«دلشاد سعيد».. رحلة الإبداع بين الموسيقا الشرقية واللحن الغربي

شيار خليل- روشاك أحمد

موقع “eSyria” بتاريخ 6/8/2010 وخلال حضوره لحفلة عازف الكمان العالمي والمؤلف الموسيقي “دلشاد سعيد” ضمن فعاليات مهرجان “السنديان” الثقافي، التقاه ليحدثنا عن الجبال والوديان في مقطوعاته ومدى ارتباطه بالموسيقا الشرقية التي أثّرت في موسيقا الغرب حسب حديثه لنا، فكان لنا معه اللقاء التالي.

* حدثنا عن أولى مقطوعاتك، نكهتها، زمنها، أشخاصها، بالنسبة لك؟

** أولى مقطوعاتي كانت “الراعي- شفان”، وهي كانت أسرع مقطوعة عزفتها في حياتي بطريقة ارتجالية في كورال “دهوك” عام 1979، اشتهرت هذه المقطوعة في الإذاعات العراقية بشكل سريع وكبير، أما بالنسبة للمقطوعات مع الفرقة التي ترافقها الأصوات الموسيقية الأخرى فبدأت في مهرجان أقيم في محافظة “دهوك”، حيث حضرت بشكل كبير خلال شهر وكانت أول فرصة لي بتحفيزي على متابعة التأليف والاعتماد على موروث المنطقة لتشكيل فرقة “دهوك”.

* الموسيقا معروفة بعلاقتها بالروح، ما محرضات الإبداع الموسيقي لديك؟

** الفنان الحقيقي حتماً لديه محرضات داخلية لها علاقة بالروح، فمثلاً معزوفة “الراعي” لم أحضر لها أبداً وأتت نابعة من الروح بشكل عفوي، أما المحرضات الإبداعية فهي تتمثل في ظهور الموهبة وتثقيلها من خلال الممارسة، فأنا في السادسة من عمري اخترعت آلة موسيقية من شفرات “الموس”، حيث قمت بتكسير هذه الشفرات وأدخلتها في “الدولاب” بارتفاعات معينة وبدأت بالعزف عليها، وقتها شاهد والدي اختراعي هذا ولعشقه وولهه بالموسيقا أخبرني بأنني يوماً ما سأصبح موسيقياً معروفاً، وهنا كان للتجربة والتحريض النفسي والداخلي على المتابعة دور في وصول موسيقاي إلى كل العالم.

* التراكم الثقافي أو الموروث الثقافي لديك هل له دور في الإبداعات الموسيقية التي قدمتها؟ أم إن الحياة اليومية لها تأثير في ذلك؟

** إن البيئة التي عشت فيها حفزتني على الكثير من الإبداع، فبيئتي منحتني الكثير من الإبداع، فمثلاً بعد اختراع آلة موسيقية من شفرات “الموس”، قمت باختراع آلة أخرى من أسلاك المروحة التي ساعدتني بالتأليف.

* برأيك ما خصائص الموسيقيا العالمية، فأنت عملت على الموسيقا العالمية التي تنبع من البيئة التي عشت فيها؟

** إن الإخلاص للفن، والأرضية المتوافرة لإبداع الموسيقيين لهما دور كبير في الوصول إلى الموسيقا العالمية، وهنا الإخلاص لهذا المجال يجعلك ترحل دائماً إلى تطوير قدراتك الموسيقية لتصل إلى العالمية، بالإضافة إلى أن الأكاديمية لها دور كبير في تطوير قدراتك، كما أن للتجديد والإبداع أهمية كبيرة في وصولك إلى العالمية، وربما تجربتي هنا كانت من خلال استخدام الفلكلور الكردي بطريقة عالمية يجعل كل مستمع يتفهم ويتذوق موسيقاي.

