أسياد الغابة

إبراهيم محمود
الخبر الذي أعلن عنه مراسل قناة ” الهدهد ” الطبيعية، عن اجتماع أسياد الغابة والمكوَّن من كل من الأسد، الفهد، النمر، الضبع، والذئب، كان له دويّه في الغابة والجوار، نظراً للموقف من هؤلاء الأسياد، بغضّ النظر عن النتائج التي سيتمخض عنها اجتماعهم، إذ تبعاً لما ورد على لسان الفيل، وهو يهز خرطومه يمنة ويسرة، أن النتائج معلومة مسبقاً، أم تراهم سيعلنون التوبة، وسوف يصبحون نباتيين مثلنا بالتالي؟ وعلَّق وحيد القرن بقوله: أعرفهم جيداً، أنا نفسي لم أسلم منهم، رغم جلدي السميك، وكان تعليق الغزال طريفاً: الأغبياء وحدهم يعطون قيمة لاجتماع من هذا النوع، سأصوم أسبوعاً بكامله، ندراً، إذا حصل ما هو غير متوقع .
كان أول المتكلمين هو الأسد، وهو بلبدته، وضخامة رأسه، وصوته الجهوري: أخوتي في الطبيعة، علينا أن نكون أكثر ضبطاً لأنفسنا، واحتراماً لبعضنا بعضاً، لئلا ينفد غذاؤنا .
كان أول من سر هو الذئب، حين رد: هكذا عهدناك، هكذا أنت. لا بد من التدقيق فيما سنقوم به، وكيف يكون تعاملنا مع بعضنا بعضاً. الفهد، لم يكن أقل حماساً من رد فعل الذئب، رغم أنه وهو المجاور له، شعر بالدونية كونه بالقرب منه، سوى أنه تحامل على نفسه، وحاول الكلام، بالطريقة التي يُشتمُّ منها أنه متحسس من موقعه، ومما يسمع: أؤكد على كلام جاري الذئب، إن عدم التخطيط يؤدي إلى بلبلة تفرّق من وجِدوا ليلبوا حاجتنا من الطعام، وحينها ستزداد مشاكلنا، والأكثر من ذلك، سوف تتضاعف حساسيتنا، الأمر الذي يثير سخرية أولئك منا بالفعل. ولم يكن الضبع ببعيد عن الأسد، كما هو مخطط في الجلوس، لم يكن أقل حماساً من البقية، حين رفع رأسه، وبصوت مسموع من جهته : هو ما ينبغي علينا الالتزام به، حرصاً على مصلحتنا جميعاً. 
لم يشأ النمر التزام الصمت طويلاً، خصوصاً وأن الأسد كان يرمقه جانباً، مقدّراً أنه لا بد من إبداء رأي فيما هو متداول، بصدد المقبل من الأيام، وعلاقات أسياد الغابة وكيف ستكون، وفق ميثاق جديد تنتظم على أساسه، وإن كان الأسد هذا، وهو في ثقته المعتبرة بنفسه، متحفظاً في قرارة نفسه على العبارة، لأنه يعلَم جيداً أن فيها شراكة، أي لن يكون ملك الغابة، أو سيّدها بعدها، لكنه، وباعتباره المأخوذ بعين الاعتبار بقوته وعلو صيته، فقد آثر تجاهل هذه النقطة، وكأنها غير موجودة، طالما أن ليس في مقدور أي كان منافسته على المكانة، أو مزاحمته في طريدته أو وليمته اللحمية، أو حتى الاقتراب منه تحسباً لما لا يسرُّ، ليسمع صوت النمر، وقد باعد ما بين شدقيه قليلاً: إنني موافق تماماً على ما تقولونه. قال ذلك، وهو يدرك ما عليه هو نفسه من خفة، وقدرة على الوثب، والقبض على فريسته سريعاً عموماً.
علَّق الأسد: حسن، هو ما نريده جميعاً، بعد أسبوع سيكون اجتماعنا الآخر، للمضي على النتيجة، ليعرف كل منا حدوده، والأهم، كيفية احترام الآخر، والاقتصاد في ما يصطاده . قاله، وهو يبتسم في عبّه، لأنه مرئي من الجميع، ومرهوب الجانب من الجميع كذلك .
ما أن انفضّ الاجتماع، حتى كان هناك اتصالات متعددة المستويات، إذ سرعان ما حاول الوشق، ومن بعده القط البرّي الاقتراب من الأسد، وهو يعرض عليه خدماته، في ضوء ما تناهى إليه من معلومات، من مثل: سوف أكون عيناً حارسة لك، وأعلِمك بطرائدك عند اللزوم، إنما لا تحرمنا من حصتي من اللحم، لأكون أكثر يقظة، وإيصالاً للمعلومات التي تهمك .
حتى العقاب نفسه، بدا يتقرب من الأسد، وهو يعرض عليه خدماته بالمقابل، من نوع: من عليائي، سوف أشير إلى طرائدك السمينة، إنما بالمقابل، لا تحرمني من جانب مما يصطاد.
هكذا جرت اتصالات شتى، كما في حال ابن آوى وابن عرس، في اتصالهما بالذئب، وهما يعرضان عليه خدماتهما للأمر نفسه. هكذا كان الثعلب والنمس في تقربهما من الفهد، وغير ذلك من الاتصالات التي شهدت حركة دؤوبة في المكان، أثارت بقية الحيوانات في حفيظتها.
ولعل اللافت هو كما توقع المراقبون، ممن هم في الغابة والجوار، وحيث كان الأكثر إثارة للجلبة القرد والذي كان يزعق، ويثب من شجرة إلى أخرى، وهو يصيح: الأخطر الأعظم قادم .
في الاجتماع المقرّر، لم يكن الجو مشجعاً، من خلال نظرات السادة المعنيين، حيث إن لهجة الأسد لم تكن كما كانت، لما فيها من نبرة تعال ٍ، ولا كانت لهجة الفهد، بأقل حدَّة، لما فيها من نبرة أنفة وكبرياء، وهكذا الحال بالنسبة للضبع، وكذلك الذئب الذي اشتكى مما يجرى، وهو يقول: كنا نتمنى أن ندخل في عهدة علاقات جديدة، سوى أن هناك من أحال دون ذلك . كان الأسد هو المبادر بالقول: أنتم تعلمون جميعاً، أنني أنا نفسي، كنت المتلهف إلى عقْد اجتماع كهذا، سوى أن هناك من يريد لعلاقات جديدة أن تتم، وأنتم تعرفون أصلي وفصلي. كان الفهد بدوره المبادر الثاني بالكلام، وبطريقة لا تخفي انفعالها، وعلى طريقة الأسد، وهو يتفاخر بحسبه ونسبه، وانتهاء بالذئب الذي أشار إلى الذين يحلفون باسمه، ويمنحونه مكانة كبيرة من البشر.
أشار الأسد وبإيجاز شديد، إلى وجوب أن يرجع كل منهم إلى حيث يكون في طبيعته.
من كانوا في الخارج كانوا على أحر من الجمر، وهم في هرج ومرج، مما يمكن أن يجري.
في لحظة ما، ساد صمت متوثب، ومطبق، حين شاهدوا بالأعين المجردة، كيف اندفع سادة الغابة، وكل منهم في اتجاه، وليحصل تدافع من قبل الجميع، وصوت: فلينجُ كل منكم بجلْده.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ابراهيم البليهي

