صلاح بدرالدين
حكاية “الثقافة المنقرضة”
بدأت الحكاية من زيارة المثقف العربي السوري الكبير – أدونيس – الى كردستان العراق قبل أكثر من شهر وما خلفت من ذيول ومتابعات وتعليقات وحتى اتهامات من جانب بعض من الشوفينيين الجدد حول تصريحاته ونشاطاته الثقافية في السليمانية وأربيل من بينها لقاءات جمعت الزائر بنخب ثقافية كردية من الأدباء والكتاب وطلبة الجامعات وخرج منها بانطباعات ايجابية حول ما يشهده اقليم كردستان من نهضة ثقافية وعمرانية وحراك مجتمعي في ظل هامش الحرية المتاحة وسلطة القانون والاستقرار الأمني الملحوظ والتي توجت بلقاء رئيس جمهورية العراق الفدرالي وعلى هامش الزيارة وفي لقاء اعلامي وكعادته المتبعة منذ عقود أفصح – أدونيس – الأديب والشاعر والسياسي والمفكر عن ما يدور في خلده في لحظة تجل وهيام حول أحوال ثقافته العربية بخطاب نقدي لاذع وهذا من حقه وواجبه في الوقت ذاته مبديا خشيته من انقراض الحضارة العربية اذا ما ظلت الأمور على حالها
وكل من قرأ للشاعر وتابع مسيرته الابداعية وتطوره الفكري وانتقاله من مرحلة الى أخرى بانسجام موضوعي مع وتيرة التطور التاريخي الحتمي لمجتمعات اقليم الشرق الأوسط والبلدان العربية على وجه الخصوص يلحظ مدى انفتاحه على الحداثة وتقبله لجديد الحياة وممارسته الشجاعة في تقييم مساره ومواقفه الثقافية والسياسية أولا ولمن حوله من شخوص ومدارس ثقافية وآيديولوجيات بدرجة تالية ولا أزعم هنا الالمام التخصصي بمسيرة الشاعر – أدونيس – أو المواكبة المنظمة لابداعاته الفلسفية والشعرية أو تقمص دور الناقد الأدبي المحترف بل أن كل ما أستطيع التعبير عنه في هذا المجال وقد أكون مخطئا ما أحمله من انطباعات خلال تواجدي لأكثر من عقد في بداية سبعينات القرن المنصرم بظروف بالغة الدقة في بيروت ولم يصدف أن التقيت به وقد تكون خلفيته – القومية السورية الاجتماعية – التي أشيعت عنه على غرار آخرين من الشعراء والفنانين والكتاب سببا كافيا لنصب حاجز بينه وبين أمثالي خلال حقبة الحركة الوطنية اللبنانية المتحالفة مع المقاومة الفلسطينية خاصة في مراحل التصادم مع النظام السوري الراعي الأزلي المستمر للقوميين الاجتماعيين منذ حركة الدكتاتور الراحل حافظ الأسد الانقلابية وكانت علاقاتنا ودية بحكم التشارك في المجلس المركزي للحركة الوطنية اللبنانية مع بعض رموز تلك الحركة مثل – عبدالله سعادة وانعام رعد ومروان فارس – وآخرين رغم رفضهم لكل ما يتعلق الأمر بالكرد وكردستان والحركة الكردية والحقوق وحسب علمي مازال موقف تلك الحركة مستمرا في السلبية تجاه الحقوق الكردية حتى الآن بعكس – مواقف أدونيس – الذي كان محسوبا عليها حسب ما كان عالقا بالأذهان حينذاك في الوسط السياسي والثقافي اليساري والذي لم يتوقف عن الابداع والانفتاح والتطوير ليس حول القضية الكردية فحسب حيث مثلت زيارته تدشينا لموقفه التضامني بل تجاه الحريات في سوريا ومحور ” الممانعة ” والاسلام السياسي والنزعات العنصرية الشوفينية وحقوق الانسان والأقليات والديموقراطية وهذا ما يظهر في كتاباته الصحفية الدورية .
