يبدو أن الموت الذي بات يجمع الكرد، وبدقة أكثر، يستقطبهم، على أكثر من طرفي نقيض، من خلال المشاهد المحضَّر لها، بطرق مختلفة، إذ يكون المشيَّع، في حقيقة أمره، آخر من يمكن التفكير فيه، بحيث يكون الراحل مناسبة منتظَرة، يجري استثمارها، لحشد الهمم الثورجية، أو تكون فرصة من ذهب، لمن يريد الإعلاء من شأنه كثيراً، باختياره الكرسيَّ الاعتباري له: مقاماتياً / وجاهياً، أو التفوه بما يتجاوزه مسلكياً.
هنا، ينفتح الموت على مباغتات، لم تعد مباغتات، بسبب مناخات الإلفة التي صارت معروفة، من خلال أسماء الذين يتوافدون، مستحثي الخطى، ليس حباً في الراحل كثيراً، كما يشهد واقع الراحل في المجمل، وكما هو المستوجَب، وربما يكون الحب قائماً، ولكنه يتأخر عن ذلك الحب الآخر الثقيل الوطء، أي حب الذات، الذي يتشوق جلياً إلى اللحظة السانحة، لتمثيل، ما يُعجَز عن تمثيله جهاراً، أو القيام به، في الحياة العادية، كما أكدت، مراراً وتكراراً، تجربة السنوات المنصرمة بصراحة آلمة، وخصوصاً، إثر أحداث 12 آذار، 2004، وحين أسمي هذا التاريخ، فلانعطافيته الكبرى محلياً وكردياً، وهو بيت القصيد كردياً مجدداً، ومحك التوازن النفسي واختلاله. وإذا كنت معنياً في الكثير مما يتردد في هذا السياق، فيمكنني توسيع مساحة الموضوع، وإبعادي عن صدارة الموقف، وإن كنت المتكلم والكاتب وصاحب الموقف النقدي الانتقادي هنا، لأن الجاري، هو أكثر من كونه موضوعاً لا يقبل التأجيل، إثر مستجداته، وفق سياسة لَيّ عنق التاريخ، وتجاهل ما كان يجري، وما يجري من تداعيات، وتحولات أخرى حتى الآن.
وفاتحة الحدث الملغّم للموضوع، هو أربعينية شاعرنا الكردي سيدا كلش، بتاريخ 27-72007، وسورة الحدث، هي تجليات المشهد التراجيكوميدي الكردي- الكردي، ممن أرادوا التقدم مستأثرين بالحدث، وطبيعته: حضوراً ومساومات حضور، إظهاراً لمجمل ما كان يخطََّط له من جهتهم، كما سيتضح لاحقاً، في مجالات كتابية، لا تنفصل عما هو سياسي وتحزبي طبعاً، في الشارع الكردي السالك بصعوبة، أما عن مناسبة الكتابة، و(لماذيتها)، فلأن ما جرى، لا يمكن تجاهله، لأسباب تستوضحها مسسبباتها المناخية الذاتية، ذات العلامة الكردوية الفارقة.
ولعلي، عندما أتحدث عن ( الرباعية)، فلآنني سعيت إلى مكاشفة جهات أربع حتى الآن، داهمت فضاء الحدث، وتحت أكثر من اسم، بقي في الخلف، دون أن يوارى المجهولَ، والتركيز سينصب بداية، على الكلمة التي قرئت، وبعد تحضير مزمن، باسم pen الكردية، ومن قبل بيوار ابراهيم متعددة المواهب هذه، وكيف يضحى بها، دون أن تستدرك حقيقة المضحى فيها محيطياً، وكما أشرت في كتابي (وعي الذات الكردية)، فإنني هنا، بالمقابل، لا أرد عليها، لأن ليس من مثير يستدعي الرد، حيث كتابتها المقروءة تعرّف ببنيتها المعرفية والأدبية، كما سيظهر هذا تالياً، بقدر ما أرد على الكتابة المقروءة، باسم pen الكردية، باعتبارها عضوًا فيها (ولا أظن المدوَّن هنا، تقريراً ما، كما يعلم التقاريريون الپَنّيون ومن هم في إردافهم وأعطافهم، أو كما استثار الكثيرون تكتلياً، ممن ساقوا موقفي النقدي من كتاباتهم ومسلكيات الكتابة عندهم سابقاً)، وفي من يمثلها خارجاً، وأخص بالذكر هذه المرة الدكتور زرادشت حاجو، وأنا أسميه توضيحاً للجاري، وهذه المرة بدقة أكثر، نظراً لخطورة الوارد فيها من قياسات ذاتية وفرمانات لا أظن الدكتور، ومن يمثله في محيطه، وفي محيطنا، بقادرين على تحمل، أو تقبل مسؤولية المترتب عليها من النواحي كافة، وكما حاولت الرد والتوضيح، وفق تقديراتي الخاصة نقدياً في كتابي ذاك، وكنت أسمي أهم شخصين، كاتبين، كانا، وما زالا وراء مجمل ما تكتبه بيوار في هذا