ذكريات على شواطىء بيروت

 

سيامند إبراهيم*
كل من دخل بيروت فهو آمن, وكل من لامس رمالها فهو عاشق, وكل من دنا من شجر الأرز فهو حرٌ يأبى الظلم , وكل من يصعد إلى جبالها فهو صقر حر, أستجديك يا صديقي خورشيد وأنت القابع في مدينة أمست مرتع الأشباح!
بالله عليك أخبرني كم تغيرت تلك المدينة الغالية على قلبي بيروت, هلا قبلت عني شواطئها الساحرة الحالمة بالهدوء والخلاص من هذه القنابل المدمرة, كل شيء ممتع في بيروت, في هذه المدينة الرائعة لاشيء يحول بينك وبين الذهاب إلى البحر مرات ومرات, زرقة البحر تملأ النفس بأريحية يدع الإنسان ينتشي وينتقل إلى فضاءات حالمة, أصوات الموج تتفاوت في علوها وإنخفضاها ترتفع معها  دقات قلوبنا, تأسرنا تلك اللحظات الرائعة, كم هي رائعة تلك المشاوير الدائرية التي كنا نسير فيها من عين المريسة حيث الفنادق الفخمة, السان جورج, إلى الروشة ثم نزولاً إلى الرملة البيضاء, وهي ملاذ السباحة للفقراء من السوريين واللبنانيين,  الشواطئ التي تبحث عن هواء أنقى والسحاب يقتفي خطى الرياح ليهاجر من مساحات السماء. والهدوء ليلا ونهارا. أتذكُرْ كم حاولت أن أتعلم السباحة لكنني فشلت. فالسباحة في الصغر هي الأساس, لقد كنت تسبح كالفراشة لا كالحوت, أتذكر هنا مقولة السباح العالمي (عبد اللطيف أبو هيف), كان عندهم نفس الأمل في أن يجعلوا مني حوتا عابرا للقنوات. وبقيت القنوات وظهرتْ للحوت رجلان وتمددا بعيدا عن الماء. فالبحر أمامي ليس ببعيد ولا قريباً أيضاً وإنما هي صورة مرسومة على الأرض. وإذا كانت الزوارق تروح وتجيء فلأن الزوارق قادرة على الطفو ولأن ركابها قادرون على العوم. وكما أن هناك طيور النورس تطير وتغرد في السماء, و أخرى تطير لمسافات محدودة ثم تنقض على سمكة تلعب في الماء لأنها وليمة دسمة تتلذذ بها، ولكن ثمة شابان يفترشان مناشف طويلة وثمة فتاة جالسة تغني لفيروز:” بحبك يا لبنان بحبك بسهلك ببحرك بجبلك,  وأكدت لك مراراً يا خور شيد أنني أخاف السباحة حتى لو تمنطقت بألف حزام للنجاة, فالفنان محمد عبد الوهاب من شدة خوفه من الطيران لم يركب الطائرة قط, وأنا لا أخاف إلاّ من السفن التي تمخر عباب الماء طوال رحلاتي المكوكية سافرت عبر البر والطائرات ولكنني خائف منك أيها البحر
لقد قال الشاعر الكردي فقه طيران:
أيها الماء أنت بعشقك ومحبتك
لا يوجد لك ثبات ولا سكينة
ولكن البشر هم الذين باتوا لا يؤتمنون يا بحر لأنك أثبتت أنك حنون رغم ما يشاع عنك لغدرك وأنك صدرٌ حاني على محبيك, البحر في بيروت يتلون بتدرج الأزرق وآخر المتعة صخرة الروشة المعروفة بصخرة العشاق ولابد لكل زائر أن يقف أمامها بإجلال, الرملة البيضاء, المسابح الممتعة , الجبال الخضراء ووسيلة النقل المريحة (تل فريك ) التي تجعلك تطير وأنت مربوط بالأرض كل هذه الأشياء تجعل السائح منتشياً,  منظر الماء و زرقة مويجاته التي تتمايل في اندفاعاتها تبعث في خلجات النفس الطمأنينة والراحة.

——————

 

* كاتب وشاعر كردي سوري

 

 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

كاوا درويش

 

صغاراً كُنّا وكان بيتنا العتيق يستقر هناك معانقاً تخوم تلَّة الهلالِية، على مرمى البصر من مستوصفها الوحيد…

نهرب بأرواحنا في كل ليلةٍ من ليالي صيف القامشلي الساخنة نحو أسطح بيوتنا، نجتمع حول جدّاتنا كما تجتمع الأرواح المختنقة حول النسائم المعتَّقة برائحة الياسمين المنعشة ليلاً، نسمع منهنَّ قصصاً وحكايا عن عذاباتٍ كرديةٍ لا تنتهي… نستيقظ…

عن دار الحوار ” اللاذقية ” صدركتاب ” علم الأخلاق ومأساة الكينونة ” لعام ” 2025″ للفيلسوف إيمانويل ليفيناس” 1906-1995 “، عن الفرنسية، بترجمة كل من الباحثين: عزيز توما وإبراهيم محمود، وفي ” 336 ” صفحة من القطع الوسط، والعنوان الأصلي للكتاب هو ” الأخلاق واللامتناهي ” عبارة عن حوارات مع الفيلسوف ليفيناس من قبل…

مصطفى عبد الوهاب العيسى

 

تُعد الرواية من أبرز الأشكال الأدبية التي تعكس واقع المجتمع وتُعبِّر عن قضاياه بعمق ، وهي لا تقتصر على سرد وقائع وقصص ، بل تُسلِّط الضوء على مشكلات فعلية ، وتطرح تساؤلات فكرية وأخلاقية تمس القارئ وتدفعه للتفكير ، ومن خلال الأحداث والصراعات تعالج الرواية موضوعات مصيرية مثل الهوية ، والعدالة…

إبراهيم سمو

في إشْكال الناشر كمعضلة ثقافية وأرشيفية :

في طبعة ” سعيد تحسين: الأعمال الشعرية الكاملة“، يبرز خللٌ بنيويّ لا يمكن تجاوزه بسهولة، يتمثل في غياب الإشارة الصريحة إلى دار نشر محددة. والسؤال هنا: هل “رقم الإيداع” المثبت في العمل هو ذاته الرقم المعياري الدولي (ISBN)؟ وإن لم يكن كذلك، فما الذي يمنح هذه الطبعة…