محمد شيخو الناي الذي مازال يعزف

توفيق عبد المجيد

وأنا أتابع النشاطات والفعاليات المتنوعة التي أقيمت بمناسبة الذكرى السنوية الثامنة عشرة لرحيل الفنان الشعبي محمد شيخو، فنان الشعب الكردي وقضيته العادلة ، ذلك الرجل الذي كان صادقاً مع نفسه ، خادماً لشعبه ، كريماً في عطائه ، مؤمناً بحتمية انتصار القضية الكردية ، وانتصار الإنسان الكردي على ذاته أولاً ، وعلى واقعه الصعب ثانياً ، وعلى قدرته العظيمة على تحطيم القيود وتجاوز الصعاب وتغيير الواقع المر ، والخروج من الأنفاق المظلمة باتجاه الشمس .
نعم (وعذراً من الفنانين الكرد) أخاطبك بعبارة يا عميد الفنانين الكرد بلا منازع ، ها نحن اليوم نشهد سباقاً محموماً في رثائك بالكلمات … نشهد تعداداً لمناقبك بالآحاد والعشرات … فمن أين جاؤوا بكل هذه الألقاب والأوصاف يمطرونها عليك … أنت الذي لم تكن معروفاً لدى الكثير من أبناء جلدتك حتى الأمس القريب … لم يحاول إلا القليل منهم مد يد العون والمساعدة لك فضربت في طول ديارالغربة وعرضها باحثاً عن ملاذ يؤمن لك سبل العيش الكريم ، كالبازي المحلق أبداً في فضاءات الشمس والحرية ، تحط الرحال في كردستان موطن الأبطال ، تغني للجبل الأشم وأهله ، تنتقل إلى مهاباد فتقف بخشوع عند نبع يسمونه ، بل سميته أنت (نبع دماء الشهداء) ، تشاهد ، وتشاهد بأم العين ما يتعرض له شعبك في كل مكان ، وتقاسمه بعضاً من همومه ، تعيش معه قسماً من معاناته ، تواصل الغناء مواسياً هذا الشعب المكلوم آناء الليل وأطراف النهار ، ولم يستطع أحد أن يحبس صوتك الشجي في الحنجرة ، عجز الجميع عن خنق ألحانك العذبة وهي تترد في الآفاق ، تنتقل مع النسمات من الشرق إلى الغرب ، من الشمال إلى الجنوب ، لتصل إلى عشاقك ومحبي تغريدك في كل مكان ، فعش يا أبا فلك محلقاً في فضاء المجد والخلود كالنسر الذي تتحاشاه الغربان السوداء فتترك له الفضاء الرحب مسرحاً يتمايل فيه طائراً محلقاً ذات اليمين وذات الشمال ، وتقف عاجزة عن النيل من صوتك العذب الذي خرج معك من قمم القمع والكبت ، فالشمس لا تحجب بإطار الغربال ولا تستطيع الغيوم الداكنة أن تعتقلها طويلاً ، غرد يا أبا فلك في عليائك تغريد البلابل لأن الآهات والأنات التي تدفقت من أعماقك الحزينة كالمياه المنبجسة من تحت الصخور الصلدة لا بد أن تشع كإشعاع النور الذي يبتلع الظلام ، لا بد أن تتدفق وتواصل الجريان تجاوباً مع سنة الطبيعة والكون الحي ،  فلا تكف عن الغناء والعزف على أوتار قيثارتك التي حاولوا تحطيمها ، لأنك المستقبل ، ولأنك النور ، والنور لا يخشى من الانتشار وسط الظلام المدلهم .
أزف لك البشرى بانضمام آخرين إليك في مسيرتك الطويلة ، فها هو القلم يتجاوب معك ، وها هم بعض رجال الدين ينطلقون من القرآن الذي دعا إلى التعددية بصريح العبارة (وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا) هاهم يثنون على نضالك فيدعون بشجاعة وجرأة إلى وضع (الطنبور والقرآن معاً في خدمة القضية لان جميع الأقوام وضعوا القرآن في خدمة شعوبهم , باستثناء الكرد ، والقلة من رجال الدين الكرد من خدموا قضيتهم ) .
تحية إليك في عليائك ، وتحية إلى (الملا محمد) وهو يدعو إلى أن ينضم القرآن إلى (الطنبور) ليخدما القضية ، ويحررا الشعب الكردي من الظلم والاضطهاد ، وأنا أدعو حملة الأقلام للانضمام إلى (القرآن والطنبور) لينشروا ثقافة الحب ، والتسامح ، والإيمان بحق كل الشعوب في تقرير مصيرها ، وترسيخ مبدأ العفو عند المقدرة ، والتعايش الأخوي السلمي بين جميع مكونات الشعوب كبيرها وصغيرها ، هذه الصفات السامية وتلك القيم النبيلة التي تمثلت تاريخياً في القائد صلاح الدين الأيوبي وتتجسد حاضراً في الرئيس مسعود البارزاني الذي أثبت أنه خير من يتحلى بهذه القيم والصفات في العصر الحديث .
في 11-3-2007

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

أصدرت منشورات رامينا في لندن رواية “مزامير التجانيّ” للجزائريّ محمد فتيلينه الذي يقدّم عملاً سردياً معقّداً وشاسعاً يتوزّع على خمسة أجزاء، تحمل عناوين دالّة: “مرزوق بن حمو، العتمة والنور، الزبد والبحر، الليل والنهار، عودٌ على بدء. “.

في رحلة البحث عن الملاذ وعن طريق الحرية، تتقاطع مصائر العديد من الشخوص الروائية داخل عوالم رواية “مزامير التجاني”،…

الترجمة عن الكردية : إبراهيم محمود

تقديم : البارحة اتحاد الكتاب الكُرد- دهوك، الثلاثاء، 8-4- 2025، والساعة الخامسة، كانت أربعينية الكاتبة والشاعرة الكردية ” ديا جوان ” التي رحلت في ” 26 شباط 2025 ” حيث احتفي بها رسمياً وشعبياً، وبهذه المناسبة وزّع ديوانها: زكاة الحب Zikata evînê، الصادر عن مركز ” خاني “للثقافة والإعلام، دهوك،…

فواز عبدي

 

في نقّارة، قريتي العالقة في زاوية القلب كقصيدة تنتظر إنهاء قافيتها، لم يكن العيد يأتي… بل كان يستيقظ. ينفض الغبار عن روحه، يتسلل من التنّور، من رائحة الطحين والرماد، من ضحكةٍ انبعثت ذات فجرٍ دافئ ولم تعد ، من ذاكرة عمّتي نوره التي كانت كلما نفخت على الجمر اشتعلت معها الذكريات..

تنّورها الطيني الكبير، ذاك…

شكري شيخ نبي ( ş.ş.n)

 

والنهد

والنهد إذا غلا

وإذ اعتلى

صهوة الثريا وابتلى… ؟

فما ضل صاحبك

ولا جرى في الغوى… !

 

والنهد

اذا علا

حجلين اضناهما

الشرك في اللوى

او حمامتين

تهدلان التسابيح في الجوى… ؟!

 

والنهد

اذا غلا

عناقيد عنب

في عرائش السما… ؟

توقد الجلنار

نبيذا في الهوى… !

 

والنهد

اذا غلا

وإذ اعتلى صهوة الثريا والنوى

تنهيد في شفاه التهنيد…؟

كالحباري

بين مفاز الصحارى

اضناه

مشاق اللال والطوى… !

 

والنهد

اذا علا

وإذ اعتلى كالبدر وارتوى… ؟

فما ضل صاحبك

ولا وقع في شرك…