اجتماع تحضيري لحزب جديد

  روبين قاسم

في بقعة من بقاع الأرض ، ربما في دولة أومدينة أو قرية أو حارة على ناصية التاريخ ، كان جارنا عاطلاً عن العمل،وبحكم البطالة التي كان يعاني منها ، كان يقرأ معظم النشرات الحزبية التي كانت تعلن كل يوم عن ميلاد حزب جديد وانشقاق جديد وعظيم.
فلمعت فجأة في باله أن يعمل ، ولكن العمل كان هو أن يكون رجل سياسة ، وفي خضم الانشقاقات والتأسيسات والتصريحات والترقيعات السياسية ضمن البوتقة الكردية السورية ، قرر تأسيس حزب
فبدأ يتعلم السياسة ، ويتابع ويمحص ويحلل ويوافق ويندد ويشجب في مناقشته بين رجال الحي ، حتى ألقى خطابه المعهود ، وأنا – لسوء حظي – كنت بين الجموع ، جالسة ، أتقئ حزني المطحون باليأس. فبدأ جارنا بكل ثقة وعنفوان: أنتم يا أيها الشعب الكريم هذا حزبكم وأنا مجرد صلة وصل بينكم وبين القضية، هذا التنظيم يخدمكم وأنا خادم للإنسانية، وسأرفع من مستوى روحكم المعنوية وأعزز بينكم أواصر الوطنية، سأكون راعي الشباب المتمرد ، ان كنت الأمين العام لحزبكم سأعمل على تجزئة الأحزاب الأخرى إرباً إرباً ، وألصق التهم جزافاً يمنة وشمالاً ، مع كل من يتعارض مع سياستنا.
في تلك اللحظة كنت أتمتم بيني وبين نفسي ” من أجل ذلك ، حالكم يحزن كثيراً ، وعدد التنظيمات بات أكثر من الهم على القلب ، حزب السفرجل والتوت واليانسون والخضراوات والليمون والسيارات واليمين واليسار والشمال والشرق حتى أحولت عينايّ ، وتورمت حنجرتي من الغيظ ، لأعود الى رشدي في لحظة، ثم بدوره أكمل جارنا خطبته الرنانة العصماء قائلاً: أنتم قوتي للوصول…… فجاوبت بعفوية في سري: للوصول الى منصب يخولك التلاعب بالمساكين من الشعب ، وعدتُ لأستمتع بكلماته التي كانت تدق طبلة أذني : سوف لن أتنازل عن مطالبكم الكثيرة ، فيجب أن تعينوا لي نواباً وحاشية ملكية ، وتساعدوني على حضورمؤتمرات عالمية ، في عواصم المخمل ،ومن المحبذ أن يكون لديّ حماية شخصية ، وهذا كله لمصلحتكم يا أعزائي ، فأنا لاأحب التعالي ، ولكن صفتي كأمين عام تفرض علي ذلك ، سأكون لسان حالكم في الأزمات العنصرية والعرقية ، وسأحاول ترفيهكم بكل الوسائل المرجوة ، أنا خلقتُ لأكون قدوة لكم يا شعبي الكريم ، إذا لم ينشقوا عليّ ،ولم يرمونني في ليلة وضحاها الى جادة العاطلين عن العمل والمواطنين القدامى والأمناء المخلوعين والمعدومين والمهزومين .
وهنا أدمعت عيناي على مصيبة هذا السياسي المسكين ، السياسي ……………
لأمشي في غير هدى ، مصدقةً ذاك السيناريو المرعب لأحوالنا ، مُطلقة العنان لحنجرتي وقهقهاتي ، لأقولَ سلامٌ قوٌل من ربّ رحيمٍ ، ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم ، ومابتدوم لحدا يا جماعة مابتدووووووووووووووووووم.

هذا جزء من ألمنا الجماعي والفردي ، وتراجيديا الكرد لاتنتهي في سوريا ،اللهم أجعلنا من اللامتورطين .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

Ebdilkerîm Resul

 

ديرك لها بصمات لامعة في سجلها الأدبي والوطني وشخصية اليوم هو المربي الفاضل الأستاذ القدير عدنان بشير الرسول تولد ديرك 1961 نشأ وترعرع في كنف أسرة عريقة

درس الابتدائية بمدرستي خولة بنت الازور ومدرسة المأمون الريفية بديرك

والاعدادية والثانوية بثانوية يوسف العظمة وحصل على الثانوية الأدبية ١٩٨٠

ودخل كلية الحقوق بدمشق وتركها وهو بالسنة الثالثة

تعين معلما وكيلا…

خالد حسو

الذي ينهض فينا مع كل خيبة، ويصفعنا مع كل تكرارٍ للماضي:
هل نحن مؤمنون حقًا بالتغيير والتطوير؟
أم أننا نكتفي بترديد شعاراته في العلن، ثم نغلق عليه الأبواب في دواخلنا؟

التغيير ليس رفاهية فكرية، ولا نزهة في ممرّات القوة،
ولا يُقاس بسلطة الحاكم ولا بعدد الواقفين في الصف.
هو في جوهره موقف،
صرخة أولى تُقال قبل أن تتجسّد،
وثقة جريئة في…

إبراهيم أبو عواد / كاتب من الأردن

يُعْتَبَر الشاعرُ السوري نِزار قَبَّاني ( 1923 دِمَشْق _ 1998 لندن ) أَحَدَ أبرز وأشهر الشُّعَراء العرب في القرن العشرين ، وَهُوَ أكثرُ شُعراء العربية إنتاجًا وشُهرةً ومَبِيعًا وجَمَاهيرية ، بسبب أُسلوبه السَّهْل المُمْتَنِع ، وشَفَافيةِ شِعْرِه ، وغِنائيته ، وبساطته ، وسُهولة الوُصول إلى الجُمهور ، مِمَّا جَعَلَه…

ماهين شيخاني

 

في قلب الجزيرة السورية، وعلى تخوم الخابور والحدود، نشأت بلدة الدرباسية في ثلاثينيات القرن الماضي لتكون أكثر من مجرد نقطة على الخريطة. فقد تحوّلت خلال العقود التالية إلى ملتقى اجتماعي نابض بالحياة، بفضل ما عُرف بـ”المضافات” – تلك المؤسسات الشعبية التي جمعت بين الضيافة، والحوار، والمكانة الاجتماعية.

المضافة: أكثر من مجلس ضيافة

في التقاليد الكوردية، لم…