كردستان حلمي الرائع…

شهناز شيخة

كردستان يا حلمي الرائع …!!
 ما أقسى الوصول إليك …الجبال الداكنة .. الأمطار الغزيرة .. الريح الباردة… الغيوم المتلبّدة كقطعان الذئاب .. الوديان السحيقة الظلام الدامس.. الخوف ..القلق .. ظلال مهربي الدخان في الدروب الموحلة المزحلقة الغامضة ….. وحين ضعت عن زملائي رفاق الطريق ..
كل ذلك امتزج بدموعي الغزيرة التي كانت تغسل وجهي ..في طريقنا لــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ….. كردستان !
كان ذلك حين تلقيت بفرح نبأ دعوتي لحضور ملتقى الإعلاميين الكرد لجنوب وغرب كردستان .. وأنا أقلّب صفحات من ذاكرتي عن الأحداث والمجازر التي ارتكبت بحق الشعب السوري عامة والكردي خاصة … وعن أصابعي التي نزفت بجنون وألم عن كل ما تم ّمن قتل ودمار عن تجّار المواقف والكلام قلت عندها :أتمنى حقاً أن أكون جديرة ً بهذه الدعوة … !!
مضيت وأنا أحمل كمّأ هائلاً من القلق على قامشلو لكن كان عزائي أن هناك رجال شجعان لم يهربوا بعد” أؤلئك الأبطال سيحمون الوطن بصدورهم ” قلت ذلك في نفسي وأنا أخطو خطواتي نحو الأرض المقدسة التي زرتها قبل الأن في المؤتمر القومي لنساء الكرد في رحلة ذهاب متعبة استغرقت قرابة خمس وعشرون ساعة وطمأنني الرفاق بأن الطريق هذه المرة لن تستغرق سوى نصف ساعة حيث سنعبر نهر دجلة في دقائق .. كان قلبي يبكي فرحاً لم تعد هناك حدود بيننا سوى ذلك الشريان الذي ينبض بمحاذاة ديريك في قلب كردستان .. لكن للأسف وجدنا أنفسنا ودون سابق إنذار مضطرين لاجتياز عشرات الكيلومترات تحت وابل من الأمطار التي كانت تنزل فوق خدودنا كالإبر …أعترف لقد خارت قواي وأنا أتأمّل سلسلة التلال الرماديّة الداكنة وأجدني قد اضطررت لتسلقها باعجوبة أمام انحدار سحيق لامحالة من الهبوط إلى دركه .. حذائي الرياضي … قبّعتي .. ومواظبتي على ممارسة رياضة الجري خمس او ست كيلومترات في اليوم .. عملي الحيوي الذي كان يعد بحد ذاته رياضة .. كل ذلك وقف عاجزاً أمام تلك الأوحال المزحلقة … وحدهم مهربّوا الدخان الذين لم تتجاوز أعمارهم السن القانونية مدّوا لنا أياديهم الدافئة في تلك الطرق الوعرة .. كانوا أشبه بملائكة حمتنا من الضياع والتشرد .. أولئك الخارجون على القانون .. تذكّرت أطروحتي التي قدّمتها لنيل لقب أستاذ في المحاماة كانت عنهم وعن دور القانون والمجتمع في حمايتهم .. أتعهد لكم أيها الأنبياء الصغار أن أدافع عن مستقبلكم وبراءتكم التي أهدرتها السلطات الأربعة للأسف في دولة حكمتها الدكتاتوريات وأمساخ المتألّهين …..أخيراً أوصلونا إلى نقطة شلّكيه ومضوا مترافقين …لا أدري لماذا ذكّروني بأزهار النرجس التي تنبت بكثافة في كردستان !!…. بعدها اضطررنا لإسعاف زميلة لنا إلى إحدى مشافي دهوك ..أسرعتُ إلى الطبيب أستحثّه لينقذ زميلتي ..صرختْ المستخدمة الفلبينية وهي تتأمل خفتي الموحلة كنت أرتعد بثيابي المبللة صرخت في وجهها : please scilence… don,t speake …we are journalists!!..
لكنّ الطبيب أّكّد أن وضعي أسوأ من وضع زميلتي وأن عليّ البقاء ساعة تحت الماء الساخن .. ساعة كاملة من البكاء المرير والتفكير في : هكذا قضى البيشمركة جلّ حياتهم ؟!
في صباح اليوم التالي استيقظت كان من بين ما ضيّعته في تلك الطريق وما آلمني حقاً هو صوتي الذي اختفى رويداً رويداً ليمنعني من المشاركة في المداخلات والتعليقات على ما قدّمه الزملاء في المؤتمر … خاصة التعقيب على الفيلم الخاص بمخيم دوميس الذي زرته وسأفرد عنه بحثاً آخر .. أردت فقط أن أقول إن الكثير من أولئك اللاجئين هم من كرد قامشلو العاملون في دمشق حيث لا بيوت لهم في قامشلو والذين هربوا حين قصفت أحياء دمشق.. لغط كبير أثاره الفيلم بين من عدّه انتقاصاً لنا وبين تعقيب إخوتنا في الإقليم أن الهروب يعني العيش بهذه الملاجئ لا محالة أردت أن أقول لزملائنا في إن قامشلو فتحت قلبها للّاجئين من حمص وحماة ودرعا ودمشق ودير الزور وأننا نقسم خبزنا بيننا وبينهم وأننا فتحنا لهم بيوتنا وأننا نعمل كلجان جمع التبرعات لمساعدتهم من جيوبنا بصرف النظر عن مفوضية اللاجئين ولجان الإغاثة .. لكن ّ للأسف صوتي لم يكن يسعفني للكلام وكان ذلك من تداعيات الطريقة الخاطئة التي قدمنا بها لكردستان المقدّسة .. رغم كل شيء .. كنت أشعر بالسعادة وأنا أحضر الملتقى الذي وجدته بداية رائعة لتواصل الزملاء في مختلف أجزاء كردستان الغالية ……. البعض كان جديراً حقاً بالحضور لكن للأسف كان هناك قلّة لم أسمع ولم أقرأ أبداً ولو ومضة صغيرة لهم في عالم الإعلام أو الكتابة …… لكل أولئك أقول حبّذا لو نرتّب خطايانا في حق أنفسنا أولا ً ولا نقحمها فيما لم يكن يوماً ما من شأنها .فلكل إنسان أمرٌ يغلي في دمه ويؤهله ليتفوق فيه دون غيره……وأقول للقائمين على على ذلك الملتقى بوركت جهودكم … فقط مزيد من التنظيم ….كردستان جميلة رائعة أخّاذة ….رضعت حبّها مع حليب أمي … من أجل مستقبل أجمل لوطنٍ تكالب عليه التاريخ وأعداء السلام علينا أن نتعامل بجدّية بعيداً عن المحاباة …….يداً بيد ……لنطوّر إنساننا وثقافتنا ……….ونرفد العالم بحضارة الكرد المغيّبة عن ركبها 
بعد رحلة مذهلة … قاسية …. كردستان الغالية

