بِوَهْجَةٍ وَاحِدَةٍ فَقَطْ خُضَّ يُوسُفِي

  مُحَمَّد حِلْمِي الرِّيشَة
 
 1-
 
عَتَبَةٌ خِلْتُهَا أَخِيرَةَ القَلْبِ
أَوْجَسْتُ مِنْهَا فَكِدْتُ أَؤُوبُ،
لكِنَّ عَيْنَينِ نَضَّاحَتَيْنِ بِالشَّغَفِ
مَغْنَطَتْ حِكْمَتِي العَاجِلَةَ،

وَأَرْسَتْ طَيْشِيَ الشَّهِيَّ.
2-

 
وَمِيضُ صُدْفَتِهَا
لَمْ يَزَلْ يَجْذِبُ النَّبْضَةَ الأُولَى
مِنْ عُنُقِ بَهْجَتِهَا
لاَثِمًا بِلِسَانِ قَلَقِهِ العَارِيِّ
صُورَتَهَا – القَصِيدَةَ.
 
3-
 
يَا النِّدَاءُ الَّذِي غَطَّسَنِي،
رَغْمَ مِحْنَةِ المَسَافَةِ المُضَبَّبَةِ، 
فِي تَأَوُّهِ المَاءِ المَكِينِ:
لَكَ مِنِّي خُضُوعُ نَرْجِسِي
بِانْتَصَابِ العِقَابِ البَهِيِّ.
 
4-
 
بَعْدَ انْشِطَارِ البَابِ عَلَى مِصْدَاعَيْهِ؛
كَانَتْ عَيْنَاهَا طَائِرَيْ عُقَابٍ
يَذُودَانِ عَنْ ثَمَرَةِ صَبْرِي
بِانْحِنَاءِ جَنَاحَيْهِ البَرَّاقَيْنِ
فَوْقَ تَنَاثُرِ صَمْتِي.
 
5-
 
كَأَنَّهَا انْسِكَابُ نَغَمَاتٍ 
حِينَ شَقَّتْ أَصَابِعُهَا سَهْلَ عُشْبِي
كَوَرْدَةٍ تَتَفَتُّحُ فِي فَصْلِ وَصْلِيَ النَّحِيلِ،
وَصَاغَتْ أَنْفَاسَهَا مُتَّقِدَةً
لِـمَجْهُولٍ يَرْتَسِمُ رَغْبَةً وَانْتِظَارًا.
 
6-
 
مِثْلَ نُوَّارٍ مَكْنُونٍ يَضِجُّ أُلْفَةً
حِينَهَا سَرَتِ القَشْعَرِيرَةُ بِحَذَافِيرِهَا
كَدَبِيبِ نَمْلِ اللُّعَابِ:
“هَيْتَ لَكْ”
بِغُمُوَضٍ مَحْمُومٍ، وَانْهِيَارِ عُذْرِيَّةٍ عَذْبَةٍ.
 
7-
 
-: أَنْتِ.. يَا…
-: أَنْتَ.. يَا…
وَلَمْ تَكُنْ لُغَةٌ تَرَى فَرَاغًا بَيْنَنَا،
فَتَوَارَتْ خَلْفَ عُنْفِ خَجَلِهَا،
وَتَوَارَيْنَا نَفُضُّ الآهَ فِينَا.
 
8-
 
مُعَافَىً مِنَ التَّوَتُّرِ المَالِحِ
مُعَانِقًا سُكَّرَ الصَّلْصَالِ فِي مَدَارَاتِهِ؛
جِئْتُهَا ثَرِيًّا بِأَسْمَاءِ يَأْسِي،
وَقَاحِلاً كَأَحْشَاءِ قَمَرٍ عَقِيمٍ:
– مَنْ يَلِدُ الآنَ مَنْ؟
 
9-
 
أَحُكُّ رُوحِيَ بِمَرْفَأِ القَلْبِ
لأُصَدِّقَ حُلُمِي، أَوْ يَصْدُقُنِي؛
فَثَمَّةَ بِهَارُ مَاضٍ سَحِيقِ اليَأْسِ
يُزَوْبِعُ رَاقِصًا فِي خَاطِرِي،
وَيَنْبُشُ فِي جُرْحِ رَحِيقِي الرَّحِيمِ.
 
10-
 
تَشَعْشَعَتْ صَرْخَةً كَمَوْجٍ يَتَوَالَى
غَسَلَنِي ارْتِجَافًا حَتَّى كِدْتُ أَهْوِي
لَمْ أَكُنْ أَدْرِكُ أَنَّ قَطْفَتِي قَطْفَتُهَا،
وَأَنَّي شَجَرَةُ اللَّيْلِ وَهِيَ ثِمَارُهَا،
وَأَنَّهَا تَائِهةٌ وَقَصِيدَتِي دَلِيلِي.
 
11-
 
أَبْيَضُ النَّدَى فِي الحَنَانِ الثَّرِيِّ؛
أَيْقَظَ شَهَقَاتِ رُوحِي مِنْ بَيَاتِهَا المَكْمُومِ
أَنْقَذَ اسْمِيَ قَبْلَ تَسْمِيَتِي فِي تَجَوُّفِ التُّرَابِ
هكَذَا كَانَتْ/هكَذَا هِيَ؛
مَدْخَلُ ضَوْءٍ تَنِزُّ جُدْرَانُهُ حَاءً لابْتِلاَعِ عُرْيِي.
 