المنحى،هما رزو أوسي، وكوني ره ش، وفق نوازع واعتبارات نفسية تخصهما بدايةً، وهي لا تنفصل عن مؤثرات النوازع والاعتبارات هذه، هنا، أوسّع الدائرة، وهي واسعة طبقاتية، زكزاكية أصلاً، ليكون الكاتبان المتخفيان وراء المشهد الكتابي الاستنفاري، الحيفي، ومن معهما بدرجات متفاوتة هنا وهناك، كما يعلم عارضو “أزياء” الثقافة الكردية أضوائياً (سأترك ذلك لفطنة من يستهدي بحدسه أحياناً )، وانطلاقاً مما هو معاش، وأوجُهِ التكتم على المستجدات التي تتطلب توعية أكثر، وتكاتف ألسن أكثر، لبلورة وعي كردي أكثر تناغماً، داخلاً وخارجاً، وأنا أشدد على الدور الذي تقوم به Pen الكردية، من خلال الذين يقيمون صلات لا تاريخية بما يجري، وفيما بعد، سأعرج، على نقاط أخرى، توضح ما أحاول مقاربته نقدياً، في هذه المناسبة، وما يتجاوز طابعها المناسباتي، وأنا إذ أسمي الأسماء، فبنيّة المصارحة الكاشفة، خلاف الكثيرين، كما هو معروف.
عن كلمة Pen، ومأسوية الكلمة:
لا أظن أن Pen الكردية، قد تشكلت لتكون طرفاً على آخر، ثكناتية، بقدر ما أنها ولدت، تعبيراً عن الحاجة الملحة ، كما يقول منطق الضرورة، إلى اتحاد، منظمة، أو رابطة، ليكون مجمل الكتاب الكرد، كما همو الكتاب في أي مكان، أو مجتمع، داخلين في إطار تنسيقي تعاوني، ارتقائي بالاسم والقضية اللذين يعرَفون بهما، أو من ينخرطون داخلها، ولا أظن أن هذه، قد أوجدت مكاناً لها في أوربا، وصار لها فروع وممثلون في الجهات الكردستانية، إلا لتأكيد هذا الوعي الكردايتي، بالمزيد من الإبداع، وتمايز الذات الإبداعية بالمقابل.
سأترك البداية، مكتفياً بالنهاية الآن، ليكون المقروء نهاية، هو الممكن الانطلاق منه، لمعرفة البنية التنظيمية والعلائقية لـ Pen، وطبيعة العلاقات التي تجلوها، وصلتها بما يجري كردستانياً.
بصدد الكلمة المقروءة في أربعينية الشاعر الراحل سيدا كلش، ومن بيوار ابراهيم، حيث سمعت الكلمة، وقرأتها في موقع ( ولاتى مه) الانترنيتي الكردي وسواه. لن أتحدث كثيراً عن بعدها العاطفي، وسيَلان الدمع في المآقي، تعبيراً عن المنكَسر التاريخي في الذات الكردية، فهي كغيرها كثيراً، حيث شبوبية العاطفة تتشابك، مع هبوبية الحماسة الذاتية، في إبراز الفاعل الكردايتي لسيدا كلش، وارتباطه بالرموز الكردية المخلصة للغتها، وقضيتها، وتاريخها، وشعبها، ولأدوارها، وفي المقدمة (جلادت بدرخان)، إنما سأتعرض للهم المقلق الذي ألهب حماس من كانوا حاضرين في الجوار الأربعيني، مَن كانت الكلمة تشير إليهم، وهم جلوسٌ قبل كل شيء، وأسمي بعضاً مهمّاً من هؤلاء، وبالدرجة الأولى، كما نوهت : كوني ره ش، رزو أوسي، خليل ساسوني، دحام عبدالفتاح…الخ، وحملت الكلمةُ ختم الاسم الأكبر pen، وهذا يعني ، ضلوع حامل الاسم: الرمز لها، وأعني هنا، الدكتور زاردشت حاجو، ولعله الآن، في معرض المواجهة، هو ومن معه، بصدد ما أثير، وسمّي، بحيث لا يخفى على البسيط، لمعرفة المعني، وقد أكون المقصود الأول، لأسباب معلومة سابقاً، ولكنني، سأقصي ذاتي، لأن الموضوع يتجاوزني في حدود المدوَّن، والذي هو أكثر سفوراً من الغمز واللمز، أقول هذا، وأنا أشدد على أن الكلمة بداية ونهاية، كانت انطباعية، إنشائية، تسفيرية، وليس نقدية مطلقاً، ولأنها عامة، غير مترابطة، كما سأبيّن لاحقاً، وهي محسوبة على هو متوار ٍ وراءها، تأكيداً، على أن أي تشريح لخاصية كتابة كهذه، وإلى درجة القسوة، تكون مستحقة لها، نظراً لاستهانتها بحقيقة الكلمة:
سأترك القول المثار، والذي يشير إلى أننا، نحن ككتاب كرد، وبلغة الجمع التعميمية، نعيش وضعاً ثقافياً، بعيداً كثيراً عما هو ثقافي، أخلاقياً ومبدئياً، وما يجري، هو متعثر، فيما بعد.
