نجاح العمل يرتكز بشكل أساسي على عامل التلقي بصرف النظر عن الدراسة الفنية لهذا العمل، وهذا الأمر جذب انتباهي عندما كنت أسمع من الاطفال الكرد وهم يرددون جمل ومقولات بافي طيار في حواره التمثيلي المسرحي. وهنا أريد أن أؤكد على أمر له بالغ الأهمية وهو أن اللغة الكردية بحاجة ماسة إلى العمل المسرحي حيث الحدث والحوار والشخصيات والمشاهد الحية التي يمكن أن تصبح مادة للمحاكاة والتقليد من قبل الأطفال الكرد، وهذا ما يزيد من ترسيخ اللغة الكردية في ذاكرة الطفل الذي يتلقى لغات أخرى يمكن أن تقضي على لغة الام الكردية.
وإذا تناولنا العمل الفني الاخير والذي يتمثل بمجموعة السيد علي، نلاحظ تقدماً ملحوظاً قد بدا لنا في هذا العمل، الذي يعد عملاً فنياً ناجحاً. وعلى الرغم من أن الموضوع أو المحتوى في العمل يحتل أهمية ما، إلا أن قيمة العمل الفني، كما أعتقد، تكمن في صياغته وكيفية أداءه وعرضه للمشاهد. والموضوع الاعلاني المطروح في هذا العمل بالرغم من أنه موضوع لا يتمتع بأهمية كبيرة في المجتمع الكردي، إلا أن الصياغة الفنية ونسج المشاهد المسرحية والحوارية طغى على الجانب التجاري منه، ولم يعد ينظر اليه من الزاوية الاعلانية التي تعد فناً مستقلاً يتمتع بأهمية غير قليلة يعرض على القنوات الفضائية الأجنبية والعربية.
وهذا التطور، من وجهة نظري، يعود إلى عدة عوامل لعبت دوراً أساسياً في نجاحه، ويمكن إيجاز هذه العوامل في النقاط التالية:
أولاً:
على مستوى الأداء التمثيلي الرائع للشخصيات الرئيسية الاربعة: بافي طيار وطيارو وعه يشو خانم وخه لكي/ خليلو. فالشخصية الرئيسية، بافي طيار، يقدم المشهد بلغة مفهومة وواضحة يعتمد النبرة والايقاع الصوتي الكردي في اطار النسب الصوتية المعتمدة في اللهجة الأشيتية من جانب، وذلك بإرفاق عامل الحركة الجسدية مع الحوار أي أنه يوظف الصوت والصورة لإيصال الفكرة على نحو فني جذاب يتميز في الكثير من الجوانب عن اداءه التمثيلي في أعماله السابقة، وهذا دليل واضح على تقدمه وتطوره نحو مستوى أرقى وأفضل مما سبق.
ثانياً:
الجانب الثاني يكمن في إخراج العمل الفني وهنا يبرز دور المخرج عبدالسلام بركو الذي يحتل أهمية كبيرة في نجاح هذا العمل وخاصة في نسج اللوحات الفنية ضمن وحدات ترتبط الجزء بالكل وذلك عن طريق خيوط تتلون بجمل قصيرة مستمدة من الحياة الكردية البسيطة تأخذ إيقاعات فنية تستند على عامل المفارقة في الافكار بين هذه الشخصيات بهدف تكوين صورة كوميدية تجذب المشاهد من كافة الاعمار. وقد جاءت طريقة العرض الاعلاني للسيارات ضمن مشاهد فنية تبرز الصورة الاعلانية على نحو فني ضمن إطار مشهد مسرحي يتمثل بالحوار الجاري بين بافي طيار وعائلته تظهر خصوصية البيئة الكردية ولا سيما الانسان الريفي الذي أنتقل إلى المدينة حديثاً أي أنه لا يزال يحمل عادات الريف حيث البساطة في المستوى الاقتصادي والاجتماعي والثقافي.
ثالثاُ:
أما الجانب الثالث السيناريو والحوار واللغة الكردية
في الحقيقة يلاحظ بشكل واضح أن كاتب الحوار أو السيناريو قد وظف اللغة الكردية في اطارها الدلالي والاجتماعي بالاضافة إلى الدلالات الفنية التي تستهدف الغاية الكوميدية والتعبير عن مواقف ومشاهد اجتماعية تحصل في البيئة الكردية في منطقة القامشلي تحديداً، أمثلة:
Heyla fisteqî, erê wela!!
Yabo, tirro bûye muwezif, wey!!
Teyaro: Eger tê mapil bînê, dest bavêje simbêla
وجدير بالذكر أن اللهجتين الرئيسيتين تستعملان في الحوار: اللهجة الأشيتية من قبل الشخصية الاساسية محرك / دينامو الحدث محى أو بافي طيار، واللهجة الغربية من قبل الزوجة عيشو. ولكن من الملاحظ أن الأشيتي يؤدي أغنية (سد ماشالا) باللهجة الغربية.
