عندما تنتج الكتابة فوق الجدران شعرا.. قراءة فى ديوان عبد العزيز موافى

هشام الصباحى

الحجارة  هى الميراث الاكثر اهمية للمصريين عن اجدادهم الفراعنة  حيث ان هذه الحجارة  التى تتمثل فى الاهرامات والمعابدوكل الاثار الممتدة على طول وعرض مصر ترجع اهميتها فى ماكتب عليها من تاريخ للاجداد ونصائح للاحفاد من هنا يمنحنا الشاعر عبدالعزيز موافى فى ديوانه الجديد-الكتابة فوق الجدران-الصادر عن الدار للنشر والتوزيع فى القاهرة رؤية استكشافية تعطى لكل مايكتب على الحوائط اهمية خاصة ومميزه سواء كانت حوائط البيوت التى تستخدمها الجماعات الاسلامية فى ابلاغ السلطة اراءها وفى ارشاد الناس الى بعض القيم الدينية وفى ادارة بعض المعارك مع النظام ويستخدمها التجار فى الاعلان عن سلع وخدمات ويستخدمها الشباب فى الاعلان عن قوتهم وجموحهم واحلامهم ومشاعرهم كما تجد وجه اخر لهذه الكتابة فى دورات المياة العمومية حيث تتحول هذه الكتابة الى عبارات جنسية شديدة الوقاحة وشديدة الدهشة 
 من هنا كانت اهمية  الديوان فى  إحدث مفتتح جديد للرؤية والبصيرة للتواصل مع مايحيط بنا من حوائط وجدران وماتحمله من حياة  ورسائل تعبر عنا ونتجاهلها لقد نجح عبد العزيز موافى فى توجيه مشاعرنا وابصارنا الى ماهو محيط بنا وكأنه بهذا الديوان يقول لنا ان هناك اشياء كثيرة حولنا تحتاج ان نتواصل معها وندركها ومن اللحظة الشعرية الاولى فى الديوان تستيقظ الاشياء العادية والمهملة دون قصد الى الحياة وتبدأ فى الاشتباك معنا ومشاركتنا تفاصيل الحياة
  لقد جعل هذا الديوان الكتابة فوق الجدران والحوائط ودورات المياة وحتى فوق جذوع الشجر حدث انسانى مهم ووضعه فى موضعه المدهش والجميل لقد نجح الديوان فى رفع الظلم عن هذه الكتابة المهملة على اهميتها فى حياتنا
من القصيدة الاولى ماضى الحوائط يسعى الشاعر الى تقديم بل وتأسيس فكرة اهمية الحوائط وانها ميراث لنا وانها من لحم ودم وتحمل كل انفاسنا وتاريخنا
-كان الفراعنة يربون الحجارة فاذا ماكبرت ينقشون /فوقها كلمات تقتسم الموت والانتصارات كى تتمكن/النقوش من اقامة دولتها الجدارية –الديوان( ص8)
ويظل الشاعر طوال القصيدة فى تقديم اكتشافه لنا من ان الحجر نسيج وامومةوهو الاخرينزف فى محاولة لتقريبنا من اكتشافه وتواصله الانسانى ويكمل
فى قصيدة الكتابة فوق جدران الكعبة  حيث يستحضر كل الماضى شعرا وتاريخا من المعلقات التى كانت تعلق على جدار الكعبة وتعطى للقصائد قيمة شعرية اضافية الى حضور الشعراء باسمائهم مثل امرؤ القيس .طرفة..عنترة..عمرو بن هند وحضور رمز تاريخى مثل ابى طالب وفى هذه القصيدة لابد ان تحال الى اكتشاف ان جدران الكعبة هى اهم جدران فى حياة العرب والمسلمين واكثرها حضورا وخاصة عند توجه المسلمين اليها خمس مرات فى صلاتهم اليوميه فى ديمومه يوميه
وحيث ان الديوان يواصل اكتشافاته فى عالم الحوائط والجدران كان لابد من حضور الوجع الفلسطينى ومحمود درويش كرمز فى قصيدة حوائط فلسطينيه .
يأخذ  الديوان شكل تقسيم يجعل من كل عدة قصائد عنوان يخصها فى تجميع لحالة انسانية واحدة فيما عدا القصيدة الاولى ماضى الحوائط التى اعتبرها مدخل تأسيسى لفكرة ميراث الحوائط والجدران
وحيث اننا نقع تحت تأثير شاعركبير ومحترف لم يترك لنا ان ننتهى من الديوان على هذا التصور او هذا اليقين  انتقل بنا الى نمط جديد وهو الكتابة فوق الشواهد ليأخذ الديوان منحنى اخر اكثر انسانية وحميمة يعتمد على المفارقة والتذكر وافعال الماضى
-الملك فؤاد صار شارعا/لاظوغلى باشا  أصبح /ميدانا/أمل دنقل كان قصيدة/ نحن نطأ الشوارع والميادين/لكننا/نعشق القصائد
الديوان يحتوى على ثلاث تقسيمات اراد الشاعر عبد العزيز موافى تصديرها الى القارئ/إلينا وهى الكتابة فوق الجدران..الكتابة فوق الشواهد ..الكتابة فوق الورق
صدر للشاعر عبد العزيز موافى من قبل ثلاث دواوين الاول ديوان كتاب الأمكنة والتواريخ والثانى ديوان 1405 والثالث ديوان كائنات
هشام الصباحى
h.alsabahi@gmail.com