إن ما قيل، فيما بعد، وهو في صيغة تساؤل: ترى، أي جديد، أضفنا، إلى ما تقدم، في مجال اللغة والثقافة الكرديتين؟ لو أننا قوَّمنا، أغلب الكتابات، فسوف نعثر على مئات الأخطاء الصغيرة والكبيرة، وللتمييز بين الجيد والرديء، يأتي السؤال الصاعق: متى سنؤسس لنقد منهجي بناء، مقدس، ونقضي على كل نقد هدام من شروشه، بعد التخلص من الإزدواجية والرياء في الثقافة؟
إن التمهيد للجدة، هو مع تحديد الأخطاء… الخ
هذا هو الحامل الرئيس لمجمل مقروء عضو a الكردية، لا بل هو أس الموضوع، وما عدا ذلك، كان رتوشاً، ومداخل سريعة، لقول المنتظر سالفاً.
1- النص المثقوب والمهلهل:
ثمة نقاط مرافقة، تتخلل المكتوب، سوف أتعرض لها لاحقاً، أو من داخل السياق، عند اللزوم.
سأتي إلى بيت القصيد، إلى الجانب المتعلق، بالإزدواجية والرياء في الثقافة الكردية. أقول هنا، وبتساؤل: تُرى: ما المقصود بالازدواجيةd û rû، وهيûdu r، من حيث الصحة؟ من يظهر ما ليس فيه. حسنُ، من هو هذا الذي يظهر ما ليس فيه؟ أليس من حاجة للتوضيح؟
الكلام مطلَق على عواهنه، ولكنه، عند المطَّلع، محددٌ هدفه. سأكون أنا هنا، في معرض الموضّح للازدواجية، ولكن بقلب القاعدة، حيث أركّز، وكما هو التاريخ الشخصي،على أن ما جرى مع أحداث 12 آذار، 2004، وحتى الآن، لم يحدث، أن سعى أحد هؤلاء ( البنّيين)، داخلاً وخارجاً، وأسمي الداخل أولاً، إلى القيام بالحد الأدنى من واجبه (بأضعف إيمانه)، كما ذكرت ذلك، في كلمتي المرتجلة، في الأربعينية المذكورة، بالعكس، جرت محاولات تشويه سمعة من ساهموا في مواجهة المؤامرة على الشعب الكردي بالقول والفعل، وأظنني كنت من بينهم، كما تشهد كتاباتي، هنا،( كوني ره ش في بداية العام هذا، كتب عن 12 آذار، 2004، ولكن عن خرافة (ڄرتو وزرتو) الحكاية الجكرخوينية الشعرية المعلومة، مسفّهاً ومكذباً كل من أدى الدور الوطني والكردي له). من يكون الازدواجي هنا، وماذا يمكن لـ pen أن تقول، ماذا قدمت في هذا السياق؟ أي دور كردي آذاري، وما بعد آذاري، سعت pen إلى القيام به؟ ما موقف Pen ، من أحداث آذار المذكورة، ما موقفها مما يجري حتى الآن، من تعريب متتال ٍ للمنطقة، ومن يؤدي دوره الوطني والكردي المطلوب..؟ لا شيْ، لا شيء البتة حتى الآن ! هل باتت الازدواجية واضحة في مسارها ومدارها الآن؟ ولأن مخي ترِس في هذا المجال، أتمنى أن يقدَّم الدليل بأمثلة حية، وإلا فإن الحية ستلدغ حاويها !
