الإمام الشيخ توفيق.

عبداللطيف الحسينيّ.

 لا يزالَ المرءُ في فسحةٍ من أمرِه ما لم يقل شعراً أو يولّف كتاباً.
كانَ يمكنُ أن يلبسَ عمامةً وجلباباً ويدّعي الكرامات وقراءة الطالع والآتي من أيامِنا وأيامِ أهلِنا في سمائِه الأولى “عامودا” ثمّ الثانية “الحسكة” لكن أبى أن يفعلَ ذاكَ وذلك ،فعندَه ما يكفيه ليبقى على مرّ الأزمان والدهور كريماً…..لساناً وقلباً ويداً. فيدُه الفرّاسةُ وكذلك لسانُه وقلبُه، وكانَ يمكنُه أن يبتني قصراً منيفاً…لكنّه أبى إلا أن يتبرّك بقول القائلة
“لبيتٌ تخفقُ الأرواحُ فيه. أَحبُّ إليَّ من قصرٍ منيفِ”
أجملُ بيت.. هو ذاك …البيت الترابيّ للشيخ الإمام: الفتوحات المكيّة لابن عربي تجاور ديوان جكر خوين، تفسير الجلالين يعانق ديوان ابن الفارض، وهو المعلّم الأوّل للعربيّة والكرديّة وخبير بالانكليزيّة، وله عشراتُ الترجمات من وإلى تلك اللغات الثلاث….فقيه اللغات… نعم، إنّه لكذلك. إلى دمشق…. أو في الطريق إلى دمشق..
 قلتُ له ماذا أجلب معي للرحلة. أجاب: “فقط كتباً تراثية وأقلاماً وصفحات بيضاء”. هو ذاك العمُّ الإمام ” كتابٌ يُقرَأ ودفترٌ يُكتَب فيه وأقلامٌ تسطر”. تلك حياتُه…أو تلك الطريق إلى حياته شعرٌ ودقّة في شرح الشعر وتأويله، :”عليكم القولُ وعلينا تأويلُه” هكذا أجاب لأحد شعراء قصيدة النثر في الجزيرة. ذُهِل الشاعرُ بتأويل الشيخ الإمام لقصيدته. أمكنَه فقهُ اللغة العربيّة ليكونَ حجّةً لحَمَلَةِ شهاداتِ الدكتوراة في اللغة العربيّة، وكي لا ننسى ففي بداية شبابِه ألّف وطَبَعَ كتاباً، ثمّ تتالت إصداراتُه بالعشرات إلى أن وصل إلى ” الإقليم السعيد”.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

غريب ملا زلال

شيخو مارس البورتريه وأتقن نقله، بل كاد يؤرخ به كسيرة ذاتية لأصحابه. لكن روح الفنان التي كانت تنبض فيه وتوقظه على امتداد الطريق، أيقظته أنه سيكون ضحية إذا اكتفى بذلك، ولن يكون أكثر من رسام جيد. هذه الروح دفعته للتمرد على نفسه، فأسرع إلى عبوات ألوانه ليفرغها على قماشه…

فواز عبدي

 

كانت شمس نوروز تنثر ضوءها على ربوع قرية “علي فرو”، تنبض الأرض بحياةٍ جديدة، ويغمر الناسَ فرحٌ وحنين لا يشبهان سواهما.

كنا مجموعة من الأصدقاء نتمشى بين الخُضرة التي تغسل الهضاب، نضحك، نغني، ونحتفل كما يليق بعيدٍ انتظرناه طويلاً… عيدٍ يعلن الربيع ويوقظ في ذاكرتنا مطرقة “كاوى” التي حطّمت الظلم، ورسمت لنا شمساً لا تغيب.

مررنا…

 

نارين عمر

 

” التّاريخ يعيد نفسه” مقولة لم تُطلق من عبث أو من فراغ، إنّما هي ملخّص ما يحمله البشر من مفاهيم وأفكار عبر الأزمان والعهود، ويطبّقونها بأساليب وطرق متباينة وإن كانت كلّها تلتقي في نقطة ارتكاز واحدة، فها نحن نعيش القرن الحالي الذي يفتخر البشر فيه بوصولهم إلى القمر ومحاولة معانقة نجوم وكواكب أخرى…

محمد إدريس*

 

في زمنٍ كانت فيه البنادق نادرة، والحناجر مشروخة بالغربة، وُلد غسان كنفاني ليمنح القضية الفلسطينية صوتًا لا يخبو، وقلمًا لا يُكسر. لم يكن مجرد كاتبٍ بارع، بل كان حاملَ راية، ومهندسَ وعي، ومفجّر أسئلةٍ ما زالت تتردد حتى اليوم:

“لماذا لم يدقّوا جدران الخزان؟”

المنفى الأول: من عكا إلى بيروت

وُلد غسان كنفاني في مدينة عكا عام…