قادر عكــــيد
أشعة الشمس ترشق فروة الرؤوس؛ تحرقها, ترفع من حرارة الأجساد المرتجفة العالية قبلا, تـُضيّق المسافة بين الهدب المبتلـّة بمالح الماء. الطريق العريض الذاهل المكتظ بأجساد بشريّة حيارى تـَلين أرضه تحت وقع أقدام ملتهبة, غدران المياه المتشكّلة فوق سطح ذلك الطريق تغمر الظمآن بحلم ورديّ جميل… ذاك ليس ماءً, إنه سراب….!
أشعة الشمس ترشق فروة الرؤوس؛ تحرقها, ترفع من حرارة الأجساد المرتجفة العالية قبلا, تـُضيّق المسافة بين الهدب المبتلـّة بمالح الماء. الطريق العريض الذاهل المكتظ بأجساد بشريّة حيارى تـَلين أرضه تحت وقع أقدام ملتهبة, غدران المياه المتشكّلة فوق سطح ذلك الطريق تغمر الظمآن بحلم ورديّ جميل… ذاك ليس ماءً, إنه سراب….!
عجوز طاعن في الألم, بالكاد تمشي, قد حفر الدهّر أخاديد المرارة على صفحة وجهها المتجعّد, نضبت الحياة في أوردة كفيها, كما أوردة عمرها الذي لا يشي – حسبها- بجميل جديرٌ بالوقوف عنده.
هذه العجوز التي قد اتـّخذت ركنا قصيّاً, مقتعدة حجرة كبيرة, بعيداً عن الجموع, ممسكة بيد طفل صغير قد يكون حفيدها, تشدّ بإحدى يديها على منديل ملـوّن في كفها, بينما أسندت الأخرى إلى وجه فقد نضارته تحت ثقل الانتظار.
فجأة انتفضت, رتبّت أردان ثوبها الكرديّ, وبحرقة, ومن كل مسام بجسدها خرج صوت هزّ عرش الموت:
– وامسعــــــوداااااااااه… لم يبق إلاه, قتلــوه أيضاً, قتلوه…!
بسماع ذاك الصوت كموجة من الألم هاجت جموع الرجال, النساء, الأطفال, وصوب جهة واحدة جرت, تعثر البعض, سقط آخرون, ألقت النسوة المناديل التي تغطي رؤوسهن ولوّحن بها في الهواء, نادى الرجال, بكى الأطفال, زغردت الفتيات, وتوعّد الفتيان.
العجوز التي صرخت, لوّحت هي الأخرى بمنديلها الملوّن وزغردت, السنوات السبعون التي تثقل ظهرها المحدودب, ما كانت لتحدّ من حركتها وهي تعدو كصبيّة في الرابعة عشرة من عمرها فوق ذلك الرصيف الملتهب, كانت تحاول جاهدة أن تكون السبّاقة إلى احتضانه..!
الشال الذي كان يغطي شعر العجوز الأبيض انسل عنه, سقط منديلها من يدها, تعثـّر حفيدها, لم تكترث. سقط الحفيد أرضاً, ظل يبكي إثرها منادياً, ما عادت العجوز تسمع أو تعي ما حولها.
ما عاد يُسمع للعجوز صوتاً, عيناها مشدوهتان, شفتاها يابستان, تتحدّث بيديها, لقد انهارت, وسقطت أرضاً..!
توّا انتبهت لحفيدها, التفتت, نظرت إليه, قائلة:
– انهض يا مسعوديَ العزيز, يا خروف جدتك, لا تبكي, فدتك روحي, أنا جدّة مسعود, أنا جدّة الأسود.
التفتت إلى الجموع الثائرة ثانيّة, هزّت رأسها مهتاجة:
– ألا فاهرع لنجدتنا يا مسعوديَ, ها هي قامشلو خالية, خاوية, لا مؤنس لها..!
حدّقت في حفيدها ثم أردفت:
– ألا فانهض يا بنيّ, هذا ليس زمن السقوط.
نهضت متثاقلة, أمسكت بيد حفيدها, حضنته بشدة, جفـّفت دماؤه, قبّلت رأسه, حدّقت في عينيه بنهمرفعت رأسه للأعلى, وقبل أن تسقط على تجاعيد وجهها دمعتان كانتا قد أبحرتا في عينيها , أشارت بيدها إلى ذلك الطريق الذي غطت وجهه جموع الثائرين :
– ها قد أحضروا الجسد الطاهر المقدّس يا بنيّ, جسد كلمة الحقّ, جسد إرادة الشعب, جسد لسان المهمّشين من شعبي, جسد معشوق الخزنويّ. إن قامشلو اليوم خالية لا أثر لمعشوق فيها. بنيّ, هما كلمتان اسمعهما من جدّتك: صراخي قد عبر نهر دجلة, واستقر أمام باب رمزنا, قائدنا… لكن لا جواب. قد منحتك اسماً عظيماً يا بني, أسميتك مسعوداً, أملي فيك كبير, ألا تنسى – مثل مسعوديَ الكبير – حق نور عيون الأمــّة, يجب أن تنخر دماء الشهيد من عقولكم دوماً, أن تشقّ أستار قلوبكم. العمامة التي ضرّجت بالدماء, لن تغسل إلا بالدماء.