* تعلقك بأوروبا وهواك للموسيقا الشرقية، ما سرهما؟

** إن المادة الفلكلورية الكردية هي مادة موسيقية جديدة بالنسبة للأوروبيين، وخلال معاشرتي لهم ودراستي الأكاديمية وصلت إلى مرحلة استخدام الفلكلور بطريقة مخلصة، حيث إن أصل الكمان آلة شرقية وهي مستوحاة من الغرب، لكن ملاءمة الكمان لجميع الأذواق الموسيقية العالمية جعلت منها آلة عالمية لها ارتباط شديد بالموسيقا العالمية ككل.

* ما مدى تأثير الموسيقا الشرقية على الغربية؟

** الموسيقا الشرقية لها تأثير كبير على الموسيقا الغربية، وهي نُقلت بشكل أو

بآخر إلى الغرب لتؤثر فيهم، فقبل ألف عام استخدمت الآلات الشرقية في منطقة “الأندلس”، كما أن المبادئ الأساسية للأصابع الموجودة على العود استخدمها “الفارابي” للتنويط الموسيقي، وهي درجة للارتقاء بالموسيقا وتدوينها، وهنا لا ننسى أننا قبل ذلك كنا متأثرين بالحضارة اليونانية.

* موسيقاك لها علاقة بالجبال والوديان مكان ولادتك، كيف تدمج بين الموروث الثقافي لديك والموسيقا المعاصرة؟

** بالنسبة لجوهر المادة المستخدمة هي الفلكلور الكردي، وتوضع بإطار غربي لسماعها من قبل الغربيين، وذلك ربما سر الوصول إلى العالمية.

* هل الموسيقا تترجم نفسها؟

** الموسيقا ليس لها حدود، فهي تعبُر كل الحواجز معبّرة عن نفسها، فهي استطاعت أن تخلق جسور من التواصل بين الحضارات الشرقية والغربية.

* ما دور الجمهور في تحفيز المؤلف أو العازف الموسيقي على عملية الإبداع؟

** إن كل حفلة تؤدى على المسرح تعادل ألف يوم من التمرين، فالجمهور هو أساسي في إبداع العازف أو المؤلف الموسيقي، وربما تفاعل الجمهور في الحفلة التي أحييتها في الفترة الأخيرة في “النمسا” بحضور الرئيس النمساوي كانت الشاهد على أهمية تفاعل الجمهور مع الموسيقا.

* إلى أين تأخذك موسيقاك؟

** إلى الوطن لأثبت للجميع بأن الموسيقا يمكن أن نسمعها بكل اللغات واللهجات والثقافات.

* ماذا تحدثنا عن حلمك بتأسيس أكاديمية موسيقية في “دهوك”؟

** نعم إنه حلم موسيقي مهم بالنسبة لي، فأنا أرى أنه من الضروري تأسيس معاهد وأكاديميات موسيقية تحفز عملية الإبداع الموسيقي لدى الشرقيين بشكل عام، الموسيقا هي حياة أخرى وعلينا أن نتذوق ولو جزءاً من تلك الحياة.

* هل عدم استقرار الأوضاع السياسية في العراق كان له تأثير على الموسيقا؟

** نعم فعدم استقرار الأوضاع السياسية أثّرت في كل النواحي ومن ضمنها الموسيقا، لكن حب العراقيين للموسيقا وعشقهم لها وخاصة في المنطقة الشمالية جعل منهم يستمرون في الإبداع الموسيقي الذي يعبر عن الحياة.

* منذ عشرين عاماً أقمت حفلة موسيقية في “اللاذقية” واليوم تعود لتشارك في مهرجان “السنديان” الثقافي، ماذا تحدثنا عن ذلك؟

** إن دعوة “رشا عمران” لي أتت من باب المصادفة؛ رغم أنني لم أعتد على هذا النوع من الحفلات فرطوبة المنطقة لها تأثير كبير على آلة الكمان والقوس، وخلال زيارتي لأول مرة إلى قرية “الملاجة” أحسست بأن الإبداع ينبع منها مشكلاً موسيقا جديدة، وخلال عزفي أمام ذلك الجمهور الرهيب تفاجأت بأن هناك في سورية من يتابع موسيقاي ويحفظها، كانت حفلة جميلة ومرتبطة بعفوية الجمهور السوري الذواق للموسيقا ومعناها الإنساني.

