«ألف قطرة دم وقطرة» دراسة في الإبادة الجماعية.. جديد الباحث إبراهيم محمود

مركز دراسات الإبادة الجماعية
كتاب ” ألف قطرة دم وقطرة: دراسة في الإبادة الجماعية ” أحدث ما صدر للباحث إبراهيم محمود، عن مركز دراسات الإبادة الجماعية- جامعة دهوك،مطبعة خاني، 2019، في ” 260 صفحة ” من القطع الوسط. ويتضمن العناوين التالية:
إضاءات في مفترق الكلام 
الفصل الأول
من داخل الجليد الملتهب ” للتقديم طبعاً “
 مفارقات بالعين المجرَّدة
الفصل الثاني
الدائرة المنحرفة للإبادات الجماعية في القرن العشرين:
أي سجلّ أنتقي؟  أي مسار أرتقي ؟  
الفصل الثالث
حادي الكوارث في القرن الحادي والعشرين  
ملحق
نصوص للقراءة والتأمل
سيرة ذاتية للمؤلف
واللافت في الكتاب هو أن أغلب مصادره باللغة الفرنسية، كما في الملحق الذي يضم عدة مقالات تدور في فلك الإبادة الجماعية.
وكنموذج على طبيعة بناء هذا الكتاب، نقدم مقتطفاً من مقدمة المؤلف :
كثيراً ما يتردد في أوساطنا، أو يتناهى إلينا، أو نقرأ عبارات لا لبْس فيها، وهي أن لا أحد يفرح بالحديث، ولا بأي شكل عموماً، عن كل ما له صلة بـ” الجينوسايد ” أو” الإبادة الجماعية ” أو ” الهولوكوست “، أو المجزرة الجماعية “…الخ. كلام، قول مسطور يثير السخرية والقشعريرة في النفس، بمقدار ما يبعث على الاستغراب. إذ من هذا الذي يتفوه بالطريقة هذه، وأين، ومتى؟ وكيف يجاز قول كهذا، كيف تتم المصادقة على حديث كهذا: شفاهةً أو كتابة، وتمريره دون توقيفه ومن ثم مساءلة المعني به قريباً أو بعيداً، مثل: من أين جئت بهذا الكلام؟ وكيف تهيَّأ لك أنه قول صحيح، وتريدنا موافقين على ما تقول؟
علينا بدايةً، ألا نعتبر ما نسمع ونقرأ، مهما كان جنسه ونوعه، بوصفه عفو الخاطر، حتى وإن تراءى هكذا، فليس هناك ما يصدر عنا من قول، حتى وإن كنا في جلسة مزاح أو أنس، أو طرب، أو تبادل نكات، دون مرجعية نفسية لها تاريخها.
أمّا بصدد ما تقدم، فإن الثقل النفسي، الاجتماعي، السياسي، والتاريخي لكبير جداً، بمقدار ما يكون العائد إليه تاريخياً ، ثقافياً، وإحصائياً كبيراً جداً بالتأكيد.
إن أول ما يقال هنا من باب الاعتراض: وكيف نفسر كل هذه المجازر، بأنواعها المعلنة والخفية، هذه الصنافة الكبرى التي تتعدى حدود المسجَّل/ المدوَّن تاريخياً، والتي تنتسب إلى ” الجينوسايد “؟ كيف نشرح انشغال الناس، مهما كان بينهم من تفاوت بالحرب، بأشكالها وأنواعها، وجنسياتها، وأساليبها قولاً وفعلاً، وحتى ولع نسبة لا يستهان بها منهم، بمشاهدة أفلام، وما يعادلها تنتمي إلى الحروب وفظائعها، وتفاعلهم مع سردياتها الدامية ؟
من أين يأتي كل هذا العنف؟ لا بد أن له أصولاً، أن له قواعد متحركة، ومتحولة، ولكنها تسمّي ما يدور بمستويات لا تحصى أحياناً من هذه الصراعات التي تكون حروب الإبادة الجماعية أكثر همجية واستئصالية وتدميراً !
من يمكنه تبرئة نفسه، كلّياً مما يجري، وهو يتهجى كلمات ذات نبرة انتقامية، وهو يهدد حتى أقرب المقربين منه أو إليه، إلى جانب الأرضية المجتمعية واللاشعورية لهذا الخزّان الذي يفيض بصور عنفه؟ كيف يمكن تفسير البعد التاريخي، الطبيعي، النفسي، الثقافي، وحتى التربوي لعبارات من نوع: سوف أشرب من دمه، سآكل لحمه، سأمزقه إرباً إرباً، سأحرقه..؟
أترانا سذَّجاً إلى هذه الدرجة، لنعتبَر ما قيل ذا علاقة بلحظة قهر، أو غضب، ثم ننساه أو نتناساه وكأنه لم يكن؟ إنما – في حالة كهذه- هل يمكن تبرير هذا التبرير حقاً ؟