أما فيما يخص الشق الثاني، أي الرياء، du ziman، وهو ذاته متداخل مع الأول، ومكمّل ومعمّق له، فيشير إلى التصرف بطريقة، لا يلبث أن يتصرف بنقيضها، أن يصدق في قضية، هو كاذب في سواها، أن يؤكد أمراً الآن، هو خلافه بعد حين، والموضوع متشابك، ولكنه يخص مجريات الأحداث، يخص أياً كان، ولكننا ككرد معنيون طبعاً، بذلك، أكثرمن غيرنا، ولا أظن الناطقة الموهوبة ذات القريحة الهجائية النفاثة: بيوار، تتحدث عن أناس آخرين، لم تلفظهم أرحام أمهاتهم بعد، مثلما لم تشر إليهم أحداث مسماة بعد، حديثاً يخصنا في تواصلنا مع ما يجري، وهنا يأتي السؤال الأول: ماذا فعلت موهوبتنا، ماذا سمت آذارياً وما بعد( أذارياً)، لتكون خارج هذين الشقين؟ إذا كانت مارست ما تؤكده فلتسمه، عما يعنيها ويعني من تتحدث باسمهم، وهي لا تمثل شخصيتها، في ( پـنّيتها)، وحتى أكون ، أنا على الأقل، على بيّنة من هذا النشاط الپنّي، لأدرك حدودي، وأنا أتكلم، أو أتحرك، أو أنظر في وجوه من هم حولي، النشاط الذي يلزمني، بقول الحقيقة، أو بعض منها، على الأقل مجدداً، لأنني معنيٌ يها، وهي تخصني، شئت أو أبيت، إذا ما سئلتُ ذات يوم عنها، أم أنها الاسم الذي ينتظر تكوينه في مكان آخر؟؟؟
هنا، أشدّد، ما الثقافة التي يتحدَّث عنها، في ظل هذين الشقين؟ القويمة والقزمة، ومن سعى من المعنيين، ممن ذكرت، إلى العمل على وضع لبِنات نقد فعلي كردياً؟
في هذا الإطار، آتي إلى كوكبة الأخطاء، وأتساءل، من يصحح لمن، وتحت أي يافطة؟ الساكت خوفاً، والصامت استجابة لدواعي لا صلة لها بحكمة الموقف، والمقدّر سلباً للعواقب…؟
لأتحدث عن خرافة الأخطاء المائة، وأغض الطرف عن خلافها، كما سمّي، رغم أن هذه، من تلك، في السياق، ولكنها القريحة الفائضة بكلمات تتطلب الكثير من التأني للربط فيما بينها.
فالمكتوب،لا يمكن قراءته، في ترابطه، لتناقضات مروّعه، تخترقه كتابياً، أو بنائياً، ويستحيل ترجمته، ليس لبلاغة الوارد فيه، وإنما لتفكك جمله بتراكيبها، ومنذ البداية: تٌرى، ماذا تعني العبارة الأولى في استطراديتها: ( وسط قطرات دموع الميتات اللاميتة ( الخالدة) تصفو رغبات العمران ( التعمير” والصياغة غير دقيقة”)، أكثر)، ماذا يعني قول كهذا يا Pen؟ ماذا عن قطرات الدموع، والدموع ذاتها مسكوبة، لا تحتاج لكلمة أخرى…؟
لاحقاً، ماذا في : بمقدار ( والمقصود بالتأكيد: إزاء، حيث Bi hemberî، تكون Li hemberî، والفارق جلي) ما يكون الموت ضياعاً مشتركاً ( والصحيح windabûn)، يكون هذا الموت ذاته، اجتماعاً( والصحيح civandin)، رغبات الضياع التي يمكن إيجادها ( وثمة خطأ فاضح، إذ الرغبات قدّمت بصيغة المفرد، من خلال bê، وإلا لكان المقصود هو الضياع، وهذا غير مقبول إطلاقاً، كما تقول النهاية، عدا عن النقص، فالصحيح هو ku bêne dîtin)،تتألق في الضياع، تصرخ ( أو تنادي( …
ومن ثم العبارة المناقضة تماماً للمقصود فيها، كما يقول السياق: نحن الناطقون باسم عاطلين تنابلة حركة الحرية المنشودة في الحياة( وأظن أن كلمة şêrgelên، مقابل” العاطلين التنابلة” لها معنى سلبي، وسيء في الحياة العامة، مثلما أن azadîxwaza، هي في الأصل azadîxwazên، أي طلاب الحرية في الحياة، وقد حاولت التقريب بين المفردات قليلاً)، أهكذا تكون ممثلة Pen الكردية، واجهة الثقافة الكردية ولغتها القويمة المستقيمة الدقيقة؟
وثمة مقطع آخر، يتعلق بتعريف الناطقة الپنّية بذاتها، ومن تتحدث باسمهم (نحن أحفاد الأمير جلادت، نحن أبناء مجلة” هاوار” نستحث الخطى، دون أن ننظر أمامنا)، هل يُعقل ذلك؟
في جانب آخر، تستخدم مفردة وصفية، للتأكيد على وهم ِمن تتحدث عنهم، لأنهم يسيئون إلى الكردية من خلال الموقف من لغتها، وفي أدمغتهم ( المسمومة)، وهي fanatîk، مشيرة إلى نموذج موسوم، وهو الكاتب الكردي فرهاد شاكلي، الذي يراهن على الكتابة عبر الألفباء العربية، وفي أكثر من مكان، وهي طريقة الكتابة عند أهل ( سوران) وآكراد آخرين. وأظنها في تعبيرها، تريد ما هو أكثر إيلاماً من ذلك، كما لو أن ( فاناتيك)، مذمة، وهي تقابل ( الخيالي) أصلاً.
