مرة أخرى … ومعاناة بنات القامشلي

فاطمة تمو
fatmatamo65@hotmail.com

بعدما لقيت مقالتنا السابقة, إعجاباً من القراء واهتماماً ملفتاً من فتيات القامشلي, ان دل هذا على شيء, إنما يدل على ثقافة القراء ووعيهم للمشاكل الاجتماعية التي تنجم من استمرار هذه الظاهرة وانعكاساتها على مجتمعنا. لذلك أردنا أن نلقي الضوء على الضحايا من الفتيات اللواتي تم تزويجهن من العجز الأكراد (تركيا), لتكون عبرةً ودرساً لمن يفكر أن يلقي ببناته في هذه التهلكة, ولا شك أن المقدمة الخطأ حكماً تؤدي إلى النتيجة الخاطئة, حسب رأي الفلاسفة.
ومنذ القديم كانوا يقدمون الضحايا قرابين للآلهة, كنوع من القداسة, ولكن أن نقدم فلذة الكبد ودم الأحشاء وحصاد السنين قرباناً للمال, على مذبح العجز والشيخوخة, وترمى كجيفةً وراء الحدود, فهذا هو الجهل بحد ذاته.
إن التاريخ يعيد نفسه, فإخوة النبي يوسف باعوه بثمنٍ بخسٍ, ودراهم معدودات, وشتان ما بين الفتيات هنا وبين يوسف, فيوسف أصبح عزيزاً, ولكن الفتاة هنا تصبح ذليلة مهانة.
وإليكم الحادثة التالية, والتي حدثت في إحدى قرى الجوادية (جل آغا), عندما كان الله رحيماً بالفتاة, ومات العريس بجلطةً قلبية عن عمرٍ يناهز السبعين سنة أثناء حفلة الخطوبة, وأُرسل جثمانه في حفلةً جنائزية إلى أهله في تركيا بدلاً من حفلة زفاف. وهناك العشرات من الآرامل والمطلقات في منطقة الجزيرة, نتيجة هذا الزواج الخطأ, والسبب يعود إما إلى مرض الزوج أو عنفه أو عنف أبنائه وزوجته الأولى (التركية).
وآخر إبداعات العجز الأكراد (تركيا), أنهم يرسلون صوراً مزيفةً معالجة على الحاسوب لرؤوس رجالٍ أصحاء على جسمٍ قزمٍ أو منغولي, ملفوف بمئات الآلاف من الليرات, ليتم كتم فم الأب والأم والأخوة.
والضحايا الآخرون, هنا ليس فقط الفتيات بل الأبناء الذين يولدون, فلا يسجلون في القيود التركية ولا السورية, كون قانون الأحوال الشخصية في تركيا لا تسمح بتقييد زوجتين في سجلات الأحوال المدنية, والزوجة الثانية (طبعاً من الفتيات السوريات) لا تسجل كزوجة شرعية في القيود كما ذكرنا آنفاً, بل تُسجل كجارية أو خادمة في المحاكم التركية. وبالفعل فهي تعمل كمربية للأبقار والأغنام, وتجمع الحطب وبقايا روث الحيوانات, وتُرمم غرف البيوت, بعدما كانت معززة ومكرمة في بيت أبيها.
وهنا نوجه أسئلتنا إلى الآباء, ألا تتحرك فيكم الغيرة على العرض والشرف… ألا تتحرك فيكم النخوة الأصيلة…. متى كنا نبيع بناتنا …. متى كانت سلعةً تُعرض للبيع, وتدخل ضمن المساومات, حتى أصبح السماسرة والدلالين كدلالي البقر والغنم, يبحثون في البيوت عن الفتيات, وربما يفحصون أسنانهن وعيونهن!!!!
وتفرعت مشكلات أخرى من هذا الزواج, حيث تُجبر المرأة على المكوث ثلاثة أشهر في تركيا وثلاثة أشهر في سوريا. أما الفتيات اللواتي لا تحملن الجنسية السورية نتيجة لإحصاء (1962), عندما تتم تزويجهن من العجز الأكراد (تركيا), فيتم عبورهن الحدود السورية بطرق غير شرعية, وهنا تنقطع صلاتها بالأهل إلى الأبد. أما المشكلة الثالثة, حيث تم تجنيد عشرات السماسرة على طرفي الحدود مقابل مبالغ مادية باهظة, تصل إلى مئات الآلاف من الليرات السورية أحياناً, لندخل ونعود خلفاً لعهود أسواق النخاسة وتجارة الرقيق الأبيض تحت نظر المجتمعات, التي حافظت على عاداتها الحميدة لفترات طويلة من الزمن.
إن آباءنا وأجدادنا عاشوا حياة الفقر والفاقة, ولكن لم يصلوا أبداً إلى الانحطاط الأخلاقي, بالتأكيد هذا مرده إلى أحلامهم لجمع الأموال وركوب السيارات الفارهة على حساب فلذات أكبادهم.
وهنا نتوجه إلى كافة الجهات ذات الشأن لمنع هذه الظاهرة الخطيرة, والتي لا تقل أهميةً عن تجارة الحشيش والمخدرات.

