رواية الشاعر والأمير- ميرنامه

 

رواية تاريخية، وبقدر شاعريتها فهي تتطرق لقضية أزلية مهمة (الصراع بين المثقف والسلطة)، أصدرها الكاتب جان دوست باللغة الكردية عام 2008 ثم نقلها بنفسه للعربية، وقد صدرت ضمن مطبوعات “كلمة” عام 2011، وبمجرد أن تبدأ في قراءة “ميرنامه – الشاعر والأمير”، تعلم منذ البداية أنك بصدد قراءة عمل تاريخي يرصد حياة أمير الشعراء الأكراد (أحمد الخاني) الذي يقول لنا الكاتب إنه عاش في السنوات ما بين (1651-1707)، وكان نداً للأمير ولم يستجب لأوامر تبجيله أبداً، ومنذ الصفحة الأولى أيضاً، نعرف أن هذا الشاعر سيظل بطلاً أسطورياً ورمزياً حاضراً بالحديث عنه من خلال الشخصيات التي عاصرته، دون أن يكون موجوداً زمن القص الروائي، حيث سنقرأ طقوس دفنه منذ الصفحة الأولى.
أثناء دفن الشاعر في مسجده يهطل مطر، ولكنه ليس أي مطر، إنه حبر، الحبر المعطر الذي تعلم الشاعر أن يصنعه في شبابه على يد حبيبته التي زوجها أبوها من دباغ جلود غني”، هذا الاستهلال سيحدد مسار الرواية وأسسها، فالشاعر كان عاشقاً يصنع حبره المعطر بنفسه، وبهذا الحبر سيكتب وسيحارب أو سيقف في وجه الأمير الذي لن يجد وسيلة لإسكاته سوى بتدبير عملية قتله على يد أحد القتلة، المهم في الرواية، أنه وعلى الرغم من الأسطورية التي أطر بها الكاتب شخصية الشاعر منذ البداية، إلا أنه حين جعل من يسرد حياته مجموعة من الشخصيات التي عاصرته التي بلغ عددها 21 شخصية، فإن تجاوز فكرة التقديس وجعل هذه الشخصيات لا تتفق جميعها مع الشاعر، بل اتفق بعضها معه واختلف الآخر، وتناقض، بل وثار ضدها البعض الآخر.
قامت الشخصيات الـ 21 بدور محوري آخر هو الحديث عن الحياة الاجتماعية الكردية وطقوسها الثقافية، ما فتح المجال للتعرف على حياة الأكراد جيداً، ولفهم فكرة “التسميم” بشكل أكثر اتساعاً من مجرد القتل الفردي، فالشيخ الخاني يؤكد أكثر من مرة أنّه مسمّم بالتاريخ الذي لم يرحم فيه الأكراد أنفسهم، حين ظلوا مرتهنين لرغبات وأجندات الآخرين وتعليماتهم، ما يعني أن “التسميم” كان ثيمة مهمة في العمل، والتاريخ كان ضرورياً للقول إن أحمد الخاني مثقف موجود في كل الأزمنة حتى وإن كان قد مات بشخصه كشاعر كردي، إن الإسقاطات التي وردت في العمل صارخة بلا شك، خاصة تلك التي تناولت دور سيادة المال، وتواطؤ رجال الدين مع السلطات العثمانية والتحايل على البسطاء بترويج فكرة الجهاد وإغرائهم بالغنائم والجنان!
بشكل عام، فإن الرواية ناقشت العلاقة الملتبسة دوماً بين المثقف والسلطة، حيث تحضر السلطة بنفوذها عبر شخصيات ومواقف وقرارات، ويحضر المثقف في رمزية “الحبر” كحامل أساسي معبر عنه، أما حين يجعل المؤلف الحبر معطراً، فإنما ليحكم الخناق على السلطة بإضعاف موقفها وهللة مكانتها، إذ تقتل شيخاً شاعراً وعاشقاً مسالماً يكتب بحبر معطر، وهنا تأتي قمة التمجيد لفعل الإبداع الخالد المتحرر من نفوذ السلطة، والعارف بتسميمها له مقدماً، قبل أن يموت، وذلك بتجاهله وتسميم روحه وتشويه فكره وتقديم من لا أهلية لهم ولا قيمة على العلماء وأصحاب الفضل، إمعاناً في مضاعفة شعور الاغتراب لديهم، وهذا قمة التسميم بالفعل.
الرواية عمل جميل فعلاً.
عائشة سلطان- جريدة الاتحاد الإماراتية

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عبد الستار نورعلي

أصدر الأديب والباحث د. مؤيد عبد الستار المقيم في السويد قصة (تسفير) تحت مسمى ((قصة))، وقد نشرت أول مرة ضمن مجموعة قصصية تحمل هذا العنوان عن دار فيشون ميديا/السويد/ضمن منشورات المركز الثقافي العراقي في السويد التابع لوزارة الثقافة العراقية عام 2014 بـحوالي 50 صفحة، وأعاد طبعها منفردة في كتاب خاص من منشورات دار…

فدوى كيلاني

ليس صحيحًا أن مدينتنا هي الأجمل على وجه الأرض، ولا أن شوارعها هي الأوسع وأهلها هم الألطف والأنبل. الحقيقة أن كل منا يشعر بوطنه وكأنه الأعظم والأجمل لأنه يحمل بداخله ذكريات لا يمكن محوها. كل واحد منا يرى وطنه من خلال عدسة مشاعره، كما يرى ابن السهول الخضراء قريته كأنها قطعة من الجنة، وكما…

إبراهيم سمو

فتحت عيوني على وجه شفوق، على عواطف دافئة مدرارة، ومدارك مستوعبة رحيبة مدارية.

كل شيء في هذي ال “جميلة”؛ طيبةُ قلبها، بهاء حديثها، حبها لمن حولها، ترفعها عن الدخول في مهاترات باهتة، وسائر قيامها وقعودها في العمل والقول والسلوك، كان جميلا لا يقود سوى الى مآثر إنسانية حميدة.

جميلتنا جميلة؛ اعني جموكي، غابت قبيل أسابيع بهدوء،…

عن دار النخبة العربية للطباعة والتوزيع والنشر في القاهرة بمصر صدرت حديثا “وردة لخصلة الحُب” المجموعة الشعرية الحادية عشرة للشاعر السوري كمال جمال بك، متوجة بلوحة غلاف من الفنان خليل عبد القادر المقيم في ألمانيا.

وعلى 111 توزعت 46 قصيدة متنوعة التشكيلات الفنية والجمالية، ومتعددة المعاني والدلالات، بخيط الحب الذي انسحب من عنوان المجموعة مرورا بعتبة…