أما الكلمة الأخرى والمكررة فهي Intelektul û Intelginisa، وهي واحدة أصلاً، بدورها تشير إلى الذهن، أو العقل، ولكنها مستخدمة هنا فذلكة، ودون معرفة حقيقتهما التاريخية،حيث أنها ذاتها استخدمت مفردة çanda kurdî ( الثقافة الكردية)، فلماذا هذا الجنوح غير المدرَك لأبعاده المعرفية؟ تُرى أهكذا يعطى المجال لممثلة Pen ، في أن تقول ما تشاء، وتذم من تشاء، وعلى منبر، ما كان يجب التحدث بالطريقة الذمية أو القدحية أو التشهيرية هذه، وخصوصاً بالنسبة لفرهاد شاكلي، وغيره حضوراً، كما سنرى ذلك فيما بعد .
وعندما تندفع الممثلة الپنية، وهي تتحدث عن الأمير جلادت، في فرحها بلغة ( هاوار)، وكيف أن الأمير جلادت ( أبدع الحروف اللاتينية)، وهي تشير إلى عموم اللغة والثقافة الكرديتين، كما لو أنه مثَّل عموم الثقافة واللغة الكرديتين، وأنه أبدع من عنده الحروف اللاتينية، إذ إنه جزء من الثقافة واللغة هاتين من ناحية، وهو من ناحية ثانية لم يبدع الحروف اللاتينية، وإنما رسم الألفباء الكردية بحروف لاتينية هذه التي كانت موجودة قبل الأمير جلادت … فأي بؤس وعي هنا؟
أتساءل هنا، وأنا أختصر الحديث، أهكذا يكون التصويب لأخطاء الآخرين دون تحديد، وبإطلاق، ذمهم، اتهامهم بالازدواجية والرياء، دون أي التفافة إلى الوراء، إلى مذبحة أخطائها؟
أتساءل هنا، هل حقاً أن pen، معنية بكتابة كهذه؟ وإذا كانت معنية بكتابة كهذه، ولا بد أن تكون مسئولة عن ذلك، لأن اسمها ستقدمها، فإن المساءلة تطال عمومها، ويكون الدكتور زاردشت حاجو محط الاستفسار، وهو مطالَب باستيضاح الموقف، وكيف تكون الكردية في وضع بائس، متشرذم، بالطريقة التي أشرت إليها، والتاريخ الوثائقي يشي بذلك، وقريباً، يكون كوني ره ش ورزو أوسي، محط المساءلة بدورهما، أم أنهما يتخفيان وراء المدوَّن، ودون أن يراجعاه، فالمهم عندهما ، وقبل كل شيء، هو ذم من ليس في ركابهم معاً، ولن يجدا أفضل منها، حتى من حيث الجرأة، في إطلاق أقوال صارخة، تكون في الواجهة أولاً وأخيراً، إنما هل صحيح، أنه بإمكان من عيَّنها، ووافق على تعيينها، ومنحها كليَّ المجال لتقول ما تشاء، التواري في صمت، وكأن لا دخل لهم في كل ذلك؟؟؟
إذا كان هذه ثقافة Pen، وعرائضيات Pen، فسحقاً لكل ما جاءت من أجله، واستمرت من أجله، وتبقى مداومة في سبيله، سحقاً لكردية، هي مقبرة الكردي التاريخي الحي !!!….