والتقينا بعدد كبير من الفتيات اللواتي طرحن معاناتهن ومشاكلهن نتيجة هذه الظاهرة, والظروف الاجتماعية لا تسمح لهن بطرح معاناتهن علناً على صفحات الجرائد والمواقع الالكترونية والوسائل الإعلامية الأخرى, لذا نحن بدورنا نضع هذه الظاهرة بين أيدي المهتمين وأصحاب الشأن ليلعبوا دورهم في إيجاد الحلول المناسبة والصحيحة بأسرع وقت ممكن, لمنع استمرار هذه الظاهرة الخطيرة في مجتمعنا وبلدنا.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

حيدر عمر

هناك حكايات تتنازعها عدة ثقافات، مثل حكاية “شَنْگلو مَنْگلو / şekgelo mengloالتي تتنازعها الثقافتان الكوردية والفارسية، وهي مروية على لسان معزاة توصى صغارها الثلاث بألَّا يفتحوا باب الحظيرة في غيابها إلَّا بعد أن يسمعوا منها أغنية معينة تغنيها لهم. سمعها ذئب في أحد الأيام، كان يمر في الجوار. بعد ابتعادها عن صغارها، جاء الذئب،…

محلل
يقال احيانا ان هناك “رجالا لم ينصفهم التاريخ”، وكان التاريخ كائن جائر، يوزع المجد والانصاف على من يشاء ويحجبه عمن يشاء. غير ان التامل العميق في معنى التاريخ ووظيفته يبين ان هذه العبارة، على شيوعها، ليست دقيقة؛ فالتاريخ، في جوهره، لا يظلم احدا، بل يمارس عملية فرز طويلة المدى لا تخطئ في نتيجتها النهائية، حتى…

د آلان كيكاني

منذ اشتعال فتيل الجنون في سوريا يسهل عليك تمييز السوري من بين الناس أينما كنت، وأينما كان هذا السوري…

ولو كنت دقيقَ ملاحظةٍ لعرفته من على بعد مئات الأمتار.

لا لرائحة خاصة تميزه كما عند بعض الكائنات.

وليس لسحنة مميزة تخصه كما عند بعض الشعوب.

وإنما لأسباب أخرى …

مثل إطراقة الرأس.

والكآبة البادية على محياه.

وربما لاحمرار عينيه وذبولهما.

ها…

صدر حديثاً عن منشورات رامينا في لندن كتاب “سيرة النصّ المفتوح – رحلة واسيني من تلمسان إلى السوربون” للباحثة والكاتبة السورية أماني محمّد ناصر. وهو يمثل دراسة نقدية معمّقة تتناول المسار الإبداعي والفكري للروائي الجزائري واسيني الأعرج، أحد أبرز الأصوات السردية العربية المعاصرة، من جذوره الريفية الأولى في تلمسان إلى موقعه الأكاديمي في جامعة السوربون…