مرّة أخرى, أمسكت بيد صغيرها, هرعت صوب الجموع, حاسرة الرأس, حافية, وهي تنادي:
– وامسعوداه… قتلوا شيخي… أين أنت….!!!؟
فجأة انتفضت, رتبّت أردان ثوبها الكرديّ, وبحرقة, ومن كل مسام بجسدها خرج صوت هزّ عرش الموت:
– وامسعــــــوداااااااااه… لم يبق إلاه, قتلــوه أيضاً, قتلوه…!
بسماع ذاك الصوت كموجة من الألم هاجت جموع الرجال, النساء, الأطفال, وصوب جهة واحدة جرت, تعثر البعض, سقط آخرون, ألقت النسوة المناديل التي تغطي رؤوسهن ولوّحن بها في الهواء, نادى الرجال, بكى الأطفال, زغردت الفتيات, وتوعّد الفتيان.
العجوز التي صرخت, لوّحت هي الأخرى بمنديلها الملوّن وزغردت, السنوات السبعون التي تثقل ظهرها المحدودب, ما كانت لتحدّ من حركتها وهي تعدو كصبيّة في الرابعة عشرة من عمرها فوق ذلك الرصيف الملتهب, كانت تحاول جاهدة أن تكون السبّاقة إلى احتضانه..!
الشال الذي كان يغطي شعر العجوز الأبيض انسل عنه, سقط منديلها من يدها, تعثـّر حفيدها, لم تكترث. سقط الحفيد أرضاً, ظل يبكي إثرها منادياً, ما عادت العجوز تسمع أو تعي ما حولها.
ما عاد يُسمع للعجوز صوتاً, عيناها مشدوهتان, شفتاها يابستان, تتحدّث بيديها, لقد انهارت, وسقطت أرضاً..!
توّا انتبهت لحفيدها, التفتت, نظرت إليه, قائلة:
– انهض يا مسعوديَ العزيز, يا خروف جدتك, لا تبكي, فدتك روحي, أنا جدّة مسعود, أنا جدّة الأسود.
التفتت إلى الجموع الثائرة ثانيّة, هزّت رأسها مهتاجة:
– ألا فاهرع لنجدتنا يا مسعوديَ, ها هي قامشلو خالية, خاوية, لا مؤنس لها..!
حدّقت في حفيدها ثم أردفت:
– ألا فانهض يا بنيّ, هذا ليس زمن السقوط.
نهضت متثاقلة, أمسكت بيد حفيدها, حضنته بشدة, جفـّفت دماؤه, قبّلت رأسه, حدّقت في عينيه بنهمرفعت رأسه للأعلى, وقبل أن تسقط على تجاعيد وجهها دمعتان كانتا قد أبحرتا في عينيها , أشارت بيدها إلى ذلك الطريق الذي غطت وجهه جموع الثائرين :
– ها قد أحضروا الجسد الطاهر المقدّس يا بنيّ, جسد كلمة الحقّ, جسد إرادة الشعب, جسد لسان المهمّشين من شعبي, جسد معشوق الخزنويّ. إن قامشلو اليوم خالية لا أثر لمعشوق فيها. بنيّ, هما كلمتان اسمعهما من جدّتك: صراخي قد عبر نهر دجلة, واستقر أمام باب رمزنا, قائدنا… لكن لا جواب. قد منحتك اسماً عظيماً يا بني, أسميتك مسعوداً, أملي فيك كبير, ألا تنسى – مثل مسعوديَ الكبير – حق نور عيون الأمــّة, يجب أن تنخر دماء الشهيد من عقولكم دوماً, أن تشقّ أستار قلوبكم. العمامة التي ضرّجت بالدماء, لن تغسل إلا بالدماء.
مرّة أخرى, أمسكت بيد صغيرها, هرعت صوب الجموع, حاسرة الرأس, حافية, وهي تنادي:
– وامسعوداه… قتلوا شيخي… أين أنت….!!!؟
كتبها وترجمها عن الكرديّة: قادر عكيد