الفارسُ الوسيمُ ، بينَ الواقعِ الخيالِ

أمل حسن

في وسطِ زخَّاتِ المطر و شذى الحُبِّ ورحيق الزهر و قطرات الندى
 ، مع نسيم الهواء والسنابل الخضراء و أشجار السلام يستيقظُ الإنسانُ معَ شروق الشمس، يبحثُ عن الكلمات مع أنشودة الصباح و تغريدةِ المساء بقلم الرجاء والصفاء، يترقبُ شموعَ الأملِ ، و يرقد المرءُ إلى ظِلِّ الذكريات، يبحث عن نبتة أو روايةٍ ، يكتبُ بما يشعر به من الأحاسيس التي كانت و ما زالت تجولُ داخلَهُ نحوَ أشياء معينة كانت تعيشُ معه ، و وسط أحلامه المهجورة وخياله الواسع يناشدُ الزمن رغم كثافة التعب لآماله المحطمة التي ضاعت منه مع الأيام و الأحداث،
 و بما حصلَ للبلاد والعباد في ظل هذه الثورة اللئيمة التي سيطرت على كلِّ شيء ، و أُشعلتْ فيه شراسةُ نيران الغضب من كل الجهات ، و في كل بقعة من  أنحاء الوطن ، وانتشرَ مع لهيب نيرانها الحقدُ والحسدُ والفسادُ و المرضُ في تلك الأرض الطاهرة ، حتَّى غابَ عنه الأمنُ والأمان و ينابيع المحبّةِ وهديلُ السلام ، مع تساقطِ الأوراقِ في فصل الخريف ، و معَ الرياح الهوجاءِ وعواصف الهجرة تستمرُّ القصصُ و الحكاياتُ في تلك الظروف الصعبة، عندما ينظر المرءُ إلى الحياة ويلتفت إلى الخلف لا يرى سوى وحوش مفترسةٍ تلتهمُ الأخضر واليابسَ ، عندئذٍ يُصابُ بالخيبة وفقدان الأمل ، و لا يجدُ نفسه إلَّا رُكوعاً أمام القدر ، وتنهضُ الأمُّ الحنونة و السيدة الحزينة من كيانها العظيم ، و هي حافيةُ القدمين تمسكُ بيد أطفالها الأبرياء، وتقول  لهنَّ : هيَّا بنا يا أحبائي ، لكي نسيرَ مع موجة اللجوء و نسلكَ طريق الهروب ، ونمشيَ مع الزمن إلى حيثُ يأخذنا القدرُ خلفَ أسوار المدينة ، نرافقُ المشرَّدينَ لكي تتمكَّنوا من العيش بسلام بعيداً عن أصوات القذائف والقنابل التي دمَّرتِ البلادَ ، و هكذا شاءَ القدر أنْ تكونَ تلكَ السيدةُ وأولادها بينَ قوافل اللجوء هاربينَ من الظلم والاضطهاد ، و يبنوا حياتهم من جديد في ظِلِّ جحيمِ المخيمات ، وترى ما كانت لا تتمناهُ أمامَ الأنظار أشياءَ ومواضيعَ ومشاكلَ وكيفيةَ التعامل مع اللاجئ من قِبَلِ بعض الفاسدين ، و لم يكن باستطاعة أصحاب النفوسِ العظيمة تقبُّلَ هذا الوضع ، و لهذا تعرضتْ تلكَ السيدةُ لشتى أنواع الظلم والعنف ؛ بسبب بعض الحاقدين من قِبَلِ أصحاب النفوس المريضة الذينَ كانوا يديرونَ المخيمات و يتحكَّمونَ بها ، و رغم ذلك فلم تتوقفْ تلك السيدةُ يوماً عن الجهاد والنضال ، وكانت تطالبُ بحقوقها و حقوقِ الآخرينَ ، و أمثالها كثيراتٌ ، و كانت دائماً تنظرُ إلى الحياة بعمق ، و تلتجئ كلَّ مساءٍ إلى أوراقها المتساقطةِ وكلماتها المعبرة ضمن صفحتها المتواضعة و تتفاءَلُ رغمَ جُرحها العميق بأنَّ هناك شيءٌ يأخذها الخيالُ إليه، و تبحثُ عنه ما بينَ الحروف والمعاني، و ترسمُ في مخيلتها صورةً مُعبرةً لفارسٍ وسيمٍ  و خيالٍ أصيلٍ ، و هو على صهوة الفرس ما بين الخيال والواقع ، ينتظرها  بكلِّ الحُبِّ و السرور خلفَ أحلامها المشردة ، يأتي نحوها  و يأخذُ بيدها إلى آفاق المجد و ثناء النصرِ ، و يُخلِّصها من كلِّ المعاناة والمأساةِ التي مرتْ بها في الحياة  ، و بتلك الأحلام الرائعة والليالي الهادئة كانت تلك السيدة تتابعُ مسيرة المقاومة في سبيل العيش بكرامة ، و تخططُ لمستقبلها بإنجازاتٍ و أعمال بارزة و أهداف لا بُدَّ من  تحقيقها على أرض الواقع مهما كانتِ العواقبُ ؛ لأنَّ الإرادة هي القوة ، والقوة تبدأ من شجاعة الإنسان ، و خاصة حين يمتلكُ الإنسانُ بصيصَ الأملِ في سبيل النجاة ، ويحتفظُ في أعماق قلبه حباً سرمدياً .
و تختبئ دموعُها و تظهر قويةً رغم الانهيارات داخلها من أجل أن تنتصرَ في معركة الحُبِّ والحياة ، إلى أن تلتقيَ بذاكَ الفارس الوسيم الذي تحيا معهُ بينَ الواقع و الخيالِ .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم محمود

