الترجمة عن الكردية مع التقديم: إبراهيم محمود
صحيح أن الشعر ليس له زمان ومكان، إنه محرَّر من العمر، جهة إبداعه، وتجاوباً مع محتوى الإبداع هذا. لكن تجاهل الزمان والمكان والعمر، تعدّ على اسمه، ومقامه، بمقدار ما يكون تجاهلاً للشاعر عمراً ومكاناً وزماناً.
دون ذلك كيف يتحدد العمر في تأريخه، في عمر قائله، ومحل كل ذلك من إعراب الجمال ونوعيته؟
في مساءلة الشّعر يدلي الإبداع بشهادته، يقضي بالفصل بين المعهود وغير المسبوق. إنه ما كان يُسمى به ماضياً، وما يقوم عليه حاضراً، وما يحاول تجاوزه ليكون نزيل الآتي والتالي عليه، وليس من مسوّغ لكل ذلك إلا لأنه كائن إبداعي ، أو حامل إبداع، وفيه وبه ما يعزز اسمه دقةً، ومفهومة سلاسة وانفتاحاً، وعالمه ثراء معالم، وانكشاف جديد، فيه وبه يتنفش الشعر حياته الفعلية.
لا يعود الشعر في الحالة هذه مجرد تسطير أو رصف كلمات كما هو المعهود كثيراً، إنما ما يُخرج الكلمات عن طورها، ما ينبّه النحوي حين قراءته، أن ثمة خروجاً عن مألوفه، ويضع القارىء أمام عالم محرّر مما هو خرائطي، وليس ما تراه العين من سقط التشبيه والنظم مُوالي السجع، في ذمة شعر براء منه، وما تسمعه الأذن من قول يخون حتى قانون كتابته قواعدياً، وليس خيانة المتداول من القول، توخياً لما يُعهَد به خيال نسيج اسمه المختلف، المتنكر لأصله دائماً، حيث أصل الشعر هو أنه دون أصل، إنما ما يجتهد فيه الشاعر هنا، كمثال، في ابتداع نصوصه، أصول قائمة بذاتها، تحمل بصمة قائلها أو كاتبها.
في قراءة هذه المختارات من مجموعة شاعرتنا الكردية مزكين حسكو( Ristek Lale ) الصادرة سنة ” 2013 ” ما يستوقف الناظر فيها. إنها ” قصائد مجموعتها ” تنتسب إليها: قائلتها وكاتبتها، لكنها تؤرّخ لتجربة زمانية ومكانية، تفيد قارئها بمعرفة تلك المسافة التي قطعتها، صوب مجموعات شعرية أخرى تلتها. مثلاً، جهة الربط بـ” مسارات خضراء- 2019 ” حيث يجد نفسه إزاء فصل المسافة القائمة، نوعاً من الانسلاخ عن حياة عرِفت بأفقها الشعري المسنجد، بمعايشة تجربة شعرية مغايرة، كما لو أن هذه” قلادة زنابق ” التي تبقيها في دائرة طور من التقليد، لا يعدِم تفاعله مع الحياة ونوعيتها، بالنسبة لتمثيلها الاجتماعي والقومي الكردي بالذات، لكن التسمية تعلَمنا بأمر آخر، تسمية تطلبت زمناً محسوباً بحمولة المخاض الإبداعي، وحضور الشاعرة بوصفها: الجديرة بلقبها. تجربة قراءة هذه المجموعة، وعبْر هذه المختارات منها، رهان تحولات المعنى الجمالي، وكيف يمارس الشّعر حيواته، ويتباين من واحدة لأخرى. والنظر في تلك المسافة الفاصلة بين مسلك أدبي شعري اسماً،فصل مسافة قائم، وآخر هو انعطافة خيال لا يخفي جموحاً روحياً، في مجموعات تالية.
إنه تنويه صغير، أردت به لفت النظر إلى إمكان الإقبال على قراءة أي نص، وأخْذه ربطاً مع السابق واللاحق عليه، لقياس المسافة الشعرية بوحدة الإبداع التي تعلّمنا كيف نتذوق المختلف.
مختارات
أياز يوسف
يا لصرخة وجع البلبل في عذْب لحن
عويل قلبك يا أياز
كلما التقى الهم والألم
الأرض أضمومة قصائد وأنغام
جميعاً.. زنابق .. ورود ورياحين
انهمرت من نعومة الصوت
اهتزت الصخور والحافات الجبلية
لم ينل منها التعب أبداً لأجلك
مكسور الخاطر كان لماذا رحلتَ
تركت زاخو منجرحة أيضاً
آلمت قلب ” دلال زاخو ”
الجبل القانط أوقعته في بؤس حال
إيا أياز لا يزال الكرد يبكون
صوتك مبدد الهموم
تربى سبي. ص11
***
القامة الشامخة
إلى محمد شيخو
آذار هو..
وقامشلو الحب
أصبحت كرنفال الحزن والحِداد
يهز المهد
في صمت..
يهدهد ولده
في صمت..
إنما القامة الشامخة
تبز النعشَ طولاً
وقامشلو تبكي وتسكب وتسكبها
وعندما أراك هكذا يا نسرين
يفيض القلب تنهدات وتأوهات
أيا جان جانى.. جانا الحلوة
هوذا أنا حي
صوت في الحياة
وإذا متُّ، يا أحياء
ادفنوني في ظل الجبل
ستعيش روحي إلى الأبد
أنا باز… باز برّي
أيا جانى…
اصبغي قبري بلون شقائق النعمان
إشراقة الصباح
ترتشف من صوتي
خمر التفاح
وماء السفرجل
أيا جان جانى.. جانا الحزينة
تعالي…
اجلسي جوار قبري
اضفري شعرك المنسدل
هناك
ألا تعالي
قلبي مهموم
فلتداويه… كيّاً
واشتلي زهرة وحدة الكرد
وسْط تربة القبر.