“رشا عمران” الشاعرة السورية والمستضيفة لحفلة “دلشاد” في مهرجان “السنديان” الثقافي تقول: «إن موسيقا “دلشاد سعيد” ترتبط بشكل كبير بموروثنا الثقافي، وهي موسيقا عالمية لها ارتباطها الشديد بكل الحضارات العالمية، ومن هنا نصل إلى أن الموسيقا التي يعزفها “دلشاد” ترتبط بكل شخص ذواق للموسيقا، كما إن حفلته في المهرجان كانت خير دليل على تفاعل الجمهور الذي رحّب بالمؤلف الموسيقي “دلشاد” أحرّ ترحيب».

الموسيقي “كنان العظمة” يقول: «إن “دلشاد” يبحر في الموسيقا بأصابعه السحرية ليصنع لنا مقطوعات لها عمقها الفلسفي المغمس بنبض الحياة، إنه من المؤلفين الموسيقيين العالميين الذين بصموا في الحركة الموسيقية العالمية من خلال آلة “الكمان” التي ترتبط بطفولته ونضجه واحلامه المستقبلية كما يقول».

المصدر: موقع “eSyria”

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

جان بابير

 

الفنان جانيار، هو موسيقي ومغني كُردي، جمع بين موهبتين إبداعيتين منذ طفولته، حيث كان شغفه بالموسيقى يتعايش مع حبّه للفن التشكيلي. بدأ حياته الفنية في مجال الرسم والنحت، حيث تخرج من قسم الرسم والنحت، إلا أن جذوره الموسيقية بقيت حاضرة بقوة في وجدانه. هذا الانجذاب نحو الموسيقا قاده في النهاية إلى طريق مختلف، إذ…

عصمت شاهين الدوسكي

 

أنا أحبك

اعترف .. أنا احبك

أحب شعرك المسدل على كتفيك

أحب حمرة خديك وخجلك

وإيحاءك ونظرتك ورقة شفتيك

أحب فساتينك ألوانك

دلعك ابتسامتك ونظرة عينيك

أحب أن المس يديك

انحني حبا واقبل راحتيك

___________

أنا احبك

أحب هضابك مساحات الوغى فيك

أحب رموزك لفتاتك مساماتك

أحب عطرك عرقك أنفاسك

دعيني أراكي كما أنت ..

——————–

قلبي بالشوق يحترق

روحي بالنوى ارق

طيفي بك يصدق

يا سيدتي كل التفاصيل أنت ..

——————–

أحب شفتاك…

لوركا بيراني

في الساحة الثقافية الأوروبية اليوم، نلمح زخماً متزايداً من التحركات الأدبية والثقافية الكوردية من فعاليات فكرية ومهرجانات وحفلات توقيع لإصدارات أدبية تعكس رغبة المثقف الكوردي في تأكيد حضوره والمساهمة في الحوار الثقافي العالمي.

إلا أن هذا الحراك على غناه يثير تساؤلات جوهرية حول مدى فاعليته في حماية الثقافة الكوردية من التلاشي في خضم عصر…

محمد شيخو

يلعب الفن دوراً بارزاً في حياة الأمم، وهو ليس وسيلة للترفيه والمتعة فحسب، ولكنه أداة مهمة لتنمية الفكر وتغذية الروح وتهذيب الأخلاق، وهو سلاح عظيم تمتشقه الأمم الراقية في صراعاتها الحضارية مع غيرها. ومن هنا يحتلّ عظماء الفنانين مكاناً بارزاً في ذاكرة الشعوب الذواقة للفن أكثر من الملوك والقادة والأحزاب السياسية مثلاً، وفي استجواب…