الصورة لصق العين
الصورة لصق مسام الروح
الصورة لصق الروح
الصورة كما هي منذ تركتها ذات يوم
………………………………………….
لا لزوم- إذاً- لاعتصار الذاكرة كثيراً، لتذكر ملامح وجه ” أم عابد” أو “أم دحام” أو” أم أحمد”، حيث لكل هؤلاء الثلاثة- وهم أبناء هذه الكردية الطيبة نفسها- محيطه الاجتماعي، أو جمهوريته- كما سأقول مجازاً- ما دام أن كلاً منهم له حضوره، و دائرة أصدقائه، حيث البيت ” مفتوح” أمام أصدقاء الأسرة- البيت الذي يصبح حسرة لي قبل أن يكون مدعاة حسرتها بعد أن تركته الأسرة في خطأ لا أغفره- وما أن يقرع الباب، حتى تقودنا العمة أم عابد، كلاً إلى الغرفة التي ينتظره فيها صديقه، في ما لوكانت هي وراء الباب، وهكذا كان يفعل العم يوسف حيدر، في ما لو كتب عليه أن يجتاز المسافة بين الغرف الشمالية والباب الجنوبي، المطل على الزقاق الذي يؤدي إلى الحائط الغربي للملعب البلدي، جنوب مشفى فرمان.
لكم كانت تتوزع بين غرف البيت، حيث ندوة هنا، وملتقى هناك، تقدم لهؤلاء العشاء، ولغيرهم الشراب الساخن أو البارد، كأنها توحد كل هؤلاء، أنى اختلفت مواقعهم، لتقول لجميعهم:إن النضال لواحد، وإن سيظهرتالياً – ممن هم دون ماض، ليبعثروا كل شيء، متوهمين أن التاريخ يبدأ من أخيلة شخوصهم النرجسية الخاوية في مرايا السراب- و أن التهريج واللغط سيصنعان المجد في الزمن اللغو الداعر، وأنى لهؤلاء مثل ذااااك!.
حين تتنورز المدينة- سرّاً أو علناً- تكون أم أحمد قرب خيمة الأسرة، كأنها العنوان الذي يجمع أفرادها، وهي إن اجتمعت المدينة لانتخاب من أجل برلمان، ستقود نساء الحارة، توجه الأصوات إلى الصناديق، دون أن تبالي بما سيجري لها، واضعة رزم الأوراق الانتخابية في حضنها،بإحكام، الأوراق التي تعرفها من لونها، وانطلاقاً من ألوان أوراق الانتخاب- هذه- ستقوّم أهل المدينة، وأناسها، إلا أنها لا تتلكأ في توبيخ من سيخرج على الخط- تقول له من هو تحديداً، وما مقامه- لتظل شتيمتها تصعد لهيباً في أنفه أنى تذكر. !.
مواقف العمة-شمي- كثيرة، وهي تصلح لتكون نواة شخصية روائية، في ما لو تم أي انتصار على الوقت ، وهو يمنيني-على عادته- بالتسويف، فأتبع غوايته إلى أن أكتشف صارخاً: أواه، لكم من مشاريع أجلتها منذ عقود، دون أن أعود إليها، مأخوذاً بالغرق في تفاصيل أخرى غيرها، وسأتناولها في سياقها أنى أتيحت لي الفرصة!.
العمة أم أحمد، لم أكن أعتقد أن زيارتي للأهل-هناك- لتكتمل، دون رؤيتها، دون السؤال عنها، ولكأني بمثل هذا السؤال لأستذكر كل النساء الوفيات من أمهات المدينة، اللائي رضعن أبناءهن من طاهر الحليب، ليربينهم على الصدق و الأخلاق العالية، والإباء، والكرامة، والشهامة، والنبل، وحبّ الإنسان، والوطن.
وها أنا ذا الآن، لا أستطيع أن أسير في موكب جنازة هذه الأم الكردية البارّة، كما لم أتمكن في الأمس من السير في جنازة أمي، بل لا أستطيع الجلوس في خيمة عزاء هذه المرأة التي لكم شربت- الشاي المعتق- الذي أعدته لنا، ولكم أكلت من طعام يديها المباركتين، ولا مناص من أن أضع وردة في القريب على تراب قبرها الطاهر.
ها أنت استوقفتني بعد ساعات من فجيعتي بأحد أقربائي- تعرض لحادث سير- في بلد آخر، لم أتمكن من التعرف عليه، كما ينبغي، فاستجرتني شهامتك لأن أكتب عنك بكل هذه الشساعة من الألم الواخز!.
ها أنا- عمتاه- كتبت نعوتك- بعد أن وصلني صوت أحمدك خافتاً منكسراً ظهيرة هذا اليوم : إبراهيم لقد خسرت أمي…….. !، كما رثيت أما ً غادرت من قبل، ولما أزل أمام شاشة حاسوبي أستعد لكتابة قصيدة ترتقي إلى بعض ما يليق بها، دون جدوى…!.
أم أحمد لا تزعلي، بيتك أحد البيوت التي تعلم فيها الكثيرون والكثيرات حب القراءة، بل ومنهم من أصبح كاتباً، أو كاتبة، سواء كان ذلك داخل الوطن أم خارجه، ونحن نأخذ بأيديهم ، نقدم مواهبهم عبر ملتقى الثلاثاء الأدبي، كل الأوفياء من بينهم، أولادك، وسيتذكرونك، وسيتذكرون البيوت التي استعاروا من كتبها، وتعلموا هندسة القلم على بياض الورق على أيدي من كان يدير فيها الملتقيات، فلا تقلقي – واعمتاه أبداً- ما دمنا من معاشرأناس، نذرنا أرواحنا لترتطم عالية، بقساوة الصخر، والغيم، متتلمذين على أيدي نساء طاهرات من أمثالك، مهرولين ما شاء المدى إلى أفق مجيد.
الشارقة
30-8-2010