ثمة الكثير ممن يمكن قوله، لأن ثمة الكثير حدث وهو من جنس التاريخ وأصله وفصله كذلك، كما يقال، سوى أنه لسبب ما، وما أكثر حالات هذه الـ ” لسبب ما ” بحيث لا يعود غير المُسمَّى، من نطفة التاريخ أو رحمه، إنما خارج نطاق التغطية القيمية تاريخياً. فتتراءى، أو تتسلسل، أمامنا وجوه التاريخ، ذهانياته، آليات العمل باسمه، وما ليس مصنَّفاً باسمه، أو حاملاً بصمته، لتصبح السماء وهي في لاتناهيها، بمفهومنا البشري، ذات اعتبار حسابي، وأن الأشياء في الكون تحمل أسماء، وليس من شيء من دون اسم، أو شارة، أو عنوان: ولادة أونشأة،ليس من زمرة دموية معيَّنة، إلا وقد جرى التعريف بها هنا وهناك في السجلّ الصحّي ” السياسي ” .
ذلك ما نتلمسه من المعنيين بهموم التاريخ ورقائقها، بأوجاعه، منغصاته، طرق احتكاره، استلابه من اسمه، صور رعبه، لحظة التدقيق في كائناته، جغرافيته وكيفية تقطيعها إلى قارات، شعوب وأمم، وأنظمة تقاسمتها تبعاً لقواها الفاعلة أرضياً.
تاريخ ينقسم تاريخاً، وتواريخ تترى بالمقابل، وتعرَض للممساءلة، وهذه ذاتها تتفرع إلى تواريخ، إن نظِر في بنى كل منها، جهة الروايات الصادرة عنها.
لا بد من الدخول من منفذ آخر، غير الباب المحروس بعناية مشددة، كي نتحرى خفايا الداخل، ونحاول معرفة التاريخ أبعد، أعمق، أوضح، أغنى مما يشاع أو يقال عنه، وهو دأب معرفي.
لقد كتب مارك بلوخ ” 1886-1944 ” قبل أكثر من سبعين عاماً، وفي كتابه الشهير” تمجيد التاريخ أو صنعة المؤرّخ ” والمنشور بعد وفاته كلاماً لا يزال محتفظاً برصيده الفكري -التاريخي، وهو يبدي استغرابه تجاه التعريف المعطى للتاريخ (لقد قيل أحيانا: “التاريخ هو علم الماضي”. أعتقد أنه حديث سيئ mal parler بادئ ذي بدء ، فإن الفكرة القائلة بأن الماضي ، على هذا النحو ، يمكن أن يكون موضوعًا للعلوم هو أمر سخيف. الظواهر التي ليس لها طابع آخر من كونها غير معاصرة لنا. كيف يمكننا أن نجعلها ، من دون اتخاذ قرار مسبق sans décantage préalable  ، مادة معرفة عقلانية؟ هل نتخيل في هذه الأثناء، علماً شاملاً للكون science totale de l’Univers  في وضعه الراهن ؟ ) ” 1 “. 
لقد كتب، كما أرى، وثيقة موته، أو بدقة أكثر هنا: قتْله على يد من كان يريد للتاريخ وجْهة واحدة، وأعني بهم النازيين وأشباههم ! وهذا ينطبق على كل من يبحث عن التاريخ ويشخّصه بعمق، أو يتحرى بنيانه وفيه، خارج ما هو مؤطَّر، لأن التأطير يلغي التباعد، ليس حباً في التقارب، إنما كراهية للتمايز الذي يستند إلى سمة رئيسة، وهي الانفصال بطابعه الاستقلالي، تلك المسافة الضامنة للنظرة الصائبة، كي يرى المرء ما هو عليه. وحتى حين نظرته إلى صورة وجهه في المرآة، فإنه يحتاج إلى مسافة محدَّدة، لكي يكون في مقدور المرآة أن تقدّم له صورة أكثر وضوحاً لناظريْه، أو لكي ينظر إلى صفحة وجهه بعلاماته المائزة بدقة أكثر.
وفي الحديث عن أن العالم أصبح قرية واحدة، حديث عن كارثة كوكبية، رغم المديح الفائض الذي يزجى به هذا القول، لأن هذه القرية الضاغطة/ المضغوطة، لا تسمّي قارات العالم، دوله، شعوبه، وأممه بلغاتها كاملة، إنما من له الحظوة في حيازة القوة، لكي يكون ” فتوَّة/ قبضاي العالم “، فيكون كل أحد مرئياً، وتحت مرمى نظرة المعني بأمره بمقاييسه.
وفي ضوء ذلك، انقلبت موازين التاريخ، لانقلاب موازيع البشرية، فهم، إذ تقارَبوا تحارَبوا، وإذ تحاربوا ” تخاربوا ” أو خرَّب بعضهم بعضاً، بمقدار ما نسي البعض البعض الآخر بنسب متفاوتة، إلا من زاوية كيفية التمكن منه، لنكون إزاء مآدب من اللحم البشري، وإن لم تُلتَهم، على طريقة ” الهانيبال: آكلي اللحم البشري “، وإنما وهي تثير شهية القتلة، وتزيدها عنفاً.
إنه كتاب، جاء في وقته نتيجة ما يتعرض له شعبنا الكردي من ويلات هنا وهناك !
 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

