لغة, رحلة وقلم

  ماجدة داري / واشنطن

هو القدر الكردي الملازم لأبنائه أينما حلو. حقائبهم حاضرة في كل المطارات. يحملون همهم الكردي، ليبوحوا لها سرّ الألم, الحب و خيال الحرية.
سيروان قجو:

يكتب دون ضجيج الأماكن, لا حدود لديه للحب. نزق في صراعه مع أبجديته الكردية التي يتنفسها مع الحياة . يكتب بشوق ممزوجاً بالوجع, فنقرأ حروفاً لأصابعٍ تبوح بأمنياتها العذبة , شفافة كقلبه الصغير.

وكأنه يصفّي حساباته مع الألم المستديم في حلمه بوطن.
هو لم يتهيء للنهايات المرتجفة .لهذا فهو يسير باتجاه خياله الملهم.

أقرأه في ديوانه الأول (Bîranînin Serxweş), فأجده يغوص في قاع اللغة,  ليزخرف المعاني بأحلامه اللازوردية. ليشبع القارىء بلغته كالماء المحايد .
عشقت الحرف الكردي عندما غصت في شرنقات قصائده. بكبرياء لغته السلسة يضع قرائه في حلم القصيدة, ملقياً تأملاته على أكتاف الوجع , فيعود مرة أخرى , متابعا هذا الشغف في ديوانه الجديد (xewn û vodka û tiştên din).
ترعرع في وطنه مع أبجديته الكردية التي نالت نصيبها من التجاهل و الغبن و حلت بدلا عنها, لغة طاولت في مدها شعور الكرد و كتابها, فباتت لسان حال الكثيرين, عوضا عن لغتهم الأم.
هو أنين تلك اللغة التي استغوته منذ البداية, فتهاوى عليها و تعلمها بإلتقاط مخارجها من أفواه المكان, حتى ذاب فيها وغاصت به.
يبدأ في سرد ذكرياته من غربته الأولى في بيروت. التي باتت حاضنة  لكل الأقلام الهاربة من عدمها. من جحيم السلطة بانواعها إلى حضن البحر .
بيروت هذه المدينة المليئة بالتناقضات و الأحلام, أغوت هذا الطفل و جعلت له فضاء يمرح فيها و يسرد حكايته من دون مقدمات.
أبدأ مع سيروان من بيروت. البداية التي كانت في فضائية كردستان  TV كمذيع , حيث مارس اللغة مرئياً, و نقلها عبر الصورة من مفاتن بيروت الى عوالم الكرد في كردستان.
أحب تلك المدينة, تاه بين نوافذ الحروب فيها و تعلق بفسحات ثقافتها المتناغمة و المفتوحة دوماً على رياح الفكر.
سنتان هناك ومن ثم يستأذن بيروت إلى غربته الثانية ( أمريكا). 
قبل أن يغادرها قال عنها:  أنها مدينة الله والجنون .
أمريكا لم تفاجئه بتناقضاتها, إنما أذاقته طعم الحرية بكل أناقتها جاعلة من جنونه يركض من دون حسابات.
تعرف على لغتها و أنكب عليها بنهم . أحبها بشغف, ليبدأ سرد قصائده بالأنجليزية وبنكهة كردية او كردية بنكهة انجليزية, لتقارب الروح بينهما .
فتح ذراعيه ليعانق المكان الجديد, هذه المرة لم تخذله جناحيه للطيران إلى مدى اتساع فضائها.  ويعانق سمائها  ويرسم عليها لغته الكردية نجوماً , تنير غرفته الصغيرة.
ينتقل للعمل في إذاعة صوت أمريكا القسم الكردي. ليبث عبر أثيرها لكنته العامودية ( نسبة إلى مدينة عامودا) ليقول :
Vêde Waşintone, Dengê Amêrika beşê Kurdî .
يقولها بكبرياء , ليوصل إمتنانه لإستاذه الباحث في شؤون اللغة الأستاذ دحام عبد الفتاح , و لعامودا.
هو يعتبر نفسه تلميذاً متسكعاً على أرصفة الشعر, يغوص في بحاره و ينهل من ينابيعه. يحاكي  نفسه دوماً ليصل إلى صيغة جديدة لتعبر عن خياله المليء بالحكايات و البوح للعدم.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ماهين شيخاني

 

رجع “أبو شفان” إلى البيت في ساعةٍ متأخرة، يجرّ خطواته كما لو كانت أثقل من جسده المنهك. وجهه مكفهر، ملامحه كانت كمن ذاق مرارة أعوام دفعةً واحدة. ما إن فتح باب الدار، حتى لمح ابنه البكر “مصطفى” جالسًا في العتمة، ينتظره كأنه ينتظر مصيرًا لم يأتِ بعد.

– “أهلاً أبي… تأخرتَ الليلة”.

– “كنتُ في مشوار…

إبراهيم أبو عواد / كاتب من الأردن

مَدرسةُ فرانكفورت ( 1923 _ 1970 ) هِيَ مَدرسة للنظرية الاجتماعية والفلسفةِ النَّقْدية ، مُرتبطة بمعهدِ الأبحاثِ الاجتماعية في جامعة غوتة في مَدينة فرانكفورت الألمانية ، ضَمَّتْ المُفكِّرين والأكاديميين والمُنشقين السِّياسيين غَير المُتَّفقين معَ الأنظمة الاقتصادية الاجتماعية المُعَاصِرَة ( الرأسماليَّة ، الفاشيَّة ، الشُّيوعيَّة ) في ثلاثينيات القرن…

عبدالاله اليوسف

 

لكن الهواءَ يحفظُ صوتكَ في الشقوق

بين تنهيدةٍ

ونَفَسٍ لم يُكمِلِ الطريق

 

قلبُكَ

ساعةٌ لا تُعيرُ الوقتَ اهتمامًا

تمرُّ عليها الأزمنةُ

ولا تشيخ

 

تخجلُ

من مرايا الوجوه

فتعيدُ تشكيلنا

كما تشاء

كأنك تصنعُنا من بُعدٍ

بحركةِ عينيك فقط

 

نلتفت

حولنا

أضيافك

نرتدي ظلالًا

ولا ندري

غريب ملا زلال

ليست سوى الحرب
تأكل أضواءنا
و رجالها
في دهاليز المملكة
يكيلون دماءنا
مُذ عرفت
أن الرب
في عليائه يستريح
كمحارب قديم
أتى تواً
من الجبل
و أحلامنا ..
آمالنا
تذهب في الريح
بحثاً عن أشلائنا
هل كانت الأمور
في السموات العشرة
على ما يرام
حين خلت المدينة
من أبنائها
إلا من بقي نائماً
تحت الركام
و زخات المطر
بعد القصف
هل كانت
دموع الرب في عليائه
على عباده
أم كانت
رذاذات صرخة
لطفل يبحث عن أمه
كل المعابد
لا تصلح لإطفاء الحريق
فالرب متعب
والكهان متعبون …