بالاضافة الى أن الكاتب استخدم بعض العبارات العربية التي تزيد من حيوية الجانب الكوميدي للنص الكردي كما تعبر عن بعض المواقف الحياتية واليومية في المجتمع الجزراوي حيث التفاعل بين الكردي والعربي عن طريق السلوك اللغوي والذي يؤديه الممثل الرئيسي بافي طيار، مثل:
1. يا عيشو شدي الاحزمة، شدتها
2. يا شيخ، ترا هذي كروز و هذي أدميرال، الصكر والله لا يهمها الجبالثم ينتقل الاعلان من العربية إلى الكردية ويقول:
Berê wa bid çema
Çiya ji wa re nexeme
Markakî pir tebûte
Dê bikir qence jibo te
Wellahî qenc e jibo te.
رابعاً:
جاء اختيار المقطوعات الموسيقية والالحان الغنائية يتناسب مع موضوع الاعلان على نحو ممتع، وقد وظف السيناريست كلمات وعبارات لغوية محبوكة بطريقة فنية ناجحة تخلق المتعة السماعية لدى المشاهد عن طريق هذه الاغاني الجميلة التي تتناسب مع طبيعة المشهد الاعلاني، فمثلاً أغنية (كفوكى) الكردية تبين أن هذه السيارات هي كالحمامات الملونة والمزركشة تطير هنا وهناك. وينوع بين الألحان الشرقية والغربية التي تمثلت بأغنية (jinbi) بمرافقة الرقص الغربي يؤديها رجل شرقي ونصف قروي مما يشكل مفارقة يعتمد عليها المخرج ومؤلف السيناريو في نسج خيوط الكوميديا. وعلاوة على هذا، يلاحظ أن صوت بافي تيار وعيشو يتميز بنكهة جميلة ذات طرب من نوع خاص.
Te go çi Eyşo?
Jinbî, jinbî, jinbî, jinbê
Jinbê bi hemû marka
Hesanî didê kaşa
Bi telaq tu nepoşmanî
De here ji xwe re yekê bikir.
بعدها ينتقل إلى مشهد يعرض لنا سيارة مابل في اطار أغنية جميلة لحناً وكلمات
Mihhê: Te go çi………………………………?
Hilîne va mapil hat
Herê vê bûkê bînin
Li bajarê Qamişlo
li her derî bigerînin
Sed maşella ji Xudê re
Bavê Teyar bûye şifêre
Ta duh şufêrê kerê bû
Îro şufirê mîtor e
خامساً: المشاهد الثانوية:
والمشاهد الثانوية اخراجاً وتمثيلاً تضفي حركة ذات طابع حيوي، وتحدث ايقاعاً جمالياً يقضي على الرتابة والملل من جانب، ويجذب المشاهد نحو الهدف الرئيسي من جانب أخر، فمثلاً مشهد بافي تيار وهو يجري محادثة مع عيشو عندما يسأل عن اسم معرض السيارات في الوقت الذي يبدو أنه مشغول بعمل أخر يؤديها الممثل بحركية متوازنة تأخذ أيقاعاً حيوياً نابعاً من شخصية كردية موجودة في الواقع. وثمة مواقف ولقطات أخرى يؤديها الممثل الرئيسي بإبداع فريد من نوعه، مثل موقف بافي تيار وهو يطلب المفاتيح، ثم يغادر المكتب وهو يضحك، أو مشهد ينادي زوجته على ايقاع أغنية قديمة: ((عيشوكى وا عيشوكى، عيشوكا روماني…. ))
سادساً:
بقي لنا أن نقول ثمة بعض المأخذ التي تأخذ مساحة قليلة في بعض الأحيان إلا أنها لا بد من تلافيها في الأعمال القادمة، ويمكن حصر الانتقادات في النقاط التالية:
1. الانتقاد الأول والأكبر هو استخدام العكال العربي الذي لا ينسجم في المحصلة مع المسرح ذات الخصوصية الكردية حيث يلعب الزي الكردي دوراً كبيراً في التعبير عن الخصوصية القومية، لذا أرى من المناسب عدم استعمال هذا العكال، ويمكن استخدام اليشماخ لوحده دون العكال. ربما يبررها البعض بحجة الواقع وحضوره بالفعل، لكن هذا الواقع ليس بإرادتنا بل هو مفروض علينا، لأن الكرد استعملوا هذا الزي نتيجة الضغط المقابل والقوى المضادة التي فرضت وما تزال تفرض ثقافتها بهدف الصهر القومي.
2. الانتقاد الثاني هو مجيء عبارة (لغاية في نفس يعقوب) ليس لأنها باللغة العربية، بل لأنها غير متداولة بين العامة الكرد والعرب في أن واحد. لذا أرى من الأفضل حذفها من الحوار.
3. استعمال بعض التصرفات السيئة أو أنها غير لائقة أو أنها عادات شخصية سيئة تتم في بعض البيئات الاجتماعية في الوسط الكردي المتخلف، مثل التبصق كألية في التعبير عن سلوك معين يمارسها بافي تيار على ولده تيارو في المشهد التمثيلي، وظيفة العمل المسرحي وخاصة الموجه منه هو تربية الطفل على العادات الجيدة والسلوك الاجتماعي الأفضل والأرقى.
كلمة أخيرة أريد أن أقولها وهي أن نجاح هذه الفرقة أو أي عمل فني لا بد أن يمد لها يد المساعدة والدعم المادي والمعنوي لتكون قادرة على تقديم الأفضل والأحسن مستقبلاً. وفي الختام أتمنى لهذه الفرقة النجاح الدائم والموفقية في أعمال فنية أخرى.