خلات عمر

لم يكن الطفل قد فهم بعد معنى الانفصال، ولا يدرك لماذا غابت أمّه فجأة عن البيت الذي كان يمتلئ بحنانها. خمس سنوات فقط، عمر صغير لا يسع حجم الفقد، لكن قلبه كان واسعًا بما يكفي ليحمل حبًّا لا يشبه حبًّا آخر.

بعد سنواتٍ من الظلم والقسوة، وبعد أن ضاقت الأم ذرعًا بتصرفات الأب…

خوشناف سليمان

لم تكن الصحراء في تلك الليلة سوى صفحة صفراء فارغة. تنتظر أن يُكتب عليها موتٌ جديد.
رمل يمتد بلا نهاية. ساكن كجسدٍ لا نبض فيه. و الريح تمر خفيفة كأنها تخشى أن توقظ شيئًا.
في ذلك الفراغ توقفت العربات العسكرية على حافة حفرة واسعة حُفرت قبل ساعات.
الحفرة تشبه فمًا عملاقًا. فمًا ينتظر أن يبتلع آلاف البشر…

تلقى المكتب الاجتماعي في الاتحاد العام للكتاب والصحفيين الكرد في سوريا، اليوم، بحزن، نبأ رحيل شقيق الزميلة رقية حاجي:

نايف أحمد حاجي
الذي وافته المنية في أحد مشافي هولير/أربيل عن عمر ناهز ٥٩ عامًا.

يتقدم المكتب الاجتماعي في الاتحاد العام للكتاب والصحفيين الكرد في سوريا بخالص العزاء للزميلة رقية حاجي، وللفنان حسين حاجي، وللناشط عبدالكريم حاجي، ولعموم عائلة…

صبحي دقوري

في لحظة ثقافية نادرة، يتصدّر الموسيقار الكوردي هلكوت زاهير المشهد الموسيقي العالمي بعدد أعمال معتمدة بلغ 3008 أعمال، رقمٌ يكاد يلامس الأسطورة. غير أنّ أهمية هذا الحدث لا تكمن في الرقم نفسه، بل في ما يكشفه من تحوّل جذري في مكانة الموسيقى الكوردية ودورها في المشهد الفني الدولي.

فهذا الرقم الذي قد يبدو مجرّد إحصاء،…