يوم للحبّ وأعوام للقتل والتّشرّد

نارين عمر

خصّص العالم يوماً للاحتفال بالحبّ، أسموه; عيد الحبّ، يحتفلون فيه بالحبّ والعشق كأسمى آيات البقاء والوجود الإنسانيّ، وكأنبل المقوّمات المحافظةٍ على نقاء القلب وطهارة النّفس، وهم إذ يفعلون ذلك يهبون له ما طاب ولذّ من المال والوقت والجهد. 
يفعل البشر ذلك ربّما ليثبتوا لنفسهم ولبعضهم البعض على أنّ الحبّ هو غذاؤهم وشرابهم ومتنفسّهم، وأنهّ سرّ نجاحهم وسعادتهم. 
يبدو أنّهم بذلك يحاولون أن يخفوا أموراً أخرى تضجّ في نفسهم وقلبهم تكون نقيض الحبّ والعشق كالكره والانتقام والتّلذّذ بسفك الدّم وهدره، كما يحاولون أن يتستّروا خلف مبادئ ومفاهيم كبيرة الحجم، ثقيلة المعنى هم خلقوها، وابتدعوا في زخرفتها، ولكنَهم لا يستطيعون تطبيقها والالتزام بها على أرض الواقع، لا لأنّها كبيرة الحجم وثقيلة المعنى على الفكر والوجدان، بل لأنّها لا تروق لهم أصلاً، ولا تفي حاجتهم إلى الكره والانتقام. 
نحتفل بالحبّ من هنا، ونحتفل بقتل بعضنا لبعضنا الآخر من هناك، نرتشف كأس العشق من هنا، ونتلذّذ من كؤوس دمنا الذي يُراقُ من هنا وهناك من دون أن نبدي أسفنا أو ندمنا على ما نفعله ببعصنا البعض، وكأنّنا اقتنعنا بفرضيّة الحبّ والكره، الحياة والموت، الزّمزم والدّم.
نحتفل بالحبّ نحن البشر والملايين منّا يُقتًلون، يُهجََرون. يُشرّدون، يجوعون ويعطشون، يهانون في بلدان الغربة والاغتراب. 
عيد الحبّ يجب أن يتحوّل إلى كرنفالٍ للحبّ الحقيقيّ، حبّ الحبيب لحبيبه، حبّ أفراد العائلة لبعضهم البعض، حبّ أفراد المجتمع، حبّ سكّان الوطن، حبّ أفراد العالم لبعضهم البعض. 
يجب أن يتحوّل إلى مناسبةٍ ندعو فيها إلى نبذ العنف بكلّ أشكاله، إلى منع القتل والقتال بمختلف أنواعه وفنونه، إلى وأد الخطف والاغتصاب والاستغلال بكلّ أصوله وفروعه، إلى زرع وغرس ثمار وبذور الإنسانيّة الحقّة، والتّعايش السّلميّ، والسّلام النّفسيّ والفكريّ في النّفوس والأذهان وفي القلب الذي يحبّ أن ينبض بالحبّ المعمّد في لذّة النّقاء والصّفاء.
عالمنا الذي نسعى إلى أن يكون هو الأفضل والأروع، ونفسنا التي نهدف إلى أن تكون هي الأنبل يغوصان في بحبوحة أحلامنا وطموحاتنا، فلنجعلهما تنعم في ملهى الواقع، وتسرح في مرعى التحقيق، لنحتفل معاً بالحبّ في عيده الذي سيصادف كلّ يوم إن تمكّننا من تحقيق كلّ هذا وذاك. 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ا. د. قاسم المندلاوي

يؤكد علماء التربية على اهمية التعاون بين البيت والمدرسة بهدف النهوض الافضل بمستوى التلامذة. ولو تابعنا المشهد اليومي لوضع البيت والانشطة التي تجري داخل المدرسة لوجدنا اختلافا بين الجانبين.

هناك اتهام من قبل المدرسة على غياب اولياء الامور وابتعادهم عن المساهمة الجادة للجوانب…

إبراهيم أبو عواد / كاتب من الأردن

الحسن بن هانئ المَعروف بأبي نُوَاس ( 145 _ 198 ه / 762_ 813 م ) ، شاعر عربي مِنْ أشهرِ شُعَراءِ العصرِ العَبَّاسِي ، وَمِنْ كِبار شُعَراءِ الثَّورةِ التجديدية . أحدثَ انقلابًا في مَضمونِ الشِّعْرِ العربيِّ وأُسلوبِه ، فَقَدْ تجاوزَ الأغراضَ التقليدية كالمَدْحِ والفَخْرِ ، واتَّجَهَ إلى…

حيدر عمر

هناك حكايات تتنازعها عدة ثقافات، مثل حكاية “شَنْگلو مَنْگلو / şekgelo menglo”التي تتنازعها الثقافتان الكوردية والفارسية، وهي مروية على لسان معزاة توصى صغارها الثلاث بألَّا يفتحوا باب الحظيرة في غيابها إلَّا بعد أن يسمعوا منها أغنية معينة تغنيها لهم. سمعها ذئب في أحد الأيام، كان يمر في الجوار. بعد ابتعادها عن صغارها،…

تنكزار ماريني

الصمت يتسلل إلى الوجود،

بدون ضجيج، صمت متلاشي.

الوقت يتساقط،

يرقص، يكشف ويبقى في طيرانه

متى يعود الدائرة،

متى يتم إعادة تحديد المسار؟

بسهولة، على حافة الصمت،

متشابك مع النهاية؛

تتساقط قطرات من الكلمات،

تنهار جسور من السطور،

تفتح الحروف الساكنة البوابات.

تتفكك الأصوات، تلمع الورقة،

تنبعث منها ضوء المقاطع؛

تستقر الكلمات أو تتدفق،

تتحول بهدوء.

الفن يعانق الحب.

في كل حصاة يعيش أنا.

السماء تتسع،

كل نظرة هي جنة صغيرة.

اليوم يمسح…