يا حلمي الرائع … ما أقسى الوصول إليك !!!

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم محمود

أول القول ومضة

بدءاً من هذا اليوم، من هذه اللحظة، بتاريخ ” 23 تشرين الثاني 2024 ” سيكون هناك تاريخ آخر بحدثه، والحدث هو ما يضفي على زمانه ومكانه طابعاً، اعتباراً، ولوناً من التحويل في المبنى والمعنى القيَميين والجماليين، العلميين والمعرفيين، حدث هو عبارة عن حركة تغيير في اتجاه التفكير، في رؤية المعيش اليوم والمنظور…

حاورها: إدريس سالم

ماذا يعني أن نكتب؟ ما هي الكتابة الصادقة في زمن الحرب؟ ومتى تشعر بأن الكاتب يكذب ويسرق الإنسان والوطن؟ وهل كلّنا نمتلك الجرأة والشجاعة لأن نكتب عن الحرب، ونغوص في أعماقها وسوداويتها وكافكاويتها، أن نكتب عن الألم ونواجه الرصاص، أن نكتب عن الاستبداد والقمع ومَن يقتل الأبرياء العُزّل، ويؤلّف سيناريوهات لم تكن موجودة…

إبراهيم أمين مؤمن

قصدتُ الأطلال

بثورة من كبريائي وتذللي

***

من شفير الأطلال وأعماقها

وقيعان بحارها وفوق سمائها

وجنتها ونارها

وخيرها وشرها

أتجرع كؤوس الماضي

في نسيج من خيال مستحضر

أسكر بصراخ ودموع

أهو شراب

من حميم جهنم

أم

من أنهار الجنة

***

في سكرات الأطلال

أحيا في هالة ثورية

أجسدها

أصورها

أحادثها

بين أحضاني

أمزجها في كياني

ثم أذوب في كيانها

يشعّ قلبي

كثقب أسود

التهم كل الذكريات

فإذا حان الرحيل

ينتبه

من سكرات الوهم

ف

يحرر كل الذكريات

عندها

أرحل

منفجرا

مندثرا

ف

ألملم أشلائي

لألج الأطلال بالثورة

وألج الأطلال للثورة

***

عجبا لعشقي

أفراشة

يشم…

قررت مبادرة كاتاك الشعرية في بنغلادش هذه السنة منح جائزة كاتاك الأدبية العالمية للشاعر الكردستاني حسين حبش وشعراء آخرين، وذلك “لمساهمته البارزة في الأدب العالمي إلى جانب عدد قليل من الشعراء المهمين للغاية في العالم”، كما ورد في حيثيات منحه الجائزة. وتم منح الشاعر هذه الجائزة في ملتقى المفكرين والكتاب العالميين من أجل السلام ٢٠٢٤…