسنانٍ مِنَ القنابلِ الذَّرية

ومخالبَ مِنَ الاستراتيجياتِ الدِّيناميتية

المدروسةِ بعنايةٍ مُركَّزَة،

وليستْ بالعنايةِ المُركَّزة

كما اليوم،

على طاولته (الرفيق ماو) اليوم

يلعبُ بنا الشّطرنج

فوق ذرى…

حاوره: إدريس سالم

إن رواية «هروب نحو القمّة»، إذا قُرِأت بعمق، كشفت أن هذا الهروب ليس مجرّد حركة جسدية، بل هو رحلة وعي. كلّ خطوة في الطريق هي اختبار للذات، تكشف قوّتها وهشاشتها في آنٍ واحد.

 

ليس الحوار مع أحمد الزاويتي وقوفاً عند حدود رواية «هروب نحو القمّة» فحسب، بل هو انفتاح على أسئلة الوجود ذاتها. إذ…

رضوان شيخو
وهذا الوقت يمضي مثل برق
ونحن في ثناياه شظايا
ونسرع كل ناحية خفافا
تلاقينا المصائب والمنايا
أتلعب، يا زمان بنا جميعا
وترمينا بأحضان الزوايا؟
وتجرح، ثم تشفي كل جرح،
تداوينا بمعيار النوايا ؟
وتشعل، ثم تطفئ كل تار
تثار ضمن قلبي والحشايا؟
وهذا من صنيعك، يا زمان:
لقد شيبت شعري والخلايا
فليت العمر كان بلا زمان
وليت العيش كان بلا…