قامشلو..ص14
***
غربة
في مدينة غريبة ووحدي
وصحبتي تعاسة الدنيا وحسراتها
حولي فراغ بالكامل
لون الحياة أسود وأبيض فقط
دون سكَن ، دون أهل أنا أبداً
مدينة جميلة إنما القلب حزين
كثيرة هي العلل حولي
وقد سلبتني الفرح والطرب
والمطر نازل كله ألماً ووجعاً
علتي خطرة والتنهيدة من القلب
واه ٍ لي لكم قاسية هذه الغربة
واه ٍ لكم هي بائسة هذه السنة
أين هو الوعد والعهد أين هي الصداقة
أين ربيعي أين الحلاوة
أنادي الإله أين الرحمة
يحاصرني الألم والكدر وهذا البيت
أنادي أماه ماذا حل بي
استحالت الحياة سجناً آه ولا خلاص. ص19
***
هدية
باقة ورد
من صميم القلب
للعاشقة.. عنب الكرمة
أجعله هدية
أجعله هدية
ثلاث شمعات ومشاعل
ليل ظريفة
للعاشقة.. غصن الشجرة
أجعله هدية
أجعله هدية
وجه منفتح
ملامح وسيمة
للعاشقة.. وردة الشجرة
أجعلها هدية
أجعلها هدية
عزيمة الروح
بجمال
للعاشقة..تفاح الشجرة
أجعله هدية
أجعله هدية
تربى سبي 1988. ص 27
***
الخمر الكُردية
أيها الساقي، لا تهز تلك القامة
وأنت هكذا تنسكب هموماً دائماً
أيها الساقى، كُفْ عن توزيع الخمر تلك
أيا سيدتي، قرّبي زجاجتك من هنا
يا روح، متعة القلوب الكدر
الكدر سعادة، السعادة تحسرٌ
ألا اقتربي سيدتي، من هنا اقتربي
سنعدٌّ لنا خمراً جديدة . ص 32
” ملاحظة: هذه القصيدة، منشورة على الغلاف الخارجي للمجموعة، أسفل صورة الشاعرة “
***
نوروز
نحن مبتهجون ، ها قد أقبل نوروزنا
من التاريخ ، حل العيد والهدية
بوابة الربيع، شمس وقد أشرقت
مرامنا الاستقلال والتحرر
نوروز… نوروز
نوروزنا مبارك
هذه الحدائق والحقول قد تزينت بكاملها
بباقات الورود شباب دون هموم
بسيماء وردية فتيات رشيقات
نوروز.. يوم العلَم الملون
نوروز.. نوروزنا مبارك
سبعمائة عام قبل الميلاد
نوروز عيد الوجود والبقاء
انبعثت الغصون والأشجار من العدم
نوروز عيد ورأس سنَتي
نوروز نوروز
نوروزنا مبارك
كاوا شاب نشط وظريف
شمع مضيئ في قلب الربيع
يتوحد الليل والنهار، والزمن حليف
نوروز .. كتاب سنَة ورأس سنة
نوروز نوروز
نوروزنا مبارك . ص نوروز 1989 . ص 38
***
الليال الطوال
لا يا حلوتي
مخدتي التي أتوسدها
لا تعصريها
تيقَّني
أنها جميعاً هموم وأحزان وآلام
لا يا عزيزي
لا تشق
زوايا لحافي
الختام.. دائماً بكاء وعويل.
لا يا روحي
اليوم
لا تحرك فراشي
انظر
دموعي
قد انسكبت
لا… يا مدلَّلي
السرير الذي
جافى النوم عينيَّ عليه
لا تهزه
آمالي
قد غرقت فيه س . 1994 . ص 48
***
بذار الحياة
ألا فلتخرجي أيتها الفتاة من وسط الدخان
من حقك الحياة والعيش
بنات العالم وصلن إلى القمر
ولازلت أسيرة وأمّية
تعلّمي..اذهبي إلى المدرسة
لا تبكي أبداً يا لطيفة الروح وفاتنتها
لا تخطّبي بالمهر الغالي
لا تصبحي ألعوبة رخيصة
لا تنسي أبداً حلاوة اللغة
بذار الحياة ثقافتنا نحن الكرد
ألا فلتخرجي أيتها الفتاة من وسط الدخان
من حقك الحياة والعيش. قامشلو 1989. ص 53.
***
الأب الكبير
مرشدنا الدائم بارزان
عليه الشال والشابك باقيان
هوذا صمود من أجل الكرد
هوذا بطل ودليل إلى النهاية
وحده عزيمة وملحمة
وحده أسد الأسود
رجل من صلب أولئك الرجال
رجل سليل عظماء العظماء
في الحرب مقدام وبصير
في السلم ثلج الجبل
….
ألا انهض من القبر أيها الزعيم
أبهج العينين بكردستان
ألا أقبل يا الزعيم حيث الفرح والعرس
ألا يا الزعيم أفرِح صميم الروح
ألا أقبل أيها الزعيم إلى هذه الانتفاضة
أنت سيد كردستان
ألا أيها الزعيم روحك هنا دائماً
أنت الدم في شرايين خاني
ألا أيها الزعيم حلت روحك فينا
لنحيا عاش برزاني . تربى سبي 1991. ص 56 .
===