12-
 
لُغَةٌ لِلُّغَةِ
صُورَةٌ صَافِنَةٌ كَمِنْقَارِ حُزْنٍ يَبْتَلِعُ انْخِطَافًا
شَبَكَةٌ لاصْطِيَادِ غَزَالةِ الأَقَاصِي
بِاسْمِهَا حَطَّ سُؤَالُ الأَزْرَارِ:
كَيْفَ مِنْ وَهْجَةٍ وَاحِدَةٍ خُضَّ يُوسُفِي؟
 
13-
 
أَخَذَتْ كَأْسَ المَرَارَاتِ عَنْ تَشَقُّقِ شَفَتَيَّ
رَشَقَتْهُ، مِنْ فَرْطِهَا، فِي سَرَاحِ المَرَايَا
وَسَالَتْ غُرْفَةً فِي مَسَاءِ إِنَائِي..
صَدَحْتُ: دَعِي كَأْسَ غَيْبُوبَتِي فِيكِ
فَارِغَةً مِنْ زُجَاجِهَا.
 
14-
 
تَوَغَّلْتُ فِي التِّيهِ
دَغْلُهَا شَائِهٌ بِلِبَاسِ النُّعَاسِ
أَمُجُّ المَسَافَةَ كَمَا يَشْتَهِي طَلْقُ خَيْلِي
أَؤُوبُ وُقُوفِي عَلَى جَمْرَةِ المَاءِ؛
هِيَذِي أَنَانَا فِي أَتُونِ التَّمَاهِي.
 
15-
 
كُنْتُ نَسِيتُ غُبَارَ دَمِي فَوْقَ طَعْنَةِ الْعُزْلَةِ،
وَأَحْلَلْتُ شَاهِدِي دَلِيلاً لِنُبُوءَاتٍ مَرْضَى..
بِهَبَّةٍ تَتَشَاغَفُ خَجَلاً مُسْتَوْحِشًا؛
أَيْقَظَتْ قِنْدِيلَ شَرَاهَتِي،
وَاسْتَسْلَمَتْنِي.
 
16-
 
فِي مَرْفَأِ الذَّاكِرَةِ القُصْوَى
خَلَعْتُ نِعَالَ الصَّدَأِ عَنْ ظِلاَلِ قَدَمَيْ،
وَبُحْتُنِي عَلَى ظَمَأِ مَوْجَةٍ:
أَنَا الَّذِي كُنْتُ بِانْتِظَارِي
فَكَيْفَ الَّذِي جَاءَ.. هِيَ؟
 
17-
 
لأَنَّ حِصَّةَ الْقَلْبِ
لاَ تَقْبَلُ الْقِسْمَةَ إِلاَّ عَلَى وَاحِدٍ؛
عَلَيْهَا
-: أَنْزَلْتُكَ نَفْسِي،

وَأَلِدُكَ الآنَ مِنْ أَوْصَافِ رَحْمِكَ.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ا. د. قاسم المندلاوي

يؤكد علماء التربية على اهمية التعاون بين البيت والمدرسة بهدف النهوض الافضل بمستوى التلامذة. ولو تابعنا المشهد اليومي لوضع البيت والانشطة التي تجري داخل المدرسة لوجدنا اختلافا بين الجانبين.

هناك اتهام من قبل المدرسة على غياب اولياء الامور وابتعادهم عن المساهمة الجادة للجوانب…

إبراهيم أبو عواد / كاتب من الأردن

الحسن بن هانئ المَعروف بأبي نُوَاس ( 145 _ 198 ه / 762_ 813 م ) ، شاعر عربي مِنْ أشهرِ شُعَراءِ العصرِ العَبَّاسِي ، وَمِنْ كِبار شُعَراءِ الثَّورةِ التجديدية . أحدثَ انقلابًا في مَضمونِ الشِّعْرِ العربيِّ وأُسلوبِه ، فَقَدْ تجاوزَ الأغراضَ التقليدية كالمَدْحِ والفَخْرِ ، واتَّجَهَ إلى…

حيدر عمر

هناك حكايات تتنازعها عدة ثقافات، مثل حكاية “شَنْگلو مَنْگلو / şekgelo menglo”التي تتنازعها الثقافتان الكوردية والفارسية، وهي مروية على لسان معزاة توصى صغارها الثلاث بألَّا يفتحوا باب الحظيرة في غيابها إلَّا بعد أن يسمعوا منها أغنية معينة تغنيها لهم. سمعها ذئب في أحد الأيام، كان يمر في الجوار. بعد ابتعادها عن صغارها،…

تنكزار ماريني

الصمت يتسلل إلى الوجود،

بدون ضجيج، صمت متلاشي.

الوقت يتساقط،

يرقص، يكشف ويبقى في طيرانه

متى يعود الدائرة،

متى يتم إعادة تحديد المسار؟

بسهولة، على حافة الصمت،

متشابك مع النهاية؛

تتساقط قطرات من الكلمات،

تنهار جسور من السطور،

تفتح الحروف الساكنة البوابات.

تتفكك الأصوات، تلمع الورقة،

تنبعث منها ضوء المقاطع؛

تستقر الكلمات أو تتدفق،

تتحول بهدوء.

الفن يعانق الحب.

في كل حصاة يعيش أنا.

السماء تتسع،

كل نظرة هي جنة صغيرة.

اليوم يمسح…