ريبر هبون
جرأة طرح هذا الكتاب وجدّة الفكرة من قبل الكاتب محمد شيخو نقطة مهمة يستوجب التنويه لها حيث يعتبر الكتاب من الكتب النقدية القليلة التي تنتقد الإسلام أنموذجاً وبشكل مباشر وبطريقة أكاديمية بعيداً عن المزاجية الذاتية، حيث يضع الكاتب عقله صوب مقارنة ما بين الدين والأسطورة وأوجه التشابه فيما بينهما من حيث الزمن، أقدمية أحدهما على الآخر وأثرهما الدامغ على المجتمع بالأخص الطبقات الفقيرة إن في تشكيل وعيها أو في تحديد نمط معيشتها وقد أدرك الكاتب خطورة التأثير الديني كونه إحدى بوابات غسيل الأدمغة، حيث يمكن من خلالها السيطرة على العقل وجعل الإيمان وسيلة إدمان لارتكاب ما يريده المؤثر بلاغياً على ذلك الفرد الغض فيقول هنا ص55 : “إن أخطر مافي ظاهرة غسيل الدماغ هو ما ينتجه من تطرف وإرهاب ولاسيما في مجال الدين.”
فغسل الأدمغة يتم من خلال توجيه الفكر الإنساني حيثما يريد الموجه ، ولاشك أن كثرة الجماعات التبشيرية والأقنية الدينية ودور العبادة تمثل المناخ المستتب والدائم في كل وقت لإنتاج نمط حياة وتفكير فردي محدد بحدود يفرض ذلك على المجتمعات ذهنية معينة إذ تكبح من جماح أفرادها للحيلولة دون تطلعهم للأمام، لهذا يمنع نقد الدين بشكل مباشر ويدرج ضمن تهمة الإساءة للمعتقد حيث بات قانوناً تلتزم به الدول كافة كونها ترى الدين وتعتبره خير وسيلة كابحة ومتحكمة بالوعي الإنساني، حيث يعتبر مؤثراً عاطفياً وحاجة بالنسبة لمتوسطي الإدراك وميسوري الحال.
كذلك إشادته بنظرة نيقولا ميكافيلي وقياس فكره مع بدايات نشوء السلطة الإسلامية وتعامل محمد مع اليهود وكذلك خصومه ممن هجوه مثالاً أم قرفة حيث يقول هنا ص66 : “أمر زيد ين حارثة بقتلها بعد أسرها، لأنها كانت تسب النبي ، وكّل المأمور بقتلها قيس بن المحسر،فربط برجلها حبلين ثم ربطها إلى بعيرين وزجرهما ، وقيل فرسين فركضا فشقاها نصفين.”
مما يتبين لنا أن الدين لا ينقطع عن السياسة منذ نشوئه ولغاية وقتنا الراهن، إذ يعتبر بوقاً يتم نفخه لاستنفار الناس وجمعهم وتجنيدهم في الحروب المستمدة أدبياتها من التاريخ والغزوات، يذكر محمد شيخو دور رجال الدين في تصفية المعرفيين وإنساب تهم الهرطقة إليهم ، وقد استطاع معرفيو أوروبا في عصر النهضة من كسر تابوهات الدين فقدموا للمجتمعات من بعد ذلك علوماً ومعارفاً وطفرات على صعد الطب والفيزياء والفلك وعلم النفس وغيرها من العلوم والابتكارات مما انهارت سطوة الدين بتأثير منجزاتهم وأفكارهم على المجتمع.
حيث يشير محمد شيخو هنا إلى نقطة غاية في الأهمية ص95 : ” وفي العصر الحديث أثبتت الدراسات والبحوث أن الإنسان كلما ازداد علماً وذكاء قل احتمال أن يكون متديناً.”
فالاعتقاد يجعل الذهن ضامراً كسولاً مسلِّماً بجملة تعاليم يعجز على القفز عليها أو تجاوزها ، حيث أضيف إلى ما ذهب إليه الكاتب لأقول أن الإيديولوجيات الحزبية الشمولية تلك المنبثقة عن الأدبيات الشيوعية أو القومية والتي هي من مخلفات الحربين العالميتين نهجت مسلك رجال الدين في انقضاضها على كل محاولة حقيقية وهاجة لتغيير حياة المجتمع نحو الأفضل، فلجأت لممارسة ذات السلوك عربياً ، كوردياً وشرق أوسطياً في عبادة رموز الحزب والسلطة حد التصوف والبلادة الذهنية.