لأهمية الحس الفكاهي فإنه لم يكن غريبا أن يشترك ثلاثة من أشهر العقول في أمريكا في دراسته. أما الثلاثة فهم الفيلسوف الشهير دانيال دينيت وماثيو هيرلي ورينالد آدمز وقد صدر العمل في كتاب يحمل عنوان (في جوف النكتة) وبعنوان فرعي يقول(الفكاهة تعكس هندسة العقل) وقد صدر الكتاب عن أشهر مؤسسة علمية في أمريكا والكتاب…

عبدالرزاق عبدالرحمن

مسنة نال منها الكبر…مسكينة علمتها الزمان العبر..

بشوق وألم حملت سماعة الهاتف ترد:بني أأنت بخير؟ فداك روحي ياعمري

-أمي …اشتقت إليك…اشتقت لبيتنا وبلدي …لخبز التنور والزيتون…

ألو أمي …أمي …

لم تستطع الرد….أحست بحرارة في عينيها…رفعت رأسها حتى لا ينزل دمعها،فقد وعدت ابنها في عيد ميلاده الأخير أن لا تبكي ،وتراءى أمام عينيها سحابة بيضاء أعادتها ست سنوات…

فراس حج محمد| فلسطين

في قراءتي لكتاب صبحي حديدي “مستقرّ محمود درويش- الملحمة الغنائية وإلحاح التاريخ” ثمة ما يشدّ القارئ إلى لغة الكتاب النقدية المنحازة بالكلية إلى منجز ومستقرّ الراحل، الموصف في تلك اللغة بأنه “الشاعر النبيّ” و”الفنان الكبير” “بحسه الإنساني الاشتمالي”، و”الشاعر المعلم الماهر الكبير” “بعد أن استكمل الكثير من أسباب شعرية كونية رفيعة”. و”المنتمي…

جان بابير

 

الفنان جانيار، هو موسيقي ومغني كُردي، جمع بين موهبتين إبداعيتين منذ طفولته، حيث كان شغفه بالموسيقى يتعايش مع حبّه للفن التشكيلي. بدأ حياته الفنية في مجال الرسم والنحت، حيث تخرج من قسم الرسم والنحت، إلا أن جذوره الموسيقية بقيت حاضرة بقوة في وجدانه. هذا الانجذاب نحو الموسيقا قاده في النهاية إلى طريق مختلف، إذ…