2- درس تاريخي حول اللغة:
التقدير الأبسط لأي ثقافة، لأي لغة، هو مراعاة البعد التاريخي لها، واعتبارها كائنة حية تاريخياً، وأظن أن موقفاً كهذا، وبسبب ضيق الأفق الفكري، والإفلاس المعرفي، شجاعة الذات العارفة، مفتَقد لدى المعنيين بالثقافة الكردية، وبلغتها، كما يسمون أنفسهم، وخصوصاً من جهة الموقف من جلادت، وما جاء به، حيث لا بد من التجديد والإضافة، وجلادت، لم يبتكر ألفباءه، إنما اعتمدها، بعد جهد ومتابعة، في أكثر من اتجاه، فكيف يكون الموقف، ممن يسمي نفسه حفيد جلادت، ربيب (هاوار)، والمقيم، في نقد بنَّاء ( مقدس)، والتناقض الكبير بين البنَّاء والمقدس، دون أن يقدم أي جديد، لا بل، أن يحافظ حتى على القديم في سلامته، ودقة صياغته، كما رأينا؟
كل اللغات كائنات حية، لا تثبت في المكان، وجلادت عاش تاريخياً، ومارس ثقافة ارتبطت بتاريخ معلوم بدلالات، بصراعات ورهانات، فكان له ما كان، ولو اكتفيً بالاعتماد على طريقته في الكتابة، وفي تناول القضايا، لكان الانتحار ذاته للثقافة الكردية، لأن ثمة عدم رغبة في التقدم، إنما الاكتفاء بما قدَم، لكن الأهم، هو خواء المتحدّث هنا، لهذا يكون التحصن بما كان، وعدم القدرة على معايشة الجديد بمتحولاته، والتعريف بالذات، بطريقة متمايزة.
وبصدد الموقف من لغة جلادت، أو ما جاء به جلادت، دون أن يبتكرها، أي لغة مجلته ” هاوار” التي لم تبق على حالها، بين بداية أول عدد، وآخر عدد، لا يجوز الانطلاق من رؤية صوفية جذبية جامدة، طالما أن الكردية، وجدت قبل جلادت (ماذا نقول عن ملا جزري، وأحمد خاني مثلاً؟)، وهذا يشكل محطة بارزة فيها، وليس قطار التاريخ اللغوي الكردي كلياً،، بصدد الموقف هذا، كما ذكرت، أختار هذا المقطع له، وما تم قطعه لاحقاً، الآن تحديداً.
في العدد 11 من مجلته HAWAR، 10 حزيران، 1932، وحول رحيل الشيخ Evdirehman Garîsî، يكتب ، من ضمن يكتب:
Mirinaa di nav cihan ne mirina wî bû, heyfa xwedê jî jê re dihat, pê qail ne dibû ko ev mere bi her tiştê xwe bi dîn, bi zanîn, bi destê xwe kene, di nav cihan de wek mirovekî adetî bi bayê an bi tayê biêşînit û di pey re qasidê xwe verêkit û emanata xwe jê bistîne.
ثمة ثلاث كلمات، عربية صرف، تخللت المقبوس، وهي ( emaneta- adetî –qasidê)، تُرى هل يمكن الآن التصرف وفق طريقته، في استخدام ذات المفردات، وقد تطورت الكردية كثيراً في مفرداتها، ولها بدائلها الكردية؟ وهي بداهة تاريخية، عدا عن أن الكتابة بطريقة جلادت، لا تكتَب هنا، كما تقول كتابات المعنيين به بالذات، ومن خلال ما تقدم. إن التعريف ببنوة الانتماء، وحفدانية الانتماء شعار سلفية مهزومة كردياً أولاً، وتجسيد لانخساف إرادة عاجزة عن تحمل مسئولياتها تاريخياً.
3- في متن Pen، على هامش Pen:
جميل أن يجد المرء منظمة، جهة، رابطة، تمثله خير تمثيل، وفي الملمات خصوصاً، أن يكون كل ما يصدر عنها، مدروساً، لأن ثمة حضوراً رمزياً: جماعياً يتحرك في إهابها. ويظهر أن الاسم غلب المسمى، وأن المستهدَف ضد على المعلَن عنه كردياً، ووفق المعلوم تاريخياً، يغلب كل ما يمكن أن يشار إليه: صياغة، وتحمُّل مسئولية، وتعبيراً عن الكردية رحابة واقع.
كما رأينا، في المثال المذكور، من خلال المدوَّن المنشور في أكثر من موقع كردي، كما ذكرت، وهذا ما يتعلق بالمتن، والذي تناولت نقاطاً خطيرة في مكوناتها الثقافية والاجتماعية والمسلكية، والموقع المعطى لكلمة واسم كهذين، ومن يتحرك وراء الاسمين، وحقيقة ذلك.