شاعر وكاتب مصرى

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

دريس سالم

 

«إلى تلك المرأة،

التي تُلقّبُني بربيع القلب..

إلى الذين رحلوا عني

كيف تمكّنْتُ أنا أيضاً على الهروب

لا أريدُ سوى أن أرحلَ من نفسي…».

يفتتح الشاعر الكوردي، ميران أحمد، كتابه «طابق عُلويّ»، بإهداء مليء بالحميمية، ملطّخ بالفَقد، يفتتحه من قلب الفَقد، لا من عتبة الحبّ، يخاطب فيه امرأة منحته الحبّ والحياة، لقّبته «ربيع القلب». لكن ما يُروى ليس نشوة…

علي شمدين

المقدمة:

لقد تعرفت على الكاتب حليم يوسف أول مرّة في أواخر التسعينات من القرن المنصرم، وذلك خلال مشاركته في الندوات الثقافية الشهرية التي كنا نقيمها في الإعلام المركزي للحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا، داخل قبو أرضي بحي الآشورية بمدينة القامشلي باسم ندوة (المثقف التقدمي)، والتي كانت تحضره نخبة من مثقفي الجزيرة وكتابها ومن مختلف…

تنكزار ماريني

 

فرانز كافكا، أحد أكثر الكتّاب تأثيرًا في القرن العشرين، وُلِد في 3 يوليو 1883 في براغ وتوفي في 3 يونيو 1924. يُعرف بقصصه السريالية وغالبًا ما تكون كئيبة، التي تسلط الضوء على موضوعات مركزية مثل الاغتراب والهوية وعبثية الوجود. ومن المميز في أعمال كافكا، النظرة المعقدة والمتعددة الأوجه للعلاقات بين الرجال والنساء.

ظروف كافكا الشخصية…

إبراهيم اليوسف

مجموعة “طائر في الجهة الأخرى” للشاعرة فاتن حمودي، الصادرة عن “رياض الريس للكتب والنشر، بيروت”، في طبعتها الأولى، أبريل 2025، في 150 صفحة، ليست مجرّد نصوص شعرية، بل خريطة اضطراب لغويّ تُشكّل الذات من شظايا الغياب. التجربة لدى الشاعرة لا تُقدَّم ضمن صور متماسكة، بل تُقطّع في بنية كولاجية، يُعاد ترتيبها عبر مجازٍ يشبه…