كان واضحا لكل من تابع تصريحه حول – الانقراض – الذي أقاموا الدنيا عليه ولم يقعدوها أن الشاعر وفي معرض ترحيبه بمثقفين كرد وجه اليهم تحذيرا من موقع الخبير المطلع بالامعان مليا في مسيرة الثقافة العربية الآيلة الى الانقراض بسبب ابتعاد أوساط واسعة فيها – حسب رؤيته – عن رسالتها الانسانية الحقيقية والتوقف عن التطور والتحديث والابداع والميلان نحو الأصولية المتزمتة العنصرية والدينية والانغماس في مدح السلطان الدكتاتور والتخلف عن ركب الحضارة العالمية وعدم احترام الآخر قوما كان أو فكرا مخالفاأو ثقافة متميزة وكأنه بذلك يوجه رسالة الى زملائه المثقفين الكرد وهم في بداية عهدهم بالحرية في ظل تجربتهم الفدرالية الديموقراطية الوليدة بعد اسقاط الدكتاتورية وفي اقليمهم الغني بتعدد الأقوام والديانات والأثنيات وتعثر العملية السياسية في العراق العربي نتيجة سعار المواجهات الطائفية والأعمال الارهابية بالتنبه وعدم تكرار الجوانب السلبية في التجربة الثقافية العربية والا فان مآل الثقافة الكردية سيكون الركود ومن ثم الانقراض لامحالة حيث قال أن ” جميع الحضارات الكبرى في التاريخ انقرضت من السومريين الى البابليين والفرعونيين، بمعنى ان الطاقة الخلاقة عندهم انتهت، اكتملت دورة الابداع ولذا فإنهم ينقرضون بحيث لم يعد لهم حضور خلاق في الثقافة الحديثة الكونية ” وهذه ليست المرة الأولى التي يدلي الشاعر بدلوه في شؤون وشجون الثقافة وعلى طريقته الخاصة الاعتراضية ضد التيارات السائدة بل أن معظم كتاباته في الأعوام الأخيرة لايخلو من النقد والحوارات الساخنة وقد اتهم بالالحاد وطرد من اتحاد الكتاب العرب في سوريا بتهمة التطبيع مع اسرائيل لكن الأمر اختلف هذه المرة بتعاظم موجة التصدي للشاعر والرد عليه بصورة قاسية غير مسبوقة من جانب أصوليين قوميين يعتبرون أنفسهم – حراس – الثقافة العربية والسبب الرئيسي هو أن – أدونيس – تناولهم من كردستان حيث أراد أحدهم النيل من نقاوته الوطنية بسبب رحلته الى ” المحمية الأمريكية أربيل ” واعتبر أحدهم محاضرته ” كلام صحيح في مكان خطأ ” وزاد آخر : ” أدونيس ليس بالسذاجة بمكان حتى يقول كلام كهذا في مكان كهذا وهو لو قاله بأي مكان آخر لم يكن هناك أي ردود فعل تذكر فهو كما يرى البعض أنه أعطى صكوك لقيام دولة كردية على أرض عربية و هذه هي كبوته ولكل فرس كبوة و أظن أنه له رؤيته الصحيحة بحقوق لأكراد بثقافتهم و له المطالبة بحقوقهم الثقافية في البلاد الموجودين فيها ولكن ليس بذاك المكان لما يحمل من رمزية لوطن فعلي للأكراد مجتزأ من أرض العراق فللأكراد حقوق بتعريف العالم على حضارتهم وثقافتهم ولغتهم لكن ليس لهم لحق باجتزاء أجزاء من بلاد معينة وجعلها وطن لهم ”
لقد حقق – أدونيس – انتصاره الأخلاقي والسياسي والثقافي بزيارته الودية ولو جاءت متأخرة الى اقليم كردستان وانفتاحه على ثقافة شعب صديق للعرب وتضامنه مع حقوقه وتوجه في حلبجة الكردية التي لاتختلف من حيث الرمزية السياسية والمشاعر الانسانية والغريزة العنصرية عن – غرونيكا – الباسكية – الاسبانية والمحرقة اليهودية والابادة الأرمنية و- دير ياسين – الفلسطينية – و – قانا – اللبنانية حيث يتشابه الجلاد والضحية ولو تباينت اللغات وتتالت الأزمان وهو بذلك عبر عن الوجه الديموقراطي للثقافة العربية ونهج التعايش والتآلف والحوار الحضاري بين الأقوام والثقافات وخسر الآخرون من فرسان ” الشوفينية الجديدة ” الذين أرادوا احراجه بالمزايدات القوموية عقابا له على كلمته المؤثرة التي عبرت رمزيا عن مشاعر غالبية المثقفين العرب التي ألقاها بخشوع أمام مقبرة شهداء حلبجة من ضحايا العنصرية البغيضة الخمسة آلاف تماما كما انتصر – أبو مازن – في معركة المواجهة عندما أراد البعض من أوساط أنظمة الاستبداد ومن نفس الأصوات النشاذ استنكار ورفض الزيارة التاريخية للرئيس الفلسطيني محمود عباس الى أربيل ومباحثاته الودية المثمرة مع القيادة الكردستانية بهدف تعزيز علاقات الصداقة والتعاون بين العرب والكرد
