صدر حديثاً عن منشورات رامينا في لندن كتاب جديد للروائي السوريّ هيثم حسين بعنوان “العنصري في غربته”، وهو عبارة عن سيرة، يحكي فيه الكاتب حكايات عن العنصرية والغربة والهوية واللغة والاندماج والصراعات التي تتخلّل مسارات حياته.
عبر ثمانية عشر فصلاً ينتقل هيثم حسين في سيرته بين حكايات ومواقف وأحداث تستبطن صوراً متباينة ومختلفة للعنصرية، حيث تكون الصدمات بالبشر في سلوكياتهم وممارساتهم اليومية جزءاً من متاهة تغرق كثيرين في عتماتها.
يعالج هيثم حسين في سيرته موضوع العنصرية بمقدار كبير من الجرأة والتجرّد، يتحدّث عن جروح مفتوحة في أكثر من مكان، ولا يخشى مغامرة الخوض في تفاصيلها، وذلك عبر رحلة حياتية تنطوي على الكثير من المكابدة، مع الحياة والكتابة والبشر.
ينتقي الكاتب مواقف صادفها أو أحداث وقعت له ويمضي بطريقته الروائية والفلسفية في طرحها وتفكيكها، ينزع عنها تلك الأردية التي تغلّفها وتبعدها عن واقعها.
من مدينته الصغيرة عامودا إلى لندن، مروراً بالكثير من المدن التي شكّلت محطّات في سيرة حياته، يثير الكاتب أسئلة محورية عن واقعنا ومصيرنا، يكتب بجرأة وصدق مع الذات، حيث يقدّم شهادته على عالم يمضي نحو إلغاء الألوان البهية التي تجمّله إلى عتمة تهدّد أنواره المتحقّقة عبر تاريخ مديد من الإنجازات الإنسانية..
يشدّد هيثم حسين على أنّ العنصرية مستنقع لا خلاص منه إلّا بالوعي وتقبّل الآخر، والغربة متاهة متجدّدة، ليس من اليسير تبديدها أو الخلاص منها، ولكن يمكن بالكتابة تهدئة آثارها والتخفيف من حدّتها..
لا يبقى القارئ على الحياد في سيرة كهذه، فالحياد في قضايا مصيرية يُعتبَر تملّصاً من المسؤولية، وكلّنا ملزمون برفع بطاقة حمراء في وجوه العنصريين أينما كنّا وأينما كانوا..
يشار إلى أنّ غلاف الكتاب من تصميم الشاعر والمصمم ياسين حسين ولوحة الغلاف للفنان الكردي المعروف بهرم حاجو.
مما جاء في الفصل الأول المعنون بـ”صراع الألوان والأهواء”:
ما الذي أبحث عنه وأنا أسرد حكايات عن صراعات، خفية أو معلنة، بين الألوان التي يمكن أن تشكّل لوحات رائعة، وأهواء وأمزجة يمكن أن تتناغم معاً في نسيج حضاريّ مختلف مبنيّ على الاحترام والتقدير، لكنّها تختار الجانب البدائيّ، تدخل في صراع مع بعضها لتنتج كوارثها، وتبقي نفسها رهينة لون باهت يخبو بالتقادم، ويتحوّل إلى عالم أسود شاحب منغلق على ذاته.
هل أحرّض العنصرية وأساهم بإطالة عمرها وإدامتها بالحديث عنها أم أراني أحاول كشف جوانبها المظلمة عساني أساهم بسلبها تلك القوّة الفتّاكة التي تنتعش في العتمة وتتأجّج خلف أسوار الكراهيات المتجدّدة.
يمكن لكلّ واحد منّا أن يحصي كثيراً من النقاط والأفكار والمبرّرات التي من شأنها أن توقظ أعتى العنصريات والفتن في داخله، لكن هل هذا ما نحتاج إليه في عالم اليوم الذي يبدو وكأنّه ينزع بيده مسمار الأمان ليوقّت لانفجاراته المتتالية في حاضره ومستقبله…!
لا يعدم أيّ امرئ ابتداع مبرّرات عنصريّته تجاه آخرين، لكنّ التحدّي يكون في وأد تلك العنصرية وإطفاء سعيرها بالفكر والمواجهة والعقل.
يحتاج كلّ منّا أن يتسامى على جراح غائرة، وعلى ضغائن وعنصريّات مخفية في داخله، وأن يرجّح كفّة العيش بسلام على الموت من أجل أوهام مضلّلة. العالم يكفينا جميعاً إذا أردنا أن نتعايش، لكنّه يضيق بشكل قاتل علينا ويخنقنا حين نختبئ خلف عنجهيات العنصرية المضلّلة التي توهمنا أنّ عالمنا سيكون أجمل لو أنّه يخلو من تلك الألوان التي تعكّر صفو لوننا، ومن تلك الأهواء التي لا تناسب أهواءنا.
تعريف بالكاتب:
هيثم حسين: روائي كردي سوري، يحمل الجنسية البريطانية، مقيم في لندن. نشر عدداً من الأعمال الروائية والنقدية منها: “آرام سليل الأوجاع المكابرة”، “رهائن الخطيئة”، “إبرة الرعب”، “عشبة ضارّة في الفردوس”، “قد لا يبقى أحد”، “الرواية بين التلغيم والتلغيز”، “الرواية والحياة”، “الروائيّ يقرع طبول الحرب”، “الشخصيّة الروائيّة.. مسبار الكشف والانطلاق”، “لماذا يجب أن تكون روائياً؟”. ترجم عن الكردية مجموعة مسرحيات “مَن يقتل ممو..؟” للمؤلف بشير ملا. أعدّ وقدّم كتاب “حكاية الرواية الأولى”. ترجمت أعماله إلى الإنكليزية والفرنسية والتشيكية والكردية..