ثمة الهامش بالمقابل، وأحدد بداية بالمناسبة، وكيف يتم التسابق لقول المطلوب قوله، وإثر تداعيات أحداث، حيث المنشود دون الكردية مقاماً ومقالاً، إنه انتقام من تاريخ فات، لم يعد بالإمكان تداركه، وربما أنا ضمنه، كما يعلم الپَنيون، حيث التطرق إلى موضوعات، لا علاقة لها البتة بما يجري. إن رزو، لم يقدّم البتة أي موضوع يخص ما يجري، لا من قريب ، ولا من بعيد، وكون، ليس له إلا أن يشير إلى الأمير جلادت، وعظمة البدرخانيين، بنوع من الشوبشة ، دون أن يضيف حرفاً، دون أخذ العلم، من أن البدرخانيين بذلوا الغالي قبل الرخيص في سبيل إيجاد ثقافة كردية تناسب عصرها، فماذا وجد كون، إلى جانب رزو وغيرهما، أي جديد قدّم باسمهما، هما ومن معهما الآن : دحام عبدالفتاح، وعلى عتبتهم التمثيلية وكالة لا أصالة، أي الآن، وأعني هنا: بيوار، للثقافة الكردية هنا، للغتها هذه؟؟؟
منذ متى كان هؤلاء يتصدون للآخرين، نقدياً، ومن موقع المسئولية، كما في حال الكاتب فرهاد شاكلي، حيث لم يكن من داع، للتشهير به، بامتهان ملحوظ، نوعاً من الاستعراضية الشعبوية الجلية؟ إنه كاتب، وناقد، وشاعر، وله موقفه من قضية الأبجدية، والموضوع مضى عليه أكثر من سنة، حيث ترجمت ما قاله، في حوار معه، ومع مقدمة طويلة، حينها، ونشرت ذلك في أكثر من موقع الكتروني، عدا عن أنني كتبت دراسة نقدية طويلة، نسبياً،عما ذهب إليه، وبالكردية، ونشرتها في موقع( Netkurd) الالكتروني الكردي، قبل ذلك، في الوقت الذي صمت، أو سكت كل ممثلي Pen، ولم يفه أي منهم بحرف حول ما تقدم، وفجأة ( حديثاً)، ينبري البعض منهم، بطفرة مشكوك في صحتها الحدثية، وبلغة هي أبعد ما تكون عن النقد، في تسفيه الكاتب الكردي فرهاد شاكلي، ومنهم كون، قبل سواه، فأي نخوة كردية مناسباتية أثارت هؤلاء، بعد هذا الوقت الطويل الطويل …؟
إن حضور ممثلي Pen، ومن معهم، تكاتفاً أو ترادفاً أو تصاففاً، وفي مجمل الأنشطة الأضوائية، هو الذي يعرّف بـPen، وما يتحرك على هامش Pen، على أكثر من صعيد.
من جهة أخرى، وعلى الهامش، رغم هامشية النص أصلاً، كيف يمكن تناول هذا السكوت إزاء ما يجري، والتنافس على الكراسي، عند اللزوم ( المدروس) مناسباتياً؟ ماذا بوسع من أشرت إليهم، أن يقولوه، وهم لا يكفون عن تخوين من يعيش حميمية الحياة، وهم ماضون في صمتهم، ومن بيت إلى بيت، مهيّأ لذلك، وبالتراسل إلى أبعد مدى، أعني هنا أوربا، كما هو معلوم لدى المتابع لخطورة موضوع من هذا النوع، وكما يعلم الدكتور زاردشت حاجو نفسه( ثمة مراسلات بيني وبينه حول هذا الجانب، وعند الضرورة سأنشرها)، ولأن الكرة في مرمى عموم pen، والدكتور زاردشت، في الصدارة، يستوجب التوضيح حول هذه النقطة، ومن قِبله بالذات.
أي ما هي المعايير التي تحدد كردية الواحد منا، ومن يمكنه ذلك، أن يخونه، أن يرسمه عميلاً، أن يبث تقارير عن سواه، وهو لازمٌ بيته، ملتزم صمت القبور؟
فأنا عندما أسمي الأسماء، فلأنني، وفي وضع كهذا، أريد إماطة اللثام عن ( فقهاء الظلام)، أو كحق للكلمة معرفياً ونقدياً، ومن يمكن أن يكونوا حقاً، وبعيداً عن التعميم، ليعرف كل منا ما هو عليه واقعاً( يبرر هؤلاء الصامتون- الشامتون” بمن؟”، وقد سكتوا عن الرد، في أكثر من مرة، على أنهم لا يحبون الدخول في مهاترات، لكَم هو جميل قول كهذا، حسنُ إذاً، تُرى هل التقارير الپنية من الداخل المتصدع إلى الخارج المتقشع، وسيئات مداخلها ومخارجها، ليست مهاتراتية؟ وكنت مادتَها كثيراً !).
