جمرات يناير

لؤي شيخ نبي

في إحدى أيام الشتاء من المنفى البارد، كنت في جامعة حران، حران عندما تسمعها وكأنها صخب حار كالصيف، لكن كان البرد يهرب إلى أرواحنا المتعبة! 
كنت مهموسا بتفاصيل المكان، من خلف عدسة التصوير، حيث كنت أريد أن أصور صديقا لي.
بعد انتهائي من عملي! عملي: أن أجمد الحياة في صورة لتكون ذكرى.. قد يستخدمها هذا الصديق عندما يحن لمنفاه.. ربما ب آلمِ أو بفرح
بعدها ذهبت مسرعا إلى موقف الحافلة، والبرد يحاصرني، كجيش غازي.. بعد يوم متعب جدا
كانت أمامي هناك، فتاة واقفة وكأنها تنتظر أحدا
نظرت إليها لمدة عشر دقائق. عشر دقائق كانت كافيه، لأن اقرأ تفاصيل وجهها البريء، وأن أكتشف خفايا العوالم والنجوم في عينيها المتألقتين.
حينها فكرت أنها فتاة تركية!
ولكن لبرهة راجعت تفاصيل نظراتها.. وخصلات شعرها التي تماهت مع تفاصيل الطبيعية وكأنها جمرات يناير. 
تلك الجمرات التي ألهبت صقيع العاطفة في قلبي.
فجأة خذلني الوقت بصوت الحافلة، وصعدت وأنا أحلق بفكري إلى عوالم عيناها.. وأنا أنسل إلى منزلي هناك، على تلة من المنفى.
الزمن يمضي من حولي، ولكن أنا بقيتُ حبيسا لمشهد العشر دقائق..
وأحاول أن اعيد تكرار ذلك المشهد بكل تفاصيله وأحاسيسه.. وبتُ أحن إلى ذلك الموقف.. ويوم قدومي من الجامعة.. مثل حنين ناسك.. راهب إلى معبد في السماء البعيدة.
بعد أشهر فتحت الفيس بوك كان لدي رابط يكتب لك أسماء أشخاص راسلتهم من أجل فرصة للصداقة، ولكنهم يردونكَ
 خائبا حيث لا يقبلون! 
وبين تلك القائمة رأيت اسما لأحد الأشخاص.. دخلت بشغف بريء على صفحتها.. مثل شغف الغابة لمطر آذار! 
تصفحت مملكة كلماتها، وبوحها الصاخب تحت ظلال الأحرف.. حيث تكمن كينونتها كملكة تهامس الحنين
 إلى وطن من نكهة الحب!
اعجبني كثير ما كنت تبوح به من فكر.. وخواطر على جدران مملكتها الزرقاء..
كان هنالك بيت للشعر بلغتنا الكردية لفت انتباهي وحواسي كلها! أعجبني كثيرا ما تقوله الكلمات.. 
ارسلت لصاحب تلك المملكة.. بكل هدوء عفوي “مرحبا”
“اعجبني بيت الشعر على صفحتك هل بإمكاني أن أخطف تلك الهمسات من خاطرتك بصورة! لتكون كائنا ينطق تحت مسمى الحداثة فيديو”
أرسلت لي هذا التعبير الرمزي  ! أنه زمن التكنولوجيا في التعبير عن مشاعرنا: من قبول، ورضاء، وحزن، أو رفض.. الخ
أنهيت ولادة ذلك الفيديو.. ليكون مخلوقا ينطق من كلمات تلك الصفحة
بعدها اصبحت متابعا مدمنا لصحاب ذلك الحساب!
بعد مرور أسبوع أتفاجئ.. بمصادفة جميلة.. وكأن السماء كانت تريد أن تبتسم لي 
أذا بصورة الشخصية لتلك الصفحة تتغير، وأنها تلك الفتاة.. صاحبة تلك العيون الجميلة في.. وجمرات يناير التي ألهبت قلبي.. في ذلك البرد الطاعن!
نضرتُ إليها.. أنها هيا نفسها صاحبة تلك الصفحة! 
يا إلهي ما هذه الصدفة.. وبقيت لبرهة أعيد كل ما حدث معي, وكأنها أغنية بثوب من مطر.. يلامس وجه الأرض..
 يا لها من مصادفة جميلة. 
  بعدها سالت عنها عرفت انها تسكن قرب منزلي!!! نعم تسكن بالقرب مني. ونحن جيران القمر على تلة من ضوء!
سألتها بصمت صاخب، 
كيف تحرميني من رؤية وجهكِ الملائكي وبيننا شارع واحد؟؟!
هي: حملقت إلى تفاصيل جنوني.. فتنهدت قليلا.. من ضوء الليل.. وغابت في تفاصيل القمر ولم تعد!

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

كاوا درويش

 

صغاراً كُنّا وكان بيتنا العتيق يستقر هناك معانقاً تخوم تلَّة الهلالِية، على مرمى البصر من مستوصفها الوحيد…

نهرب بأرواحنا في كل ليلةٍ من ليالي صيف القامشلي الساخنة نحو أسطح بيوتنا، نجتمع حول جدّاتنا كما تجتمع الأرواح المختنقة حول النسائم المعتَّقة برائحة الياسمين المنعشة ليلاً، نسمع منهنَّ قصصاً وحكايا عن عذاباتٍ كرديةٍ لا تنتهي… نستيقظ…

عن دار الحوار ” اللاذقية ” صدركتاب ” علم الأخلاق ومأساة الكينونة ” لعام ” 2025″ للفيلسوف إيمانويل ليفيناس” 1906-1995 “، عن الفرنسية، بترجمة كل من الباحثين: عزيز توما وإبراهيم محمود، وفي ” 336 ” صفحة من القطع الوسط، والعنوان الأصلي للكتاب هو ” الأخلاق واللامتناهي ” عبارة عن حوارات مع الفيلسوف ليفيناس من قبل…

مصطفى عبد الوهاب العيسى

 

تُعد الرواية من أبرز الأشكال الأدبية التي تعكس واقع المجتمع وتُعبِّر عن قضاياه بعمق ، وهي لا تقتصر على سرد وقائع وقصص ، بل تُسلِّط الضوء على مشكلات فعلية ، وتطرح تساؤلات فكرية وأخلاقية تمس القارئ وتدفعه للتفكير ، ومن خلال الأحداث والصراعات تعالج الرواية موضوعات مصيرية مثل الهوية ، والعدالة…

إبراهيم سمو

في إشْكال الناشر كمعضلة ثقافية وأرشيفية :

في طبعة ” سعيد تحسين: الأعمال الشعرية الكاملة“، يبرز خللٌ بنيويّ لا يمكن تجاوزه بسهولة، يتمثل في غياب الإشارة الصريحة إلى دار نشر محددة. والسؤال هنا: هل “رقم الإيداع” المثبت في العمل هو ذاته الرقم المعياري الدولي (ISBN)؟ وإن لم يكن كذلك، فما الذي يمنح هذه الطبعة…