أول القول ومضة

بدءاً من هذا اليوم، من هذه اللحظة، بتاريخ ” 23 تشرين الثاني 2024 ” سيكون هناك تاريخ آخر بحدثه، والحدث هو ما يضفي على زمانه ومكانه طابعاً، اعتباراً، ولوناً من التحويل في المبنى والمعنى القيَميين والجماليين، العلميين والمعرفيين، حدث هو عبارة عن حركة تغيير في اتجاه التفكير، في رؤية المعيش اليوم والمنظور…

حاورها: إدريس سالم

ماذا يعني أن نكتب؟ ما هي الكتابة الصادقة في زمن الحرب؟ ومتى تشعر بأن الكاتب يكذب ويسرق الإنسان والوطن؟ وهل كلّنا نمتلك الجرأة والشجاعة لأن نكتب عن الحرب، ونغوص في أعماقها وسوداويتها وكافكاويتها، أن نكتب عن الألم ونواجه الرصاص، أن نكتب عن الاستبداد والقمع ومَن يقتل الأبرياء العُزّل، ويؤلّف سيناريوهات لم تكن موجودة…

إبراهيم أمين مؤمن

قصدتُ الأطلال

بثورة من كبريائي وتذللي

***

من شفير الأطلال وأعماقها

وقيعان بحارها وفوق سمائها

وجنتها ونارها

وخيرها وشرها

أتجرع كؤوس الماضي

في نسيج من خيال مستحضر

أسكر بصراخ ودموع

أهو شراب

من حميم جهنم

أم

من أنهار الجنة

***

في سكرات الأطلال

أحيا في هالة ثورية

أجسدها

أصورها

أحادثها

بين أحضاني

أمزجها في كياني

ثم أذوب في كيانها

يشعّ قلبي

كثقب أسود

التهم كل الذكريات

فإذا حان الرحيل

ينتبه

من سكرات الوهم

ف

يحرر كل الذكريات

عندها

أرحل

منفجرا

مندثرا

ف

ألملم أشلائي

لألج الأطلال بالثورة

وألج الأطلال للثورة

***

عجبا لعشقي

أفراشة

يشم…

قررت مبادرة كاتاك الشعرية في بنغلادش هذه السنة منح جائزة كاتاك الأدبية العالمية للشاعر الكردستاني حسين حبش وشعراء آخرين، وذلك “لمساهمته البارزة في الأدب العالمي إلى جانب عدد قليل من الشعراء المهمين للغاية في العالم”، كما ورد في حيثيات منحه الجائزة. وتم منح الشاعر هذه الجائزة في ملتقى المفكرين والكتاب العالميين من أجل السلام ٢٠٢٤…