احتباس إبداعي الوحش الذي قضم أصابعنا

عمر كوجري

 شهدت هذه السنة العديد من المؤتمرات، والندوات على مستوى رؤساء الدول والمنظمات التي يهمها شأن هذه الكرة لبحث مشكلة الاحتباس الحراري الذي يهدد البشرية عن حق، ولا مجال للتماطل أمام هذا التهديد المباشر الذي قد ينذر بفناء أولاد آدم وبنات حواء من على وجه البسيطة .

 فالمحيطات المتجمدة، وجبال الجليد معرضة للإذابة وبالتالي لإغراق الأرض وطمر من عليها من حرث ونسل بالماء، وإذا قلبنا الآية على المستوى الثقافي في بلادنا نكاد نضع أيدينا على قلوبنا ونقول: إن احتباساً على المستوى الإبداعي يكاد يغلف حالتنا الثقافية، “فالطبول هي الطبول.. وأنا أنا.. هل أنت أنت؟؟”
الساحة الثقافية بكل أسف خاوية إلا ماندر، وهذا الـ”ما ندر” لايشكل صيغة مشجعة وليس مبعثاً للتفاؤل.. الساحة تعاني من خمول وخلومن الأقلام الكبيرة التي وسمت حياتنا يوماً بجرعات الثقة بالمشهد الثقافي،  وبإمكانية تطويره، وتنغيم رؤاه بحيث أن الحجر الراكد يولد دوائر كثيرة عند توفر المناخ المواتي لعملية الإبداع بمختلف ضروبه وشجونه..
لكأن في الموضوع سراً لا نَكشف ضفافه.. لكأن الأقلام الجادة أحست بلا جدوى الكتابة في هذا الزمن الأغبر الذي يركض فيه واحدنا من مطلع الغزالة وحتى آناء الليل لانتزاع اللقمة من فم الوحش الذي بدوره قضم أصابعنا مثلما نسف أفكارنا،وأحلامنا وأمانينا المهيضة.
ماهب ودب
إنها مفارقة حادة ومؤلمة في آن ترى كاتباً أو تقرأ له فتستشف الأبعاد الجمالية والروحية والإنسانية ترقص في حنايا نصوصه، وتتفاءل خيراً بمنجزه وبراعته في الكتابة، وبعد حين ليس ببعيد من روزنامة الزمن تراه وقد توارى في لجة الحمحمة، وتلاشى مفضلاً أية صنعة غير صنعة القلم والدواة والورق والأرق.. لابل يتمادى في طلاقه مع صنعته، وينعت زملاءه بمعشر قليلي الحيلة ورواد مشفى ابن سينا الذائع الصيت.. وإذا حدث واستمر أحدهم، ونجح بعض النجاح تراه يكرر نفسه، متكئاُ ببلادة على أنقاض نصه الأول يستعيده ويتناصص منه غير قادر على الفكاك من أسره وشرنقته، أو التخلص من آثاره المدمرة على مسيرته في حقل الكتابة.
ذلك الكاتب لايكن احتراماً لا لنفسه ولاللمتلقي المسكين.. وقد ترى أن”سيناً” من هؤلاء بات ينشر كل ثلاثة أشهر كتاباً عن “ماهب ودب” ولاتتجاوز النسخ المطبوعة المئة على أبعد تقدير، يوزعها على أصحابه، وزوجته وأهلها، وصديقاته.. ودائماً تكاليف الطباعة من “كيسه” طبعاً.
لنكن أكثر شجاعة !!
محمد الماغوط الأب الشرعي لقصيدة النثر.. ماذا نشر في أواخر حياته ؟؟ لماذا لم يتوقف عن النشر طالما أن معينه الإبداعي قد بدأ بالنضوب المريع .. هل تتذكرون مقالاته وزواياه في الصحافة المحلية.. هل قرأتم قصيدته عن العظيم محمود درويش ؟؟ هل تعلمون أن درويش عندما زاره في مرضه، خجل كثيراً وهو يسمع الماغوط يقرأ له وعنه قصيدة لاتمت إلى أي إبداع !!
المؤلم أن الاحتباس الحراري قد فعل فعله في إبداعنا .. ولامن آفاق .. ولا من إشراقات تفاؤل هنا وهناك..
السواقي الصغيرة والتعبة لاتصنع بحاراً.. وأي كلام آخر مورفين لايشفي العلة.. هو ضحك على الذقون و.. و ..

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم محمود

أول القول ومضة

بدءاً من هذا اليوم، من هذه اللحظة، بتاريخ ” 23 تشرين الثاني 2024 ” سيكون هناك تاريخ آخر بحدثه، والحدث هو ما يضفي على زمانه ومكانه طابعاً، اعتباراً، ولوناً من التحويل في المبنى والمعنى القيَميين والجماليين، العلميين والمعرفيين، حدث هو عبارة عن حركة تغيير في اتجاه التفكير، في رؤية المعيش اليوم والمنظور…

حاورها: إدريس سالم

ماذا يعني أن نكتب؟ ما هي الكتابة الصادقة في زمن الحرب؟ ومتى تشعر بأن الكاتب يكذب ويسرق الإنسان والوطن؟ وهل كلّنا نمتلك الجرأة والشجاعة لأن نكتب عن الحرب، ونغوص في أعماقها وسوداويتها وكافكاويتها، أن نكتب عن الألم ونواجه الرصاص، أن نكتب عن الاستبداد والقمع ومَن يقتل الأبرياء العُزّل، ويؤلّف سيناريوهات لم تكن موجودة…

إبراهيم أمين مؤمن

قصدتُ الأطلال

بثورة من كبريائي وتذللي

***

من شفير الأطلال وأعماقها

وقيعان بحارها وفوق سمائها

وجنتها ونارها

وخيرها وشرها

أتجرع كؤوس الماضي

في نسيج من خيال مستحضر

أسكر بصراخ ودموع

أهو شراب

من حميم جهنم

أم

من أنهار الجنة

***

في سكرات الأطلال

أحيا في هالة ثورية

أجسدها

أصورها

أحادثها

بين أحضاني

أمزجها في كياني

ثم أذوب في كيانها

يشعّ قلبي

كثقب أسود

التهم كل الذكريات

فإذا حان الرحيل

ينتبه

من سكرات الوهم

ف

يحرر كل الذكريات

عندها

أرحل

منفجرا

مندثرا

ف

ألملم أشلائي

لألج الأطلال بالثورة

وألج الأطلال للثورة

***

عجبا لعشقي

أفراشة

يشم…

قررت مبادرة كاتاك الشعرية في بنغلادش هذه السنة منح جائزة كاتاك الأدبية العالمية للشاعر الكردستاني حسين حبش وشعراء آخرين، وذلك “لمساهمته البارزة في الأدب العالمي إلى جانب عدد قليل من الشعراء المهمين للغاية في العالم”، كما ورد في حيثيات منحه الجائزة. وتم منح الشاعر هذه الجائزة في ملتقى المفكرين والكتاب العالميين من أجل السلام ٢٠٢٤…