إن مواجهة آثار الخرافة على حياتنا كمجتمعات شرق أوسطية ورفع سطوة الدين على عقول الناس تعد وظيفة هذا الكتاب الذي سلط الضوء بجرأة فقد أراد محمد شيخو تعرية كل ما وضع في قالب الإيمان التلقائي، إذ كلما تجلت المعرفة واتسع التدبر فيه، كلما قل التأثير الديني في حياتنا المعاصرة واتسعت المدارك وكثرت المواهب، حيث يبين الكاتب تمايز الأخلاق عن الأديان، من حيث أن الأخلاق أسبق ومتصلة بفطرة الإنسان وطبيعته الأساسية حيث يرى المعرفي تشارلز داروين : ” إن بداية الأخلاق لم تأت أصلاً تطوعاً، أو كأعمال مجيدة نادى بها الحكماء والأنبياء من فراغ، لقد أتت كضرورة بيولوجية تساعد على بقاء النوع.”
حيث يرى أن الأخلاق متأتية من الغريزة والعادة، إذ لا علاقة له بالدين بل بالطبيعة البيولوجية للإنسان، فالمتدين هو شخص يرتكب أي شيء طالما لم يجد نصاً أو رادعاً دينياً يمنعه من ذلك كون كل تصرف يخرج منه بناء على الوعد بالجنة والوعيد بالنار، فإن بطل الوعد والوعيد فسيطلق العنان لشروره وأنانيته وغرائزه الجنسية والعنفية بسبب غياب الرادع الديني، بيد أن الأخلاق لا تتعلق بالترغيب أو الترهيب وإنما هي أشياء فطرية يسمو من خلالها الموجود البشري ويشعر بالتوازن حيث يستشهد الكاتب بمقولة أنشتاين الذي قال : “لو أن الناس صالحون فقط لخوفهم من العقوبة وطمعهم بالمكافأة فإننا صنف يؤسف لنا بالتأكيد.”
-خلاصة:
وقع الكاتب في تكرار أفكاره في معرض نقده للدين الإسلامي في جزئية تصفية محمد لخصومه وخاصة اليهود وكذلك لم يقدم الحل البديل أو خطط بديلة لمواجهة ما رأه المشكلة وإنما اكتفى بالتحليل وبيان البراهين والأقاويل لتشخيص المعضلة الدينية، وقد ركز على الإسلام ونقده دون غيرها من الأديان مقارنة بعنوان كتابه العام، وفي باب كشف الأخطاء البلاغية في القرآن ، أجاد الكاتب الإيغال في سبر المشكلة كاشفاً العلل بتجرد وموضوعية هنا ص134 : (ولا يراعي القرآن في كثير من الأحيان وحدة الموضوع، إذ تراه ينتقل من موضوع إلى آخر دون تمهيد أو مقدمات ومن ذلك مثلاً قوله: “و إن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع.” ولست أعلم ما العلاقة بين موضوع اليتامى وموضوع النكاح.)
وقد أشار إلى كثرة الكلمات ذات الأصول غير العربية في القرآن وقد بين الكاتب مسألة استفادة العرب من الآيات القرآنية التي يناسب جوهرها مضمون حياتهم الصحراوية القاسية فقد أباح القرآن لهم باسم الجهاد ونشر الإسلام الغزو وسبي النساء تحت مظلة الفتوحات فمارسوا ما كانوا يمارسونه بالأصل في الصحاري كوسيلة من وسائل العيش وكسب الرزق من خلال رأس الرمح، فيصح بالتالي أن يكون عنوان الكتاب الإسلام ما بين الأسطورة والحقيقة ، حيث يعتبر الكتاب إحدى الكتب التي تنضم لمكتبة التنوير والنقد الديني وضرورته كامنة في إيقاد شعلة النور وثورة العقل بوجه الظلام والظّلام والظلاميين ممن يحاولون إرجاع العصر الحالي لبطن التاريخ الوحشي وإخماد جذوة الطموح المعرفي لدى المعرفيين وإضاءتي لهذا الكتاب هو جزء من عملية التفاعل والتأثير وعقد الصلة ما بين النتاج الموضوع والنقد الممحص الهادف لنشر المعرفة.