كان واضحا لكل من تابع تصريحه حول – الانقراض – الذي أقاموا الدنيا عليه ولم يقعدوها أن الشاعر وفي معرض ترحيبه بمثقفين كرد وجه اليهم تحذيرا من موقع الخبير المطلع بالامعان مليا في مسيرة الثقافة العربية الآيلة الى الانقراض بسبب ابتعاد أوساط واسعة فيها – حسب رؤيته – عن رسالتها الانسانية الحقيقية والتوقف عن التطور والتحديث والابداع والميلان نحو الأصولية المتزمتة العنصرية والدينية والانغماس في مدح السلطان الدكتاتور والتخلف عن ركب الحضارة العالمية وعدم احترام الآخر قوما كان أو فكرا مخالفاأو ثقافة متميزة وكأنه بذلك يوجه رسالة الى زملائه المثقفين الكرد وهم في بداية عهدهم بالحرية في ظل تجربتهم الفدرالية الديموقراطية الوليدة بعد اسقاط الدكتاتورية وفي اقليمهم الغني بتعدد الأقوام والديانات والأثنيات وتعثر العملية السياسية في العراق العربي نتيجة سعار المواجهات الطائفية والأعمال الارهابية بالتنبه وعدم تكرار الجوانب السلبية في التجربة الثقافية العربية والا فان مآل الثقافة الكردية سيكون الركود ومن ثم الانقراض لامحالة حيث قال أن ” جميع الحضارات الكبرى في التاريخ انقرضت من السومريين الى البابليين والفرعونيين، بمعنى ان الطاقة الخلاقة عندهم انتهت، اكتملت دورة الابداع ولذا فإنهم ينقرضون بحيث لم يعد لهم حضور خلاق في الثقافة الحديثة الكونية ” وهذه ليست المرة الأولى التي يدلي الشاعر بدلوه في شؤون وشجون الثقافة وعلى طريقته الخاصة الاعتراضية ضد التيارات السائدة بل أن معظم كتاباته في الأعوام الأخيرة لايخلو من النقد والحوارات الساخنة وقد اتهم بالالحاد وطرد من اتحاد الكتاب العرب في سوريا بتهمة التطبيع مع اسرائيل لكن الأمر اختلف هذه المرة بتعاظم موجة التصدي للشاعر والرد عليه بصورة قاسية غير مسبوقة من جانب أصوليين قوميين يعتبرون أنفسهم – حراس – الثقافة العربية والسبب الرئيسي هو أن – أدونيس – تناولهم من كردستان حيث أراد أحدهم النيل من نقاوته الوطنية بسبب رحلته الى ” المحمية الأمريكية أربيل ” واعتبر أحدهم محاضرته ” كلام صحيح في مكان خطأ ” وزاد آخر : ” أدونيس ليس بالسذاجة بمكان حتى يقول كلام كهذا في مكان كهذا وهو لو قاله بأي مكان آخر لم يكن هناك أي ردود فعل تذكر فهو كما يرى البعض أنه أعطى صكوك لقيام دولة كردية على أرض عربية و هذه هي كبوته ولكل فرس كبوة و أظن أنه له رؤيته الصحيحة بحقوق لأكراد بثقافتهم و له المطالبة بحقوقهم الثقافية في البلاد الموجودين فيها ولكن ليس بذاك المكان لما يحمل من رمزية لوطن فعلي للأكراد مجتزأ من أرض العراق فللأكراد حقوق بتعريف العالم على حضارتهم وثقافتهم ولغتهم لكن ليس لهم لحق باجتزاء أجزاء من بلاد معينة وجعلها وطن لهم ”
لقد حقق – أدونيس – انتصاره الأخلاقي والسياسي والثقافي بزيارته الودية ولو جاءت متأخرة الى اقليم كردستان وانفتاحه على ثقافة شعب صديق للعرب وتضامنه مع حقوقه وتوجه في حلبجة الكردية التي لاتختلف من حيث الرمزية السياسية والمشاعر الانسانية والغريزة العنصرية عن – غرونيكا – الباسكية – الاسبانية والمحرقة اليهودية والابادة الأرمنية و- دير ياسين – الفلسطينية – و – قانا – اللبنانية حيث يتشابه الجلاد والضحية ولو تباينت اللغات وتتالت الأزمان وهو بذلك عبر عن الوجه الديموقراطي للثقافة العربية ونهج التعايش والتآلف والحوار الحضاري بين الأقوام والثقافات وخسر الآخرون من فرسان ” الشوفينية الجديدة ” الذين أرادوا احراجه بالمزايدات القوموية عقابا له على كلمته المؤثرة التي عبرت رمزيا عن مشاعر غالبية المثقفين العرب التي ألقاها بخشوع أمام مقبرة شهداء حلبجة من ضحايا العنصرية البغيضة الخمسة آلاف تماما كما انتصر – أبو مازن – في معركة المواجهة عندما أراد البعض من أوساط أنظمة الاستبداد ومن نفس الأصوات النشاذ استنكار ورفض الزيارة التاريخية للرئيس الفلسطيني محمود عباس الى أربيل ومباحثاته الودية المثمرة مع القيادة الكردستانية بهدف تعزيز علاقات الصداقة والتعاون بين العرب والكرد