4- إطلالات من داخل الحدث المناسباتي:
لماذا هذا الإلحاح في الحضور مناسباتياً؟ أو كلما استجدت مناسبة، تبرز مكانة أضوائية سهلة، لمن يتجنب الحضور، في نطاق المستجدات التي تتطلب ضبطاً للنفس، وتوقع احتمال أي شيء؟
أظن ، أن الجواب، وبسهولة، كسهولة استحثاث الخطى، لاغتنام المناسبة، أو الفرصة، لإقصاء من يستحق الحضور أكثر، كما لو أنه الحاضر الغائب، ممثل الثقافة والموقف الجَدّيين، ولأن ثمة مناخاً عاماً، وكردياً في الصميم، قد أفرز معابر ومنابر لعراضات من النوع المذكور، كما هو التردي الملحوظ في الحياة السياسية التحزبية ، والثقافية الكردية في أكثر من منحىً.
وثمة أكثر من تفريع للتعبير عن وجود الذات الناطقة كردياً، وإبراز حصافتها، كما تلمستُ أنا:
– عندما يرسل أحدهم برقية، تعبيراً عن تقدير ما، ولا يحضر هو، ليس لأن ثمة أمراً طارئاً، فطارئيته فيه، وإنما لأن تحسباً يرتد إلى الذات، في بؤس وعي ذاتها الكردية، حيث يتكرر هذا الموقف في أكثر من مناسبة، وثمة أكثر من اسم تكرر في هذا الإطار ( خالد جميل محمد، هو النموذج الأكثر جلاء، في الجمع بين نقيضين: الحضور الرمزي المتحفز، والغياب المنشود رأباً لصدع ذاتي).
– عندما يحضر أحدهم، وهو لا ينتظر النهاية، ليس لأن ثمة عملاً في انتظاره، وإنما، خوفاً من ذات على ذاتها، كما يقول المشهد البصري ( أحدد هنا، دحام عبدالفتاح، كما تنطق صورته ” المنكسة برغبة منه”، أي وهو غير راغب في إظهار ملامحه. أهذه وشاية ما؟). إن هذا، هو ما أشرت إليه، قبل سنتين، ونشرته في حينه، بمناسبة الحوار العربي – الكردي في هولير، ونحن نزور قبر الرمز الكردي الكبير” البارزاني”، حيث كان يتجنب حركة الكاميرا، وهي تصور الزائرين في تنوعهم العربي والكردي، وبوسع الفضولي معاينة ذلك من خلال الصور المنشورة في موقع (ولاتى مه) وغيره …
– عندما يبذل أحدهم ما وسعه الجهد، مندفعاً وراء مشاعره، وهو يبرز فضائل وشمائل الراحل، معظَماً إياه، وهو بعيد عن كل ما يشير إليه، فقط، ليؤكد أنه الجامع بين القول والفعل، والواقع يشهد عكس ذلك، في تناقضات مواقفه المروعة ( أحدد خليل ساسوني، وانحساره الغالب عن الحياة الحقة، ولوذه بمناسبات تؤكد أنه غير متخلف عن ركب البقية المندفعين في تيار الحياة).
– عندما يسعى آخرون إلى الحضور، ويتابعون ما يعنيهم، من خلال من يتحدث باسمهم، أو عبر ما هو متَّفق عليه ( أشير هنا مجدداً إلى رزو أوسي، ومعه كوني ره ش).
أن يكون المرء كردياً، أو دونه، أن يكون كاتباً أو دونه، أن يكون إنساناً، وفي أي موقع، لا أظن، أن في وسع أي كان، الإساءة إليه في قيمته كإنسان. إن مواجهة الآخر، وبعيداً عن التهم التي تطلَق جزافاً، وبرؤية نقدية، هي المدخل السليم للتعبير عن قيمة الناطق: الناقد، وتبيان موقعه قيمياً، أما عن ممارسات تخوينية، أو تسفيهية يلجأ إليهم أي كان، ودون أي رصيد معرفي بالآخر، بتجاهل ما يقوم به، والتعتيم عليه، ويعرّف بنفسه، وموقعه العائم حياتياً، في شوبشيته الأعلاناتية، في شللية متعددة المستويات، حيث المناخ يسهّل لذلك، فهذا يظهِر مدى التهافت في الثقافة المعتمَدة، والمضحى باسمها، ومن يتمعن فيما يجري كردياً- كردياً، لا بد أن يدرك، كما أرى،، أن الوضع التصدعي لعموم الكرد غالباً، يفسَّر كثيراً من داخله، كما يعلم الداخلون على الكردية، وفيها، بثقافة تعيش آفة انحدارها القيمي، في من يعتبرون أنفسهم الناطقين الأُول بلسانها، حتى لو أن أفواههم بالكاد تشهد على أن ثمة لساناً، قد ضمُر فيه الكثير لسانياً فعلاً.
———
ما كتبته، سوف يكون فصلاً من فصول كتابي (ما بعد وعي الذات الكردية)، حيث سيتهيأ للطباعة فيما بعد، والقابل للتوسع فيه بالتأكيد، بانتظار مترتباته وتداعياتها المختلفة.